ما حصل في سياق محاربة الفساد في السعودية أمر يمت بصلات قوية إلى كل سعودي، لذا ينظر إلى ما حدث ليلة السبت الأحد على أنه خطوة أولى ستليها خطوات لخلع الفساد من جذوره.

إيلاف من الرياض: تعددت الآراء والمقالات حول ما حدث في 4 نوفمبر من حملة لمحاربة الفساد واعتقال كل من تلوثت يداه بأموال الشعب، والاعتقالات والإيقافات التي طالت العديد من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال.

تحقيق العدالة 
كانت للمثقفين والكتاب آراء عدة حول هذا الموضوع. فقالت الكاتبة السعودية ناهد باشطح لـ"إيلاف": "سأتحدث عن الفساد باعتباري مواطنة أولًا وإعلامية ثانيًا. الفساد موجود في كل المجتمعات الإنسانية، لكن انتشاره أو القبول بأنواع سائدة منه هو الإشكالية، لأن الفساد يعوق تنمية المجتمع، لذلك ما كانت ليلة الأحد عادية في تاريخ السعودية، بل كانت الخطوة التي انتظرناها طويلًا لنصل إلى القناعة الأكيدة بأننا نخطو نحو مجتمع له رؤية محددة، وسيصل إلى جميع ما خطط له من أهداف".

أضافت: "كمواطنة، أسعدتني ليلة الأحد، وكإعلامية متخصصة أدركت حجم المسؤولية على وزارة الثقافة والإعلام، دورنا كإعلاميين تنوير المجتمع بأنواع الفساد واختلاف صيغه وضعف القيم التي تجعل البعض يعتاد السلوك الفاسد، لأنه لا يؤمن بقدرة المجتمع على حماية نفسه. لكن القرار السياسي الحازم يستطيع أن يؤسس لقيم العدالة، وهذا ما فعله خادم الحرمين الشريفين عبر تشكيل اللجنة العليا برئاسة ولي العهد وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس ديوان المراقبة العامة والنائب العام ورئيس أمن الدولة من أجل متابعة قضايا المال العام ومكافحة الفساد".

ختمت: "ليلة الأحد بداية الطريق لتشكيل وعي عميق بقيمة تحقق العدالة، وعلينا نحن المواطنين أن نساعد الدولة على التبليغ عن أي فساد، وألا نسكت عن ضياع حق الدولة، فأرضنا تستحق العدالة".

المستثمرون الأجانب يترقبون
أما الكاتب السعودي عقل الباهلي لـ"إيلاف" فأوضح أنه: "مساء الرابع من نوفمبر 2017 في السعودية هو يوم تاريخي بمعزل عن نتائج ما حدث، لأن موضوع الفساد في موجود في إدارة المال العام التي كانت عرضة للإنتهاك والتكسب، وكلما زاد التكسب أضاف السياسي جهازًا رقابيًا جديدًا إلى ديوان المراقبة وهيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية، لكن شكوى المجتمع بقيت، ولذلك كان حديث ولي العهد حول الفساد حاسمًا، وقال لن ينجو أحد، لا وزير ولا أمير، لكن لم يأخذ المتلقي ما قاله الأمير على محمل الجد، وكانت تجارب المواطن مريرة في هذا الشأن، وصدق ولي العهد بوعده، وتأكد الجميع أن البناء يعاد تأسيسه، وليس ترميمه، لذلك صدر الأمر الملكي بتأسيس هيئة مكافحة الفساد التاسعة مساء 4 نوفمبر، وبدأت نشاطها في الحادية عشر من الليلة نفسها بحكم أن الملفات جاهزة".

أضاف الباهلي: "السؤال الأهم ماذا بعد؟، وما هي الآثار على المجتمع ورجال الأعمال والمسؤولين؟، من دون شك، الكل في انبهار. المواطن فرح، وينتظر المزيد، ويطالب بالمزيد من الشفافية، وقطاع الأعمال ينتظر عودة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، لأنها ستنعكس على إنطلاق المشروعات. أما الفاسدون منهم فهم جزء من قوائم ينتظرون محاكمتهم. وبخصوص المسؤولين، فمن لم يتكسب من الوظيفة فهو يشعر بالرضا. أما من ولغ في الفساد فإنه في حالة ترقب مؤذ".

وتابع الباهلي: "المستثمرون الأجانب يترقبون الإفصاح الرسمي عن ملف الفساد، وإذا تأكدوا من معلومات سفاراتهم أن الحرب على الفساد جادة وخالية من التجاوزات، وأن المسارات القضائية عادلة وشفافة، فإن هذه البيئة هي ما يبحثون عنه. سيتمهلون في قرارهم حتى تتضح الرؤيا، لكني على يقين بأن الآتي أجمل للجميع، ما عدا الفاسدين".

ليلة خسوف الفاسدين 
بدوره الكاتب السعودي عبدالله النغيمشي لـ"ايلاف" اعتبر أن "ما حدث في ليلة السبت كان يومًا يحتاج أيامًَا حتى يستوعب المواطن ما حدث من زلزال مهيب ذهبت ضحيته أيادي العدوان الفاسدة التي عاثت في البلاد دهورًا، ولم يكن هذا الزلزال العظيم لولا قوة وصدق الملك سلمان الحزم، لم يكن في خيال المواطن أن يأتي ذلك اليوم الذي سيحاسب ويوقف فيه أمراء ووزراء لكن حدث ما عجز الخيال عن افتراضه، فالملك سلمان وولي عهده يكرّسان النظرية التي تعلن عن مرحلة جديدة في تاريخنا، وهي الولوج في الدولة السعودية الرابعة المقبلة بكل قوة نحو التغيير والتحديث على كل الأطر، بحسبنا أن البنك الدولي أعلن أن السعودية ثاني أفضل دول مجموعة الـ 20 في الإصلاح الإقتصادي، وما ذاك إلا من خلال الإرادة الصلبة والعميقة التي انخرطت في الإصلاحات الإقتصادية المفصلية".

يصف النغيمشي تلك الليلة بليلة الخسوف: "كانت ليلة الخسوف لفئة الفاسدين الكبار كإعلان عن صدقية الحكومة في الإصلاح، وليس ثمة برهان عملي وواقعي يكرّس ويجلي قوة إرادة الإصلاح من قبل الحكومة أظهر من مواجهة هؤلاء المتنفذين الكبار، فالسعودية، وهي تنخرط في تيار الإصلاحات، تعمل على تطهير البيئة تمامًا من الفساد وحقوله لتهيئ المناخ للإصلاحات الكبرى، التي يستحيل أن تتم من دون القضاء على المفسدين، وذلك ما يدفع ويشجّع الإستثمار الأجنبي، الذي لن يتجه إلى الإستثمار، إلا من خلال ضمانة البيئة الملائمة، وذلك لن يحدث إلا بالقضاء على الفساد".

أضاف: "انتهت حقبة الإستثمار في المنصب الحكومي. كانت المناصب الطريق السهلة للإثراء الفاحش، الذي لا يمكن تخيله، وانتهت حقبة الصداقة بين التجار والمسؤولين، والتي عثت في المال العام الفساد العريض، حيث تم توقيف تجار ومسؤولين كبار كانوا يمثلون لوبيات تتقاسم المال العام وميزانيات الوزارات والمشروعات الحكومية. إنتهى كل ذلك باليد الغليظة والسطوة الحديدية للملك سلمان".

ختم قائلًا: "ما حدث من أوامر صارمة تجاه الفساد والفاسدين لا أشك في أنه إرادة إصلاح وتطهير للبلد ومقدراته من لدن الحكومة الرشيدة سددها الله وحسبنا أن فئة من الذين شملتهم التهم والتوقيف مجموعة من الأمراء النافذين، ما يؤكد أننا إزاء حزم وحرب حقيقية واستثنائية على الفساد والفاسدين، وإن حاولت بعض الجهات تسييس ما حدث، تبعًا لأجندتها التربصية الحاقدة. فالمواطن العادي والحائر في رؤية 2030 والتحول الوطني بدأ يستوعب أنها حقيقة ملموسة وأن ثمة تحولًا حقيقيًا في سياسة المملكة على كل المستويات، ذلك التصور للمواطن العادي حدث بعد الليلة العظيمة التي أجهز فيها على الفاسدين".

لم يكن جذابًا
من جانبه رأى الكاتب أحمد الحناكي لـ"إيلاف" أن "قرارات ليلة الاحد كانت رسالة مهمة إلى المستثمرين الأجانب، مفادها أن لا أحد فوق القانون. الكل يعرف أن من الأسباب الرئيسة لتخوفهم من الاستثمار في المملكة هو ملف الفساد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما كانت سوق الأسهم السعودية جذابة يومًا للأجانب إلا بالنزر اليسير لأسباب عدة، منها انعدام الشفافية وتسرب الأخبار عن الأسهم قبل إعلانها وعدم الوضوح في خطط الشركات".

أضاف: "كل هذا سيختفي، وسيتردد الفاسدون أو ما يسمون بالهوامير ألف مرة قبل الإقدام على جرائمهم مرة أخرى، ليس لوطنية أو نزاهة، ولكن لخوفهم من مقصلة العدالة، وبالتالي سينعكس هذا على المستثمرين الأجانب، الذين كان هذا السبب هو أكبر معضلة تواجههم للدخول في أسواقنا".

تابع: "من الواضح أن الدولة جادة في موضوع الحرب على الفساد، ولدينا مثل شعبي يقول: "ما دون الحلق إلا اليدين"، ويعني أن لا وسيلة أخرى لأن تنهض المملكة وتنافس وتجاري وتعتلي قمم التطور، فيما يستمر الفساد. الفساد يحبط كل ما يحيط به، سواء من ضحاياه من الاشخاص أو ممن هضم حقهم بسببه أو تضرر خزينة الدولة، وكل هذا في الأخير يمتص ثروات المواطن".

ختم: "إذا صدقت الأقاويل التي تتحدث عن استرجاع أو نية استرجاع ما يقرب من تريليوني ريال سُرقت ظلمًا وبهتانا، فإن المفعول سيكون سحريًا، وسيشجع كثيرًا من المواطنين على التفاؤل بأن الحقوق تعود ولو بعد حين. ولا شك في أننا ذهلنا ونحن نتامل أسماء لا نحلم يومًا بأن يتم سحبها إلى أروقة المحاكم، ولست شامتًا، لكنني أسعد وآمل في أن يكون هناك فجر جديد في وطني، تشرق فيه سماءات مضيئة من العدالة والنزاهة والشفافية والحرية، وما حدث لا يكفي، فلا بد من أطر تنظيمية تحدّ من الفساد قبل وقوعه".