بيروت: سعد الحريري الذي أعلن استقالته السبت من رئاسة الحكومة اللبنانية بشكل مفاجئ خلال تواجده في السعودية حاملاً على ايران وحزب الله بشكل خاص، هو الوريث السياسي لرئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري الذي اغتيل في 2005.

سطع نجم سعد الحريري (46 عاماً) في العام 2005، زعيماً سياسياً بعدما قاد فريق "قوى 14 آذار" المعادي لسوريا الى فوز كبير في البرلمان، ساعده في ذلك التعاطف معه بعد مقتل والده في تفجير مروع في وسط بيروت، والضغط الشعبي الذي تلاه وساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة من تواجده فيه. 

وقد أحدث ذلك في حينه انقلاباً في المشهد السياسي اللبناني الذي كانت دمشق اللاعب الاكثر نفوذاً فيه على مدى عقود.

في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 تولى رئاسة الحكومة اللبنانية للمرة الثانية. وكانت المرة الاولى بين 2009 و2011 حين ترأس حكومة وحدة وطنية ضمت معظم الاطراف اللبنانيين، وأسقطها حزب الله وحلفاؤه وعلى رأسهم ميشال عون بسحب وزرائهم منها.

في المرة الثانية، عاد الحريري بناء على تسوية اتفق عليها مع ميشال عون الذي انتخب رئيساً للجمهورية في تشرين الأول/اكتوبر العام 2016 بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي.

وبعد سنة على تكليفه رئاسة الحكومة التي شكلها في أواخر العام 2016، أعلن الحريري من الرياض استقالته من منصبه في خطاب هاجم فيه أيران وحزب الله.

وقال الحريري أن إيران "ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، ويشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن".

ووصف الحريري حزب الله، المشارك في الحكومة، بـ"الذراع الايراني ليس في لبنان فحسب بل في البلدان العربية".

وأتى خطاب الحريري وسط حالة من التوتر الشديد بين السعودية وإيران وبعد عام على توليه منصبه.

وقال الحريري في خطاب بثته قناة "العربية" السعودية "أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة اللبنانية"، واصفا ما يعيشه لبنان حالياً بما كان سائدا ما قبل اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتحدث عن أجواء "في الخفاء لاستهداف حياتي".

وكان الحريري، الذي ذهب إلى السعودية الجمعة في زيارة ثانية خلال أيام، التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

بدأ الحريري خطابه بتصريحات هاجم فيها كلاً من إيران وحزب الله اللبناني، حليف طهران البارز في المنطقة. وقال إن إيران "ما تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، ويشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن".

واعتبر الحريري أن إيران "زرعت بين أبناء البلد الواحد الفتن وتطاولت على سلطة الدولة وأنشأت دولة داخل الدولة وانتهى بها الامر ان سيطرت على مفاصلها واصبح لها الكلمة العليا والقول الفصل في شؤون لبنان واللبنانيين".

ووصف الحريري حزب الله، المشارك في الحكومة، بـ"الذراع الايراني ليس في لبنان فحسب بل في البلدان العربية". وأضاف "خلال العقود الماضية استطاع حزب الله للأسف فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنه سلاح مقاومة وهو الموجه إلى صدور اخواننا السوريين واليمنيين فضلاً عن اللبنانيين".

"ما يحاك لاستهداف حياتي"

وتوجه الحريري في خطابه لطهران بالقول "أريد أن اقول لإيران واتباعها أنهم خاسرون في تدخلاتهم في شؤون الأمة العربية وسوف تنهض أمتنا كما فعلت في السابق وستقطع الأيادي التي تمتد إليها في السوء".

كُلف الحريري، المولود في السعودية، رئاسة الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بموجب تسوية سياسية أتت بحليف حزب الله الأبرز ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي.

وخاض الحريري منذ دخوله معترك السياسة قبل 12 عاماً مواجهات سياسية عدة مع دمشق وحزب الله، لكنه اضطر مراراً الى التنازل لهذين الخصمين القويين. 

وقال الحريري في خطابه "اننا نعيش أجواء شبيهة بالاجواء التي سادت قبيل اغتيال الشهيد رفيق الحريري"، مضيفاً في تصريح مفاجئ آخر "لمست ما يُحاك في الخفاء لاستهداف حياتي".

قتل رفيق الحريري و22 شخصاً آخرين في تفجير ضخم استهدف موكبه في بيروت في العام 2015، واتهمت المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتياله خمسة عناصر من حزب الله بالتورط في العملية.

ويأتي خطاب الحريري بعد تصعيد كلامي من السعودية ضد إيران وحزب الله على لسان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، الذي التقى فيه قبل أيام في الرياض.

وكتب السبهان في تغريدة على موقع توتير قبل أيام "اجتماع مطول ومثمر مع أخي دولة الرئيس سعد الحريري واتفاق على كثير من الامور التي تهم الشعب اللبناني الصالح وبإذن الله القادم أفضل".

تنازلات

لم يعمل سعد الحريري في السياسة بتاتاً خلال حياة والده. وسمته العائلة لخلافته في العمل السياسي بسبب "دبلوماسيته"، بحسب مقربين.

طويل القامة، وتتسم اطلالاته الاعلامية غالباً بالهدوء. الا انه تعلم كذلك على مدى السنوات الماضية كيف يصبح خطيباً يحرك الحماسة بين انصاره، بعدما انتقده معارضوه كثيراً لعدم قدرته على التعبير بشكل جيد باللغة العربية.

برغم من القاعدة الشعبية العريضة التي انطلق منها، لم يحقق الكثير في مشواره السياسي بسبب عمق الانقسامات في لبنان، بل اتسمت مسيرته بكثير من التنازلات وخصوصاً خلال مواجهات سياسية عديدة مع خصمه الأبرز حزب الله.

واتهم سعد الحريري النظام السوري بالوقوف وراء اغتيال والده، لكنه اضطر بعد تسلمه رئاسة الحكومة في 2009 وتحت وطأة الضغوط السياسية الى القيام بزيارات عدة الى دمشق، وصولا الى اعلانه في آب/اغسطس 2011 ان اتهامه لسوريا كان "سياسيا".

كما اعلن مراراً انه لن يقبل بحكومات وفاق وطني يعرقل فيها حزب الله اتخاذ القرارات، قبل ان يشارك تيار المستقبل الذي يتزعمه في الحكومات المتتالية.

ورفض وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية بشدة على مدى سنوات، قبل ان يعمد الى ترشيحه بنفسه في 20 تشرين الاول/اكتوبر، ضامنا له أكثرية نيابية أوصلته إلى الرئاسة.

لكن الحريري نجح في التغلب على حزب الله مرة ثانية في الانتخابات النيابية في 2009، ولم تجر انتخابات منذ ذلك الوقت.

ولم يخضع للضغوط التي تعرض لها من الحزب الشيعي خلال ترؤسه الحكومة، للتنصل من المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال والده والتي وجهت اتهامات الى خمسة عناصر من حزب الله.

عاش سعد الحريري بين العامين 2005 و2007 لفترات طويلة خارج لبنان في مرحلة كانت تشهد اغتيالات استهدفت شخصيات سياسية واعلامية مؤيدة لخطه السياسي.

وبعد إسقاط حكومته في 2011، تصاعد التوتر بينه وبين حزب الله على خلفية تدخل الاخير في سوريا وقتاله الى جانب نظام الرئيس بشار الاسد.

وأمضى الحريري مجدداً معظم السنوات الماضية خارج البلاد "لاسباب امنية"، بحسب المقربين منه.

الثروة والاعمال

ولد سعد الحريري في 18 نيسان/ابريل 1970. وهو يحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة جورج تاون في واشنطن.

وهو متزوج من لارا بشير العظم التي تنتمي الى عائلة سورية عريقة شاركت في السلطة في سوريا خلال الخمسينات، وأولاده حسام وعبد العزيز ولولوة.

ويروي مقربون منه انه يهوى الطبخ، ويطبخ احياناً لاصدقائه. كما يهوى القيام بتمارين رياضية منتظمة.

ورث الحريري عن والده، بالاضافة الى السياسة، ثروة ضخمة وشبكة واسعة من العلاقات حول العالم. وكان يتولى إدارة شركة "سعودي-اوجيه" للبناء والتعهدات التي كانت الركيزة الاساسية في بناء ثروة رفيق الحريري.

في الآونة الاخيرة، تفاقمت مشاكل الحريري المالية مع مواجهة "سعودي-اوجيه" عثرات كبيرة اجبرتها على الاستغناء عن مئات الموظفين والعاملين لديها في السعودية، ما انعكس سلبا على المؤسسات التي يملكها في لبنان. 

وترافقت مصاعب الحريري المالية مع تراجع اهتمام السعودية التي كانت تضخ أموالا ومساعدات على نطاق واسع للبنان ولحلفائها، وعلى رأسهم الحريري، بلبنان الذي تأخذ عليه خضوعه لإرادة حزب الله.

ولكن خطاب الحريري من السعودية مؤشر على فتح فصل جديد من الحرب الباردة بين الرياض وطهران على الساحة اللبنانية.