مدريد: اعلنت الحكومة الاسبانية الخميس مضيها في اجراء تعليق الحكم الذاتي لكاتالونيا، معتبرة ان رئيس هذا الاقليم كارليس بوتشيمون لم يحافظ على النظام فيه، ما ينذر بتعميق الازمة التي تهدد استقرار مملكة اسبانيا.

وكتب كارليس بوتشيمون الخميس في رسالة وجهها الى رئيس الحكومة المركزية ماريانو راخوي اثر تلويح الاخير بالتهديد بتعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا، "اذا اصرت حكومة الدولة على منع الحوار ومتابعة القمع، فإن برلمان كاتالونيا يمكنه، اذا قدر ان ذلك مناسب، ان يجري تصويتًا على اعلان رسمي للاستقلال وهو ما لم يفعله في 10 اكتوبر" 2017.

وكان يتعين على رئيس حكومة كاتالونيا ان يحدد قبل الساعة 10,00 (08,00 ت غ) ما اذا كان سيتراجع عن المضي في الاستقلال.

وفي رسالته ترك بوتشيمون لحكومة مدريد الخيار بين ان تأخذ في الاعتبار انه لم يتم حتى الان اعلان الاستقلال في كاتالونيا، وان في ذلك مؤشر تهدئة او ان تستمر في تهديدها بتعليق الحكم الذاتي.

واعتمدت الحكومة الاسبانية الخيار الثاني.

وقالت في بيان "إن الحكومة في الاجراء كما تنص عليه المادة 155 من الدستور لاعادة الشرعية الى كاتالونيا"، مشيرة الى "رفض" بوتشيمون الرد على طلباتها. واعلنت ايضا في البيان عن اجتماع طارئ لمجلس الوزراء السبت لبدء عملية تعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا.

ورغم لهجة التصعيد السائدة الا انه لا تزال هناك مهلة من يومين لمشاورات محتملة.

وكانت الصحيفة الكبيرة في كاتالونيا "فانغوارديا" اكدت في مقال لها على "المسؤولية التاريخية" لكارليس بوتشيمون، مناشدة اياه ان يختار ما طرحته حكومة مدريد الاربعاء اي تنظيم انتخابات مبكرة في كاتالونيا للانطلاق من الصفر. وكتبت "ليس هناك معنى للكرامة في انتحار جماعي خصوصا اذا قرره شخص واحد وعانى من آثاره الجميع".

وحذرت الصحيفة ان تعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا الفخورة بذلك، والتي تتمتع بلغة وثقافة خاصة، يمكن ان يؤدي الى "مواجهة اهلية".

ويرى قادة كاتالونيا ان الاستفتاء حول تقرير المصير الذي نظم في الاول من اكتوبر رغم منع القضاء، منحهم "تفويضًا شعبيًا" لاعلان الاستقلال.

وبحسب الارقام التي اعلنوها، ولايمكن التحقق منها، فإن 90 بالمئة ممن شاركوا في الاستفتاء ايدوا الاستقلال. وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 43 بالمئة.

لكنّ هناك انقسامًا عميقًا في كاتالونيا حول الامر.

انتخابات محلية؟

واشار عديد وسائل الاعلام الاربعاء الى ان الحل للخروج من المأزق يتمثل في تنظيم انتخابات محلية مبكرة.

وقال مصدر حكومي لفرانس برس "اذا دعا (بوتشيمون) الى انتخابات وبحسب المعايير المحددة، يمكن ان يعتبر ذلك عودة الى الشرعية".

لكن ذلك لم يكن مطروحًا على الطاولة الخميس بحسب النائب الكاتالوني خوان تاردا من حزب اليسار الجمهوري في كاتالونيا.

بوتشيمون تحت الضغط

ويبدو انه بات من الصعب استعادة الثقة بين مدريد وبرشلونة كما تريد المؤسسات الاوروبية ويريد الكثير من مواطني كاتالونيا وحتى فريق برشلونة الشهير لكرة القدم.

وتعتبر الحكومة الاسبانية أن قادة كاتالونيا انفصاليون و"خارجون عن القانون"، وترفض الحوار معهم طالما لم يتراجعوا في مواقفهم.

وقال راخوي الاربعاء امام البرلمان، "لا يمكن ان نتحاور مع من يخرقون القانون والدستور".

وكان كارليس بوتشيمون الذي نادى دائمًا باستقلال كاتالونيا، وصل الى الحكم في بداية 2016 واعدًا باستقلال الاقليم. لكنه اليوم ممزق بين العديد من الضغوط.

ويحثه انصاره على عدم التراجع خصوصا بعد ان ثارت ثائرتهم اثر ايقاف سلطات مدريد الثلاثاء وجهين من وجوه الدعوة للاستقلال جوردي سانشيز وجوردي غيسارت بتهمة "العصيان".

وخرج عشرات آلاف الكاتالونيين مساء الثلاثاء للشارع لدعم "السجينين السياسيين".

كما حث حزب "سي يو بي" (يسار متشدد) والحليف الاساسي لبوتشيمون على اعلان جمهورية مستقلة في كاتالونيا بلا تأخير.

ودعا الى تظاهرات مساء الخميس والاحد تحت شعار "لنوقف القمع ولنخرج الى الشوارع بلا خوف. لنقم الجمهورية الآن".

وتعتبر كاتالونيا، الواقعة في شمال شرق اسبانيا بمساحة تزيد عن 30 الف كلم مربع، احد محركات الاقتصاد الاسباني فهي أول منطقة مصدرة وفي الطليعة في مجالات الصناعة والبحث والسياحة، لكنها تعاني من دين ثقيل.

ويمكن ان يترك عدم استقرارها آثارًا سلبية جدا على الاقتصاد الاسباني حتى ان مدريد راجعت توقعاتها للنمو في 2018 من 2,6 الى 2,3 بالمئة من الناتج الاجمالي.

اقوى اقتصاد مع مدريد

ساهمت كاتالونيا بنسبة 19 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي الاسباني متقدمة بشكل طفيف جدًا عن مدريد (18,9 بالمئة) في لقب اثرى منطقة اسبانية. وتحل في المرتبة الرابعة بالنسبة لقياس الناتج الاجمالي للفرد (28600 يورو مقابل معدل 24 الف يورو في اسبانيا) خلف مدريد وبلاد الباسك ولانافاري.

ونسبة البطالة في كاتالونيا المشابهة لنسبتها في مدريد، اقل بكثير من باقي البلاد. وكانت 13,2 بالمئة في الفصل الثاني من 2017 مقابل 17,2 بالمئة في المستوى الوطني و13 بالمئة في مدريد.

نشاط تصديري متميز وشركات كبرى

كاتالونيا هي أول منطقة تصدير في اسبانيا وتتقدم كثيرًا عن كل الاقاليم في هذا المجال. فقد امنت ربع مبيعات السلع للخارج في 2016 وفي الفصل الاول من 2017. واجتذبت في 2015 نحو 14 بالمئة من الاستثمارات الاجنبية في اسبانيا لتحل في المرتبة الثانية بعد مدريد (64 بالمئة) ومتقدمة باشواط عن باقي الاقاليم.

واتخذت عدة شركات كبرى كان مقرها في برشلونة قرارًا بنقل مقراتها خارج كاتالونيا خشية حدوث عدم استقرار. وبقيت مباني المقرات لكن المقرات الرسمية لاكثر من 800 شركة غادرت الاقليم، وبينها ثالت اكبر بنك اسباني "كاشا بنك" وشركة الغاز الطبيعي العملاقة ومجموعة البرتيس للطرقات السريعة.

منطقة صناعية كبيرة

تمثل الصناعات الغذائية اول قطاع صناعي في كاتالونيا من ناحية توفير فرص العمل ورقم المعاملات خصوصً بفضل صناعة اللحوم، فكاتالونيا من اكبر مصدري لحم الخنزير.

كما ان كاتالونيا تمثل نصف الانتاج الكيميائي لاسبانيا. ونشاطها يفوق بعض الدول الاوروبية مثل النمسا، بحسب الفدرالية الاقليمية للقطاع.

كما ان كاتالونيا كانت في 2016 ثاني اكبر منتج للسيارات مع 19 بالمئة من الانتاج الوطني (21 بالمئة في كاستي وليون). وتملك شركتا نيسان وفولكسفاغن (عبر الماركة سيات) مصانع انتاج فيها. واسبانيا هي ثاني صانع سيارات في الاتحاد الاوروبي بعد المانيا.

كما تملك كاتالونيا قطبًا لوجستيًا مهمًا.

تطور كبير في مجال البحث والبيولوجيا

راهنت كاتالونيا على البحث خصوصًا في العلوم البيولوجية (علم الوراثة والاعصاب وبيولوجيا الخلايا ..) ويمثل هذا القطاع 7 بالمئة من ناتجها الاجمالي. وهي منطقة غنية بالمستشفيات الفائقة التطور ومراكز البحث بما فيها في المجال النووي. كما انها تعد اول منطقة في اوروبا لناحية عدد شركات الصيدلة للفرد.

والتكنولوجيات الحديثة منتشرة بقوة في برشلونة التي تحتضن سنويًا المؤتمر الدولي للهواتف الجوالة.

والجامعات الكاتالونية هي بين الافضل في اسبانيا. ففي ترتيب شنغهاي بين الجامعات الاسبانية الخمس الاولى، هناك ثلاث جامعات كاتالونية. كما تشتهر في كاتالونيا كليتان للتجارة، وفي برشلونة دور نشر كبيرة.

اول وجهة سياحية في اسبانيا

كاتالونيا مع عاصمتها برشلونة وشواطئها في كوستا برافا، هي المنطقة الاسبانية التي تجتذب اكبر عدد من السياح الاجانب. وزاد الاقبال عليها في السنوات الاخيرة. وزارها اكثر من 18 مليون سائح في 2016 اي ربع الاجانب الذين زاروا اسبانيا.

ومطار برشلونة هو ثاني اهم مطارات البلاد بعد مطار مدريد. واستقبل في 2016 اكثر من 44 مليون مسافر. ويلقى المطار اقبالا كبيرا من شركات الطيران الاقتصادي (لو كوست) التي تسعى لجعلها محورا اوروبيا لرحلاتها البعيدة باتجاه القارة الاميركية.

وميناء برشلونة هو ثالث اهم موانىء اسبانيا بعد الخيسيراس وفالنسيا وأحد اهم موانىء الرحلات السياحية في اوروبا.

الدين نقطة الضعف

لكن نقطة الضعف في كاتالونيا هي ثقل الدين العام. فهو يمثل 35,4 بالمئة من ناتجها الاجمالي وهي بذلك ثالث اكثر اقاليم اسبانيا ديونًا في الفصل الثاني من 2017.

بل انها الاولى اذا تم احتساب القيمة المطلقة ب 76,7 مليار يورو في نهاية يونيو 2017. وديونها مصنفة في الفئة المضاربة ما يمنعها من التمول مباشرة من الاسواق. وهي رهينة قروض الدولة المركزية.

الاثر الاقتصادي للاستقلال

الجدل محتدم بين انصار استقلال كاتالونيا ومعارضيه الذين يبنون ارقامهم وفق منهجيات وفرضيات مختلفة.

فبحسب وزير الاقتصاد الاسباني، فإن كاتالونيا مستقلة وخارج الاتحاد الاوروبي ستشهد تراجعًا في ناتجها الاجمالي بما بين 25 و30 بالمئة مع تضاعف نسبة البطالة.

في المقابل، يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن الدولة الجديدة ستبقى ضمن الاتحاد الاوروبي معتبرين ان ناتجها الاجمالي سيبقى تقريبا كما هو في الامد القصير ويرتفع بنسبة 7 بالمئة في الامد البعيد.

كما تؤكد حكومة كاتالونيا ان المنطقة لن تعاني المزيد من "عجز الموازنة"، لانه لن يعود عليها ان تدفع مالاً للدولة المركزية اكثر مما تتلقى منها.

وقالت حكومة كاتالونيا ان هذا العجز قيمته 16 مليار يورو (8 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي)، في حين قدرته الحكومة المركزية في مدريد بمنهجية مختلفة بعشرة مليارات يورو (5 بالمئة من الناتج الاجمالي المحلي).

لكن العائدات الضريبية المتوقعة يبدو انها لم تأخذ في الاعتبار هروب مستثمرين وتراجع السياحة والبطالة التي تنجم عن ذلك، اضافة الى خسارة الضرائب التي تدفعها شركات تغادر المنطقة.

وفي ما يلي المحطات الرئيسية في مسعى كاتالونيا نحو الاستقلال:

حكم ذاتي معزز في 2006، الغي جزئيا في 2010 

في مارس 2006، البرلمان الاسباني يقر ميثاق حكم ذاتي لكاتالونيا يعزز سلطات الإقليم المالية والقضائية ويصفه بـ"الأمة". 

ولكن في يوليو، "الحزب الشعبي" المحافظ الذي يتزعمه رئيس الوزراء ماريانو راخوي ويحظي بتأييد محدود في كاتالونيا، يقدم طعنا بميثاق الحكم الذاتي امام المحكمة العليا، مشيرا إلى أنه يمنح الإقليم معاملة "تفضيلية". 

في يونيو 2010، تأمر المحكمة الدستورية بإلغاء أجزاء من ميثاق 2006 معتبرة أن استخدام مصطلح "أمة" لوصف الإقليم لا ينطوي على أي "قيمة قانونية" ورافضة الاستخدام "التفضيلي" للغة الكاتالونية في الأجهزة الإدارية والمؤسسات الإعلامية في الإقليم.

وردا على القرار، نزل مئات الآلاف إلى الشوارع في كاتالونيا في يوليو للتظاهر ضد ما وصفوه بـ"الاهانة" التي وجهتها المحكمة إليهم.

2012-2016: تنامي نفوذ الانفصاليين 

في 11 سبتمبر 2012، وفي أوج الأزمة الاقتصادية في اسبانيا، تظاهر أكثر من مليون شخص في برشلونة بمناسبة العيد الوطني الكاتالوني، مطالبين بالاستقلال في تجمع تحول إلى تقليد سنوي. 

وفي 20 سبتمبر من العام ذاته، رفض راخوي دعوة الرئيس الكاتالوني ارتر ماس إلى منح الإقليم سلطات أوسع على صعيد الضرائب والنفقات. وبعد خمسة أيام، يدعو ماس إلى انتخابات إقليمية مبكرة متعهدا إجراء استفتاء على مستقبل كاتالونيا. 

9 نوفمبر، 2014: أعلنت كاتالونيا أن 80 بالمئة من المشاركين في استفتاء رمزي واعتبر غير دستوري صوتوا دعما لاستقلال الإقليم، فيما بلغت نسبة المشاركة 35 بالمئة.

27 سبتمبر، 2015: تفوز الأحزاب المؤيدة للاستقلال بغالبية المقاعد في برلمان الإقليم، الذي يتبنى في 9 نوفمبر قرارا يطلق عملية تقود إلى "دولة كاتالونية مستقلة على شكل جمهورية" بحلول عام 2017 كأقصى حد. من جهتها، تقضي المحكمة الدستورية بإبطال القرار. 

10 يناير، 2016: يصبح كارليس بوتشيمون المدافع طويلا عن الانفصال، رئيس إقليم كاتالونيا. 

2017: مدريد تستخدم العنف لمنع الاستفتاء 

يونيو، 2017: أعلن بوتشيمون أن استفتاء على الاستقلال سيجري في 1 اكتوبر مشيرا إلى أنه في حال صوتت الأغلبية بـ"نعم" فسيطلق الإقليم بذلك عملية الانفصال عن اسبانبا. 

7 سبتمبر: المحكمة الدستورية تعلق قانونا صادرا عن برلمان المنطقة لاجراء الاستفتاء. 

20 سبتمبر: الشرطة تعتقل 14 مسؤولا حكوميا كاتالونيا وتعلن مصادرة ملايين بطاقات الاقتراع، ما يدفع آلاف الكاتالونيين إلى التظاهر.

30 سبتمبر: الشرطة تعلن أنها منعت تنظيم الاستفتاء فيما يتظاهر الآلاف رافعين الأعلام الاسبانية في مدريد دعما لوحدة البلاد. 

ويوم الاستفتاء في 1 اكتوبر، تدخلت الشرطة لمصادرة صناديق الاقتراع في مئة مركز على الأقل وتنتشر في أنحاء العالم المقاطع المصورة التي تظهر العنف الذي استخدمته القوى الأمنية الاسبانية. وتستدعي حالات أكثر من 800 شخص ونحو 40 شرطيا تدخلا طبيا. 

من جهته، يصر ماريانو راخوي على أنه "لم يجر استفتاء لتقرير المصير في كاتالونيا". 

أما الحكومة الانفصالية، فأكدت أن 90 بالمئة من المشاركين صوتوا لصالح الاستقلال، بينما بلغت نسبة المشاركة 43 بالمئة، بحسب أرقام لم يكن من الممكن التأكد منها. ويطالب بوتشيمون بوساطة دولية لحل الأزمة مع مدريد. 

3 اكتوبر: تظاهر 700 ألف شخص بحسب الشرطة في برشلونة احتجاجا على العنف الذي استخدمته القوات التابعة للحكومة المركزية في مدريد، وسط إضراب عام شهده الإقليم. 

وينتقد الملك الاسباني فيليبي السادس في كلمة متلفزة نادرة المسؤولين الانفصاليين في كاتالونيا، مشددا على وجوب ان "تكفل الدولة النظام الدستوري".

وفي اليوم التالي، أكد بوتشيمون في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" أن حكومته تستعد لإعلان استقلال كاتالونيا على الأرجح بحلول "نهاية الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل". 

10 اكتوبر: قال في خطاب أمام برلمان الإقليم إن "الناس قرروا أن على كاتالونيا أن تصبح دولة مستقلة على شكل جمهورية". 

إلا أنه اقترح على البرلمان تعليق الاستقلال لإفساح المجال أمام الحوار. 

11 اكتوبر: أمهل رئيس الوزراء الاسباني بوتشيمون ثمانية أيام كأقصى حد للعدول عن أي إعلان للاستقلال، قبل أن يتم تعليق الحكم الذاتي الذي تتمتع به كاتالونيا.