أنقرة: حثت السلطات التركية الاثنين الولايات المتحدة على العدول عن قرارها الصادر الاحد بتعليق منح تأشيرات دخول في ممثلياتها في تركيا، في خلاف ينذر بتفاقم أزمة كبيرة بين البلدين. 

وعلقت تركيا الاحد اصدار تأشيرات للمواطنين الاميركيين ردا على اجراء اميركي مماثل في تصعيد لازمة دبلوماسية بين البلدين على خلفية توقيف احد موظفي البعثة الدبلوماسية الاميركية في اسطنبول.

وحذر خبراء من تفاقم الخلاف وان يتطور ليصبح اول ازمة خطيرة في العلاقة بين الحليفين في حلف الاطلسي منذ عقود.

واستدعت وزارة الخارجية التركية المسؤول الثاني في السفارة الاميركية في انقرة فيليب كوسنيت الاثنين، وسلمته طلب أنقرة بعدول واشنطن عن قرارها تعليق كل خدمات التأشيرات لغير الهجرة في ممثلياتها في تركيا. 

واخبر مسؤولون في الوزارة التركية الدبلوماسي الاميركي ان قرار واشنطن يخلق "تصعيدا غير ضروري"، حسب ما نقلت وكالة انباء الاناضول الحكومية.

وكانت السفارة الاميركية في انقرة اعلنت ان "الاحداث الاخيرة" اجبرت الحكومة الاميركية على اعادة تقييم مدى "التزام" تركيا حماية امن البعثات الاميركية في البلاد.

واضافت السفارة انه وبهدف تقليص عدد الزوار خلال فترة التقييم هذه "علّقنا، وبمفعول فوري كل خدمات التأشيرات لغير المهاجرين في كل المرافق الدبلوماسية والقنصلية في تركيا".

ويتم اصدار التأشيرات لغير المهاجرين لجميع المسافرين الى الولايات المتحدة للسياحة، والعلاج الطبي واقامة الاعمال والعمل او الدراسة لفترات محددة. فيما تخصص تأشيرات الهجرة للذين يريدون العيش في الولايات المتحدة بشكل دائم.

وردت تركيا على الاجراء بتعليق "كل خدمات التأشيرات للمواطنين الاميركيين في الولايات المتحدة"، موضحة ان الاجراءات تشمل كذلك التأشيرات الإلكترونية والتأشيرات على الحدود.

وفي ما يبدو محاولة للتهكم على الاعلان الاميركي، اصدرت السفارة التركية في واشنطن بيانين يشكلان نسخة طبق الاصل للاعلان الصادر عن السفارة الاميركية في انقرة.

"قلق عميق" 

اشار البيانان الى ان الاجراءات سببها القلق حيال التزام الولايات المتحدة حماية امن المنشآت الدبلوماسية التركية وموظفيها. الا ان اقتصار الاجراءات على الاميركيين وشمولها التأشيرات الالكترونية وتلك التي تمنح على الحدود يجعل منها اجراءات عقابية اكثر منها اجراءات بدوافع امنية.

وكان بيان اول للسفارة التركية اشار الى ان الاجراءات تنطبق على "تأشيرات جوازات السفر" قبل ان تستبدل العبارة في بيان ثان بعبارة "التأشيرات الملصقة".

ولم يوضح البيان ما اذا كانت العبارة تعني انه لن يسمح بدخول حاملي التأشيرات المطبوعة في جوازات السفر.

بيان السفارة الاميركية اشار الى "احداث اخيرة" ولم يذكر صراحة توقيف السلطات التركية لموظف تركي يعمل في القنصلية الاميركية في اسطنبول.

وتم توقيف الموظف مساء الاربعاء بموجب قرار محكمة في اسطنبول بتهمة صلته بمجموعة الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، والذي تتهمه انقرة بتدبير الانقلاب الفاشل ضد الرئيس رجب طيب اردوغان العام الماضي، بحسب وكالة الاناضول الرسمية.

ووجهت للموقوف رسميا تهمة التجسس والسعي للاطاحة بالحكومة التركية، بحسب الوكالة.

وعبرت السفارة الاميركية الخميس في بيان عن "قلقها العميق"حيال التوقيف وقالت ان التهم الموجهة الى موظفها "لا اساس لها".

كذلك استنكرت في البيان تسريبات في الصحافة المحلية قالت السفارة انها جاءت من مصادر في الحكومة التركية "يبدو انها تهدف الى محاكمة الموظف في وسائل الاعلام وليس امام القضاء".

لكن المتحدث باسم اردوغان ابراهيم كالين دافع عن التوقيف مؤكدا انه "لا بد من وجود ادلة قوية" مشيرا الى اتصال هاتفي اجري من القنصلية في اسطنبول باحد المشتبه بهم الرئيسين ليلة محاولة الانقلاب.

وهذا الموظف التركي في القنصلية الاميركية ليس الاول الذي يخضع لملاحقة قضائية في تركيا.

ففي مارس الفائت، اوقفت السلطات التركية موظفا تركيا في القنصلية الاميركية في اضنة بتهم دعم حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. 

وذكرت صحيفة "حريات" اليومية التركية أن السلطات اصدرت مذكرة توقيف بحق موظف ثالث في القنصلية الاميركية، مشيرة إلى اختبائه حاليا في القنصلية. 

لكن وزير العدل التركي عبد الحميد غول نفى عمله بالامر في مقابلة مع محطة تليفزيون محلية.

"قرار مخز"

قال سونر كاغابتاي مدير البرنامج التركي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى إن الاوضاع الحالية تكشف وجود ازمة مزمنة في العلاقات الاميركية التركية.

واوضح كاغابتاي لفرانس برس "هذه الخطوة ستدفع النخب التركية الى مطالبة اردوغان بالتوقف عن مضايقة المواطنين الاميركيين في تركيا، لكنني اعتقد ان اردوغان سيفعل العكس وسيقوم بالتصعيد".

من جهتها وصفت صحيفة "ييني شفق" الموالية للحكومة الامر بانه "قرار مخز من قبل الولايات المتحدة".

وكان مسؤولون اتراك اعربوا عن املهم في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين انقرة وواشنطن في عهد الرئيس دونالد ترامب.

وتطاب تركيا واشنطن بتسليمها الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه بانه وراء محاولة الانقلاب، وهو ما ينفيه غولن بالمطلق، الا ان عدم حصول اي تطور في هذه المسألة ادى الى مزيد من التعقيد في العلاقات التركية الاميركية.

ووجهت السلطات الاميركية التهم رسميا إلى ثلاثة من مرافقي اردوغان بضرب محتجين في واشنطن على هامش زيارة له الى الولايات المتحدة في مايو الماضي، في قرار اثار غضب الرئيس التركي.

وأوقفت السلطات التركية القس اندرو برانسون المشرف على كنيسة في مدينة إزمير على ساحل بحر ايجه في أكتوبر 2016 بتهمة الانتماء إلى شبكة غولن، المقيم في الولايات المتحدة منذ 1999.

واقترح اردوغان في 28 سبتمبر على الولايات المتحدة تسليم غولن مقابل الافراج عن القس الأميركي، الا ان واشنطن لم تبد اي تجاوب مع هذا الاقتراح.

وقال كاغابتاي "سيكون من الصعب في القريب العاجل استعادة العلاقات إلى ما كانت عليه".