حصاد اليوم الأول من «الزيارة التاريخية» لخادم الحرمين الشريفين إلى روسيا يبشر بالكثير، خصوصاً مع ما تحقق من نتائج تؤكد تجاوز «الجفوة» والاتجاه إلى ما بعد الخطوة الأولى من طريق الألف ميل.

خاص بإيلاف من موسكو: القراءة السريعة لما أسفرت عنه المباحثات الروسية السعودية في يومها الاول من نتائج تقول إن كلا من الجانبين يبدو وقد حقق بعضاً من مراده. 

ومن واقع مطالعة ما بين سطور التعليقات حول هذه النتائج الأولية لما جرى في موسكو من مباحثات بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما سبقها من مداولات تمهيدية بين أعضاء الوفدين الروسي والسعودي، يمكن القول إن الطرفين قطعا شوطاً طويلاً على طريق تطبيع العلاقات بين البلدين وتجاوز عثرات «الجفوة» التي كانت اعترت العلاقات بسبب تفاقم الأزمة السورية، بما يمكن معه القول إنهما في سبيلهما إلى ما بعد الخطوة الأولى لطريق الألف ميل.

لذا كان من الطبيعي أن يخلص الجانبان الى أهمية زيارة خادم الحرمين الشريفين لموسكو، بكل ما تعنيه من دلالات يقول معظمها بصدق النوايا وتأكيد الرغبة المشتركة في التحول نحو التعاون في كل المجالات، من منظور «براجماتي» يتفق مع «رؤية 2030»، وما تطرحه موسكو في إطار «عقيدتها الجديدة للسياسة الخارجية»، والعقيدة العسكرية الروسية الجديدة. 

وإذا أخذنا في الاعتبار ما صار الغرب يعترف به لروسيا من نجاح في عودتها الى صدارة الخريطة السياسية العالمية، واستعادة بعض مواقعها السابقة في إطار ما أوجزه الرئيس بوتين في خطابه في مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونيخ خلال فبراير 2007 حول رفض بلاده لهيمنة القطب الواحد وضرورة تحول العالم الى تعدد الاقطاب، وما يتردد اليوم حول تحول العربية السعودية الى «عصرنة» سياساتها بما يتفق ومقتضيات القرن الحادي والعشرين، فاننا نكون أمام إتفاق غير معلن في الرؤى والتوجهات بين البلدين. 

ومن هذا المنظور أيضا ينبغي النظر الى ما يسود الاوساط الروسية، السياسية منها والاقتصادية، من «ارتياح مكتوم» تجاه النتائج التي أسفرت عنها مباحثات اليوم الاول من زيارة خادم الحرمين الشريفين، بسبب «تواضعها»، على حد تقدير بعض المراقبين في موسكو، بالمقارنة مع ما سبق وحققه الرئيس الاميركي دونالد ترامب في زيارته للرياض في مايو الماضي على هامش القمة العربية الاسلامية من «مكاسب اقتصادية» بلغ مجموعها ما يقرب من 460 مليار دولار. وننقل بهذا الصدد ما قاله فيدور لوكيانوف رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع المعروف بقربه من الكرملين إن مقارنة ما تحقق من نتائج في موسكو وما حصل عليه ترامب من زيارته للرياض يمكن ان «تضع كل الامور في نصابها الطبيعي». 

وأضاف لوكيانوف الذي يشغل أيضا منصب رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة العلمية» أن مثل هذه المقارنة تقول إن «ما تحقق في موسكو هو المدى الذي تستطيع السعودية اليوم دفعه ثمنا لعلاقتها مع روسيا، بالمقارنه مع ما كانت رصدته ثمنا لعلاقاتها مع الولايات المتحدة». 

وأعاد لوكيانوف الى الاذهان ما كان اعترى العلاقات الروسية السعودية من توتر منذ ثلاث سنوات بسبب الاختلافات تجاه الاوضاع في سوريا، وما تبدو اليوم عليه علاقات البلدين من «وئام»، يقول ضمنا إن السعودية اعترفت لموسكو بحقها في الوجود في المنطقة، وهو ما يعزوه مراقبون آخرون الى نجاح بوتين في ملء الفراغ الذي نجم عن «غياب» الادارة الاميركية السابقة إبان سنوات حكم باراك أوباما.

وفي معرض القراءة السريعة لبعض ما جرى التوقيع عليه من اتفاقات بين موسكو والرياض، نشير الى «الرؤية النقدية» لبعض المراقبين ممن يرون في «مذكرات التفاهم والنوايا» التي جرى الاعلان عنها في الكرملين تكرارا لبعض ما سبق وجرى الاعلان عنه من «اتفاقات» في أعقاب أول لقاء جمع الرئيس بوتين مع الامير محمد بن سلمان في يونيو 2015 على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبورغ، وكان منها ما يتعلق بالتعاون في مجال الفضاء والاستخدام السلمي للطاقة النووية. ولذا نسارع لنقول بضرورة الرجوع الى ما حرص سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية أمس في مؤتمره المشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير. 

وكان لافروف أكد أن «الرئيس بوتين وجلالة الملك سلمان أعطيا توجيهاتهما بتكليف كل الوزراء المشاركين في المباحثات والذين قال إنهم يشكلون عملياً كل أعضاء الحكومتين الروسية والسعودية، بالالتزام بتنفيذ كل ما جرى الاتفاق حوله في موسكو». وفي ذلك تكمن جدية النوايا على حد اعتقاد كثيرين. 

أما عما جرى تداوله من تفسيرات حول الاتفاق بشأن الصفقات العسكرية ومنها امداد السعودية بمنظومات صواريخ «إس-400» الصاروخية الدفاعية الحديثة شريطة أن تلتزم موسكو بالعمل من أجل إنتاجها المشترك في السعودية، فننقل عن سيرغي تشيميزوف رئيس مؤسسة التسليح الروسية وصديق الرئيس بوتين منذ سنوات عملهما المشترك في جهاز «كي جي بي» في درزدن في ألمانيا الديموقراطية في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. 

وكان تشيميزوف كشف عن تحفظات موسكو تجاه مثل هذه الشروط، وهو نفس الموقف الذي رصدناه مؤخراً لدى الحديث عن «طلبات مماثلة» من جانب تركيا تطرق إليها المراقبون في تعليقاتهم حول الزيارة الاخيرة للرئيس بوتين لانقرة. 

وكان الجانبان الروسي والسعودي قد توصلا الى توقيع اتفاق في مجال التسليح تبلغ قيمته ثلاثة مليارات ونصف مليار، كشغت المصادر الرسمية في الكرملين أنه ينص ضمنا على إنتاج «رشاش الكالاشنيكوف» وبعض أنواع الذخيرة في العربية السعودية، دون الاشارة الى «المنظومات الصاروحية إس- 400» التي تحدثت عنها بعض المصادر الاعلامية الغربية والعربية. 

وتلك قراءة أولية سريعة لحصاد اليوم الاول من «الزيارة التاريخية» لخادم الحرمين الشريفين، تستكملها إيلاف بقدر ما يتحقق من نتائج خلال الأيام القلية المقبلة.