دير الزور: رأى ابو محمود الرجل العجوز التسعيني الثلاثاء الشمس للمرة الأولى منذ أشهر حين أخرجه عاملو اغاثة من منزله في حي كان يسيطر عليه تنظيم داعش في مدينة دير الزور السورية.

يركض متطوعو الهلال الاحمر السوري بين ركام الأبنية المدمرة في حي الشيخ ياسين في شرق مدينة دير الزور، ليجدوا أبو محمود وزوجته وابنتيه رانيا ومضاوي مختبئين في مبنى انهار الطابق الثالث منه. 

كان أبو محمود بجسده النحيل مستلقياً على فراش على الأرض داخل المنزل، وعلى الكنبة إلى جانبه ترقد زوجته الثمانينية. ببطء شديد، يقول أبو محمود "عائلتنا لم تكن مع داعش، ولكننا بقينا في منزلنا لأني مريض وغير قادر على الحركة".

تقترب مضاوي (38 عاماً) من والدها وتطمئنه قائلة "سيأخذونك إلى المستشفى لتأخذ الدواء ويعيدونك إلى المنزل". يضع متطوعو الهلال الأحمر أبو محمود على نقالة ويسيرون فيه فوق ركام الشارع من حجارة وأسلاك لنقله في سيارة اسعاف إلى المستشفى.

سيطر تنظيم داعش منذ صيف العام 2014 على أجزاء واسعة من محافظة دير الزور الحدودية مع العراق وعلى الاحياء الشرقية من المدينة، مركز المحافظة.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي، فك الجيش السوري بدعم جوي روسي حصاراً محكماً فرضه التنظيم منذ نحو ثلاث سنوات على الأحياء الغربية للمدينة. وبعد معارك عنيفة، استعاد بداية الشهر الحالي كامل المدينة من قبضة الجهاديين.

وبعد سيطرة الجيش السوري على المدينة، بدأت فرق من الهلال الاحمر السوري البحث عن مدنيين لم يقووا على ترك منازلهم رغم المعارك.

ويقول مصدر من فرع دير الزور في الهلال الأحمر السوري لصحافي متعاون مع وكالة فرانس برس أنهم تمكنوا منذ الجمعة من إجلاء 150 مدنياً، بينهم عائلة أبو محمود.

وعادة ما يبلغ جنود سوريون تجولوا في المدينة فرق الهلال الأحمر عن مدنيين التقوهم أثناء قيامهم بعمليات تمشيط بحثاً عن عناصر مختبئين من تنظيم داعش.

متابعة الاخبار سراً

داخل منزل أبو محمود، بدأت ابنتاه بتحضير حاجيات العائلة لمغادرة المنزل ومرافقة والديهما إلى المستشفى لتلقي العلاج. وتقول رانيا (35 عاماً) "لم نكن ننام خلال الليل نتيجة الاشتباكات والقصف، كنا نبقى في المنزل ولا نخرج منه".

قبل اندلاع المعارك في مدينة دير الزور، عمدت مضاوي ورانيا إلى شراء بعض الحاجيات وتخزينها. وطوال الفترة الماضية، اكتفت العائلة الصغيرة بالعدس والحمص والأرز. 

وتضيف رانيا "بعد فك الجيش السوري الحصار عن دير الزور قطعوا (الجهاديون) عنا كل شيء، لم يتوافر أي شيء طوال شهرين"، متابعة "توقعنا أن نحاصر نتيجة الاشتباكات فقمنا باقتناء الطعام والشراب لسد حاجتنا".

انتظرت العائلة طويلاً أن يستعيد الجيش السوري السيطرة على الأحياء الشرقية للمدينة بعدما فك الحصار عن الجزء الغربي منها. وكانت الشقيقتان تتابعان الأخبار سراً بعيداً من عيون الجهاديين الذين منعوا صحون التقاط الارسال التلفزيوني.

وتروي رانيا "خبأنا صحن استقبال، وكنا نركبه سراً كلما أردنا متابعة الأخبار قبل أن نعيده إلى مكانه". توضب مضاوي، الشابة السمراء بشعرها البني، السرير وتضع قفص العصافير جانباً، استعداداً لمغادرة المنزل.

وتقول المدرسة السابقة "داعش هو الظلّام بكل معنى الكلمة"، مضيفة "كان دخول الجيش السوري بمثابة مولد جديد لنا. وإن كان المسيحيون يحتفلون بعيد القيامة، فسوريا قامت حقاً بعد خلاصنا من الدواعش".

"ليت أحدا يأتي"

في حي القصور المجاور، اتخذ مدنيون آخرون من بيت واسع عربي الطراز ملجأ موقتاً لهم. تبحث نساء بين أكياس من الثياب الملونة تم التبرع بها وتختار كل منهن ما يناسب عائلتها وأطفالها.

ويقول أبو خالد (58 عاماً) "لجأنا إلى الأقبية لتجنب الرصاص والقصف، عشنا أياماً عصيبة مع قلة الطعام والشراب قبل أن يحل الفرج ويصل الجيش السوري ويسلمنا للهلال الأحمر الذي قدم لنا المأوى والمساعدات الغذائية والرعاية الطبية".

تغرورق عينا ام عمر (55 عاماً) بالدموع وهي تقول بانفعال شديد "انتظرنا هذه اللحظة بالدقائق والثواني، كنا نكرر في كل لحظة +ليت احدا يأتي وينقذنا مما نعانيه".