انتقد ما يقرب من تسعين بالمائة من العيّنة التي أجابت عن سؤال "إيلاف المغرب" انتقدوا الدور الرقابي على الحكومة الذي يفترض أن تمارسه غرفتا البرلمان المغربي.

إيلاف من الرباط: انطلق سؤال "ايلاف المغرب" من فرضية أن أعضاء مجلس النواب وزملاءهم في غرفة المستشارين، لا يؤدون الواجب الموكول إليهم على الوجه الأكمل، بمقتضى دستور المملكة، باعتبارهم برلمانيين يمثلون السلطة التشريعية التي تمنح الثقة إلى الحكومة، كما يمكن أن تسحبها منها، مثلما تتحكم في تعديل القوانين واعتمادها.

تعكس النسبة العالية من المستجوبين، نظرة سلبية للمؤسسة التشريعية المغربية التي خوّلها دستور 2011 سلطات واسعة، لا يشعر الرأي العام المغربي أن مساءلة أعضاء الحكومة تهدف إلى خدمة مصالح الناس وتخفيف معاناتهم من ظواهر سلبية أو أخطاء سياسات حكومية؛ إذ غالبًا ما تضيع الأسئلة في قضايا صغيرة، إن لم تكن تافهة، تجري في المدن والأحياء الصغيرة؛ وهي في حقيقة الأمر من مهام المجالس البلدية والسلطات المحلية.

الملاحظ عمومًا أن الكسل الفكري نفسه يهيمن على جلسات النقاش في البرلمان، وخاصة لما تعرض على أنظار المجلسين مشاريع قوانين مهمة، بل تتكرر الظاهرة نفسها أثناء مناقشة البرنامج الحكومي، الذي يعقبه التصويت على الثقة في الحكومة.

تدخلات يطبعها مستوى بسيط في عرض الأفكار والتصورات البديلة، وهكذا فإن البرلمانيين ينقسمون في الغالب إلى فريقين: أحدهما مؤيد لما تأتي به الحكومة كيفما كان، وإن لم يكن جميع أعضاء الغالبية مقتنعين به، بينما يتولى الفريق الثاني القيام بمعارضة أوتوماتيكية.

هذا التعارض الأزلي وضعف المستوى في فهم الوظيفة التمثيلية لدى النواب؛ يحوّل البرلمان المغربي إلى مجرد غرفتي تسجيل واستماع ورفع آلي للأيادي لحظة المناداة على التصويت.

صحيح أن "الكسل" البرلماني يعاني منه كثير من الأنظمة التمثيلية في العالم، بل هو أحد أمراض الديمقراطية الحديثة، إذ يوصل نظام الاقتراع الحر والشفاف فيها، نوابًا دون المستوى، بينما تفشل النخب ذات الكفاءة أمامهم في الاستحقاقات الانتخابية.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الصورة السلبية المنتشرة بين المغاربة عن المؤسسة التشريعية في بلادهم ، نابعة من أسباب أخرى تضاف إلى التقصير في تحمل المسؤولية وانعدام الوازع الوطني والأخلاقي وقلة الوفاء للثقة التي وضعها فيهم الناخبون لما يطلبون التصويت لمصلحتهم. 

لوحظ أثناء تتبع مؤشر الإجابات أن نسبة المنتقدين، بدأت عالية، بأكثر من 70 في المائة، استمرت في التصاعد، إلى أن شارفت 90 بالمائة، ما يعني أن المستجوبين يستحضرون، وهم يضعون علامة في إحدى الخانات الثلاث؛ الصورة السلبية المرسخة في أذهانهم عن النواب المحترمين. 

لا يستسيغون غيابهم المتكرر عن الجلسات، وعن لجان العمل. أخطر من ذلك يندهش المغاربة المهتمون، وهم يشاهدون في التلفزيون، قاعة جلسات البرلمان، وهي شبه فارغة، بينما يجري التصويت على قرارات مهمة، مثل المصادقة على الموازنة.

يتذكر المستطلعون أيضًا، العدد المرتفع لأعضاء مجلس النواب 395 من دون المستشارين، وهو رقم طالما انتقدته الصحافة المغربية، متندرة بأن العدد في بلادهم يضاهي برلمانات الصين والولايات المتحدة وفرنسا. ويعتبرون ذلك ضياعًا للمال العام والوقت، علمًا أن أجرة عضو البرلمان تقترب من أربعة آلاف دولار، لا تتناسب قطعًا مع المجهود البسيط الذي يبذله معظم البرلمانيين، عدا امتيازات مادية ومعنوية أخرى، لا يتمتع بها على سبيل المثال، أساتذة الجامعات المشتغلون بالبحث العلمي.

ومنذ حوالى سنة تقريبًا، انفجرت في المغرب قضية شغلت الناس كثيرًا، وأذابت مدادًا غزيرًا في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث وجّهت انتقادات شديدة وساخرة إلى النواب والمستثارين الذين يتقاضون معاشًا قبل بلوغهم السن القانونية، بمجرد مغادرتهم المجلسين، لممارسة نشاط آخر خاص أو عام في أسلاك الوظيفة العمومية. فالعضو السابق في البرلمان بمجرد انتهاء ولايته التشريعية، يعود إلى وظيفته الحكومية أو إلى تجارته، وقد حصل على امتياز تقاعد يتقاضاه مدى الحياة، فضلًا عن راتبه أو عائدات عمله الخاص.

وطالب المنتقدون وكذلك بعض الأحزاب بأن توقف الدولة ضخ المال العام في صندوق معاشات النواب، مقترحين أن ينخرطوا، إن أرادوا، في صناديق أو شركات تامين، من دون أن تتكفل الدولة بأية مساهمة. والأدهى من ذلك، كما سلف، أن معاش النائب يصرف له مدى الحياة.

ما زالت حملة الرأي العام المنددة مستمرة إلى الآن وسط أخبار تحدثت عن فراغ صندوق معاش البرلمان، حيث يطالب النواب المستفيدون بضخ أموال عمومية فيها، بينما يعتبر دافعو الضرائب ذلك "تنفيعًا" وهدرًا للمال العام بمنحه لمن لا يستحقه.

وكان أعضاء البرلمانات السابقة استفادوا من "نعم "الدولة، لقاء تخليهم عن الدور الرقابي المزعج للحكومة وصمتهم أمام المخالفات وأوجه الفساد السياسي؛ استمالهم النظام القديم كذلك وأغراهم بامتيازات هي في الحقيقة رشوة سياسية استفاد منها حتى نواب المعارضة، كما كانت "المنح" عبارة عن تغطية لتزوير الانتخابات بغاية انتخاب برلمان على القياس، تسيطر عليه غالبية موالية مطيعة، يسند فيه إلى المعارضة الاحتجاج بأصوات قليلة. 

وقد وضع الدستور الجديد حدًا لذلك الوضع، واعتمدت الشفافية والنزاهة في عمليات الاقتراع، التي أعطت نتائج منذ عام 2011، نتائج فاجأت الحكم، ولكنه اضطر للتعامل معها إجمالًا بهدوء وواقعية.

لا تقف النظرة غير الودية للمغاربة إلى مؤسستهم التشريعية عند هذا السبب فقط، بل يوجد سبب أخطر، بل داء انتخابي، يتمثل في عزوف الناخبين عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع، حيث تكون نسبة المشاركة متدنية، تعبيرًا عن عدم رضى المواطنين على ممثليهم. 

"عطب" عدم المشاركة يكلف المغرب خسارة كبيرة تسائل الحكم والطبقة السياسية وكذلك النخب برمتها. فهل من وسيلة للإصلاح؟.

الواقع أن مصادر الخلل واضحة وملموسة في النموذج السياسي، وربما يستوجب القضاء عليه بوساطة الحل الذي لمّح إليه العاهل المغربي الملك محمد السادس، في افتتاح دورة البرلمان الخريفية، حينما شدد على أن الضرورة والمصلحة الوطنية الكبرى قد تقتضي إحداث زلزال سياسي كبير، والقيام بمراجعة شاملة للنموذج التنموي المعتمد في البلاد، بما في ذلك واجهته السياسية، بمختلف تعبيراتها، وضمنها "النموذج البرلماني".