كربلاء: على الطريق المؤدية إلى حرم الإمام الحسين في كربلاء، مجهولون يفتخرون بتسمية "خدّام الحسين"، نذروا أنفسهم لتوفير ما أمكن من خدمات لزوار الأربعينية، بدءاً من الطعام والشراب وصولاً إلى "تاكسي المقام".

وأحيا نحو 14 مليون من المسلمين الشيعة يومي الخميس والجمعة ذكرى أربعينية الإمام الحسين بن علي التي من أكبر المناسبات الدينية في العالم.

وترمز هذه الذكرى إلى مرور أربعين يوما بعد العاشر من محرم، تاريخ واقعة الطف التي استمرت ثلاثة أيام في العام 61 للهجرة (680 ميلادية)، وقتل فيها الإمام الحسين (ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة) وحفيد النبي محمد، على يد جيش الخليفة الأموي آنذاك يزيد بن معاوية.

من داخل العراق وخارجه، يتوجه الزوار قاصدين الحضرة الحسينية حيث مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس.

على طول الطريق من بغداد أو من النجف باتجاه الكربلاء، تنتشر مواكب حسينية تقدم الطعام والشراب والمنامة لـ"المشّاية" الآتين على الأقدام. وتتوزع المواكب على جانبي الطريق.

داخل خيمة "موكب العقيلة" في منطقة المسيب بمحافظة بابل، تتصاعد سحب البخار والدخان بين قدور سلق الدجاج والأرز، ومناقل الفحم التي تشوي الكباب بكميات هائلة.

أمام طوابير الزوار الذين ينتظرون دورهم للحصول على الطعام في ظل الرايات الحسينية وعلى وقع اناشيد دينية، يقول المشرف منتظر الساعدي لوكالة فرانس برس "نحن هنا نقدم الطعام والمسكن للزوار، كل هذا من مالنا الخاص".

ويضيف الشاب البالغ 25 عاما بثيابه البيضاء التي كتب عليها "موكبنا قائم حتى ظهور القائم"، "نحن خدام الحسين، وهذا فحر لنا. هذه هي الخدمة الوحيدة التي تعزنا وتشرفنا".

والقائم هو "قائم آل محمد" أي الإمام المهدي المنتظر عند الشيعة الذين يؤمنون بغيبته الكبرى.

- "تاكسي المقام" -

عند الوصول إلى مشارف مدينة كربلاء، تبدأ سيارات أجرة من نوع آخر بالظهور بين الجموع.

"قرّب يا زاير"، ينادي تحسين جندي الحسن على الزوار الذين يسعون لتحصيل وسيلة نقل جراء التعب والأمتعة التي يحملونها.

ويدفع الحسن مشيا عربة مكونة من لوح خشبي وثلاث عجلات، تستطيع حمل أكثر من 350 كيلوغراما.

ويقول الرجل الذي يقطع مسافة بالعربة تصل إلى سبعة كيلومترات لمرات عدة يوميا "نعمل بخدمة الإمام الحسين وزواره. آتي إلى هنا في كل عام لكسب الأجر".

وعن التعرفة التي يتقاضونها من الزبائن، يشير صاحب اللحية البيضاء الخفيفة وعلى رأسه قبعة قديمة، بالقول "لا نقسو على الزوار بالسعر، بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف دينار (نحو ثلاثة دولارات".

ويضيف لفرانس برس "في بعض الاحيان هناك زوار لا يملكون النقود، فلا نطالبهم، ننقلهم لوجه الله".

ويقول زميله أحمد رحيم "نأخذ الزوار من أول الطريق إلى المقام (...) عراقيون وخليجيون ومن كل الجنسيات".

ويوضح أن غالبية هؤلاء هم "من كبار السن الذين لا يتمكنون من المشي لمسافات طويلة. نعمل أربع أو خمس نقلات في اليوم، وهي كروة (أجرة) وبحسب ما يعطينا الزائر".

- تدليك وخياطة -

ويطغى التواجد الإيراني في زواريب منطقة المقام. ويواظب غالبية الزوار على المجيء في كل عام.

ويقدم الايرانيون خدمات مختلفة عما يقوم به العراقيون.

قبل نقطة التفتيش الأولى حيث توجد راية سوداء كبيرة كتب عليها "يا قمر بني هاشم" في إشارة إلى العباس، شقيق الإمام الحسين، نصب بهروز مهدوي خيمة بعرض ستة أمتار، يقدم فيها مع اثنين من أصحابه، خدمة التدليك.

ويقول مهدوي الذي بالكاد يمكنه التحدث بالعربية، لوكالة فرانس برس "هذه متعة لنا أن نخفف من تعب زوار أبي عبد الله".

ويقوم الشاب الإيراني باستقبال أكثر من 30 شخصا يوميا، يدلك لهم أقدامهم بعدما قطعوا مسافات، "فنعيد لهم النشاط لبلوغ الإمام"، وفق مهدوي.

إلى جانبه، خيمة أخرى لإيرانيين يصعب دخولها بسبب الازدحام عليها سعيا لرتي الملابس.

عند باب الانتظار، تقول الحاجة العراقية أم أنمار "بسبب المسافة، باتت ملابسنا رديئة وبحاجة لبعض التحسينات".

وتضيف "نريد أن نقابل سيدنا الحسين بهندام حسن".