دعت الملكة رانيا في منتدى مسك العالمي بالرياض العالم العربي إلى خلق المزيد من الفرص للشباب وتمكينهم، والاستفادة من التقنيات الحديثة لإنماء المجتمعات العربية وتنمية أحلام الشباب العربي، ليعبر فوق فجوة الأمل.

أطلت الملكة رانيا، ملكة الأردن، في منتدى مسك العالمي الذي أقيم في الرياض في المملكة العربية السعودية، متحدثة بحزم عن ضرورة توجه العالم العربي ناحية خلق المزيد من الفرص للشباب وتعزيز الأنظمة التعليمية العربية، وعن أهمية تطبيق التقنية واستخدامها، "لتضيف قيمة إلى حياتنا".

ففي منتدى مسك العالمي الذي يهدف في الأساس إلى جمع القادة الشباب والمبدعين والمفكرين لمواجهة تحدي التغيير، والذي أسسه الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية في عام 2011 لتمكين الشباب السعودي من المشاركة في إنشاء اقتصاد المعرفة، قالت الملكة رانيا: "سعيدة بوجودي معكم اليوم، وسماء المملكة مضاءة برؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - ولي العهد. تلك الرؤية الجريئة التي تحمل تقديراً ودعماً للابتكار والعلوم، وفرصاً يطمح لها الشباب السعودي. والشكر الموصول لصاحب السمو على جمع هذه الكفاءات العالية والرياديين من شتى المجالات. فلم نكن في يوم أكثر حاجة للتواصل وتبادل الخبرات وآفاق الابتكار من اليوم. فعالمنا يعيش حالة من شح الأمل".

المستقبل لهم

كما تحدثت عن أهمية زيادة فرص التعليم والقيادة للشباب، وأن "توفر لهم الفرص لاكتشاف إمكاناتهم وتحقيق طموحاتهم". قالت: "دعونا نلهمهم بأن يشعروا بأن المستقبل لهم، ونحن نسعى جاهدين إلى خلق أرض خصبة لنا ولأطفالنا، أرض تنمو فيها الأحلام ويمكن أن تؤتي ثمارها".

وإذ تناولت ملكة الأردن الأثر المدمر للنزاعات والحروب على الأطفال في المنطقة، تحدثت عن زيارتها أحد مخيمات الروهينغا، قائلةً: "استباحت الحرب حياتهم كما استباحت حياة الملايين في منطقتنا العربية. لا أخفي عليكم... شعرت بالسخط على عالم تمتهن فيه الكرامة؛ وتهان فيه الحياة وكأنها لا شيء. حين استمع إلى الأطفال اللاجئين وغيرهم ممن قست عليهم الحياة، أرى كيف يجد الصغار لأحلامهم آفاقاً واسعة حتى وإن كانوا في أضيق الأماكن. يشنون بالأحلام حرباً على واقعهم؛ وسلاحهم الوحيد هو الخيال. الأحلام جسرهم للعبور فوق فجوة الأمل، تنقلهم إلى مكان لهم فيه قيمة ومستقبل. لكن كلما كبروا، ضاق الأفق في أعينهم، أغلقه الخوف من العالم ومن المعوقات وقلة الحيلة، فالعقل الذي يملأه الخوف لا متسع فيه للأحلام. واقع هؤلاء وغيرهم ممن يحاربون المرض والفقر والجهل والإقصاء في عالمنا العربي لم تغيّره التقدمات العلمية ولا التقنية ولم ترفع الابتكارات مأساتهم".

تكنولوجيا لها قلب

تساءلت الملكة رانيا: "أو ليست مفارقة بأن يتضور الناس جوعاً في عصر الوفرة؟ أن نجد ملايين الأطفال خارج المدارس في عصر التعليم المجاني؟ أن نفقد الاتصال بقضايانا الإنسانية الأهم في عصر التواصل، وأن نقصي الاختلاف ونحاربه بدلاً من نسج مجتمعات متعايشة وآمنة؟ هل نحن جاهزون لتوظيف مكاسب الثورات العلمية والصناعية التي يشهدها العالم؟ كيف سنتكيف مع الثورة الصناعية الرابعة التي تضرب بكثير من الصناعات التقليدية... ولدينا اليوم من أعلى نسب البطالة في العالم؟ كيف سنواكب التغييرات في أنماط التعليم ونرتقي به في مدارسنا إن كان ثلاثة عشر مليون طفل عربي محرومين من المدارس أصلاً، وأغلبية الباقي يتلقون تعليماً عفا عليه الزمن؟ أعتقد أن علينا أن نعيد النظر في دوافعنا لاقتناء التكنولوجيا. فليست الأولوية سباق القلة إلى القمة بامتلاك آخر صيحاتها؛ بل تكنولوجيا تمد يديها لترفع مجتمعاتنا بأكملها. وما نحن بحاجة اليه هو تكنولوجيا لها قلب... وقلبها علينا. تكنولوجيا لا تقاس سعتها وسرعتها بالبت والبايت، بل بقدرتها على ردم الفجوات التي تقف بيننا وبين تحقيق ذاتنا كشعوب. فجوة الأمان؛ وفجوة التعليم؛ وفجوة الأمل".

لنتحاور!

وتابعت الملكة رانيا كلمتها: "ثلث الشعب العربي متأثر بشكل مباشر بالنزاعات... وملايين العرب لفظتهم أحضان أوطانهم فهربوا بحياتهم وأحلامهم. ولا يقتصر الشعور بالخوف على بلدان النزاعات… لأن الأمان ليس السلم من الحرب فحسب؛ بل هو السلم من الخوف، وهو الثقة في المستقبل.. كم من عربي ينام ويصحو متمنياً أن تسنح له فرصة خارج وطنه؟ كم عربي يعيش في وطنه ويحلم بوطن آخر، وطن يحتضن أحلام أولاده ويستثمر في عقولهم؟ كم من طفل يحلم بمدارس نوعية، كم من شاب أو شابة يحلم بتحقيق ذاته، أن يتعلم ويعمل، وربما أن يسمع رأيه وتكون له إضافة كالنخبة التي أمامي الآن؟ كيف سنتبادل الخبرات ونحن غير قادرين على حوار بعضنا وتقبل اختلافنا... وبتنا فئات ومذاهب وأدياناً وأطيافاً وهناك دائماً آخر نحاربه أو نتعالى عليه أو نهاجم اختلافه عنا. إن كان الاختلاف أول ما نراه، سيبقى الأمان آخر ما ننعم به".

قيمة الحياة

أما الأمل، كما قالت، "فخلال العشرين سنة الماضية، زرت الكثير من الدول وجلست مع الأغنى مادة ومع الأحوج لها، مع أقوى البشر وأكثرهم نفوذاً وأضعف خلق الله وأقلهم حيلة، كلهم... وكلنا في المحصلة وفي عمق تكويننا البشري نسعى لأن تكون لحياتنا قيمة. قيمة نشعرها نحن، وقيمة لحياتنا عند الآخرين".

وختمت كلمتها بالقول: "لنتبنى من التقنية ما يزيد من قيمتنا الإنسانية ويبقي الأمل حياً في نفوس شبابنا. لأن شبابنا العربي مفخرة، فكثيرة هي الأمثلة التي التقيها لشباب لمعوا بابتكاراتهم وبرزوا في مجالات علمية وأدبية وقد أتوا من أقسى الظروف. فلنفتح لهم الآفاق ونوفر لهم الفرص ليحققوا ذاتهم وطموحاتنا لهم. لنشعرهم بأن المستقبل ملكهم، ونؤمن لأنفسنا ولأبنائنا أرضاً خصبة نغرس فيها أحلامنا فتثمر".

من بين المتحدثين في المنتدى بيل غيتس، رئيس مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية، ويوناس كييلبيرغ، المؤسس المشارك لخدمة سكايب، وآلن بلو، المؤسس المشارك لموقع لينكدإن، وممثل وشركات تقنية كبرى مثل غوغل وأمازون وآي بي إم. ويناقش المنتدى هذا العام التحديات التي تواجه العالم، ويتضمن جدول أعماله موضوعات متنوعة ضمن محاور رئيسية في حياة الشباب، هي العيش والعمل والتعلّم والمساهمة.