لندن: ماذا يجري في فندق «الريتز كارلتون»؟ هذا كان السؤال الأول الذي أجاب عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حوار لصحيفة «نيويورك تايمز»، أجراه الكاتب الأميركي توماس فريدمان، وارتكز على حملة القضاء على «الفساد» في السعودية، والتي بدأت بـ«إشارة قوية» وجهها الأمير محمد إلى كل فاسد لأي طبقة انتمى: «إنك لن تنجو بفعلتك»! 
الحملة على الفساد لم تكن أولى مبادرات الأمير محمد، بل سبقتها مهمة «إعادة» الإسلام إلى أصوله في السعودية، ويركز الأمير محمد هنا على «إعادة الإسلام إلى أصوله» وليس «إعادة تفسير الإسلام»، متسلحاً بسنة النبي، بالاضافة الى الحياة اليومية في السعودية ما قبل العام 1979.

وقال حول ما يجري في فندق الريتز كارلتون:« إنهُ لأمرٌ مُضحك"، أن تقول بأن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلةً لانتزاع السُلطة. وأشار إلى أن الأعضاء البارزين من الأشخاص المُحتجزين في الريتز قد أعلنوا مُسبقًا بيعتهم له ودعمهم لإصلاحاته، وأن الغالبية العُظمى من أفراد العائلة الحاكمة" تقفُ في صفه»، وأضاف: «هذا ما حدث، فلطالما عانت دولتنا من الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا، وتقول تقديرات خُبرائنا بأن ما يُقارب 10% من الإنفاق الحكومي كان قد تعرض للاختلاس في العام الماضي بواسطة الفساد، من قبل كلتا الطبقتين: العُليا والكادحة. وعلى مر السنين، كانت الحكومة قد شنت أكثر من "حربٍ على الفساد" ولكنها فشلت جميعًا. لماذا؟ لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعودًا إلى غيرها من الطبقات المرموقة».

استغرق العمل على ملفات الفساد عامين

عندما اعتلى والد محمد بن سلمان – الذي لم يسبق وأن أُشتبه به بتهم تتعلق بالفساد على مر الخمسة عقود التي كان فيها أميرًا لمدينة الرياض – سُدة العرش في العام 2015 (في الوقت الذي كانت أسعار النفط فيه مُنخفضة)، قام بقطع عهد على نفسه بوضع حدٍ لهذا كُله، وقال الأمير محمد بن سلمان: «رأى والدي أنهُ ليس من المُمكن أن نبقى ضمن "مجموعة العشرين" في حين تنموُ بلادنا بهذا المُستوى من الفساد. ففي وقتٍ سابق من العام 2015 كانت أولى الأوامر التي أعطاها والدي لفريقه هي جمع كل البيانات المُتعلقة بالفساد عند الطبقة العُليا. ولقد ظل الفريق يعمل لمدة عامين كاملين حتى توصلوا لجمع هذه المعلومات الأكثر دقةً، ومن ثم جاؤوا بحوالي 200 اسم».

الموافقة على التسويات

وأوضح محمد بن سلمان، أن كل من اُشتبه به سواءً كان من أصحاب المليارات أو أميرًا فقد تم القبض عليه ووضعه أمام خيارين: "لقد أريناهم جميع الملفات التي بحوزتنا وبمُجرد أن أطلعوا عليها، وافق ما نسبته 95% منهم على التسويات"، الأمر الذي يعني أن عليهم دفع مبالغ مادية أو وضع أسهم من شركاتهم في وزارة المالية السعودية.

وأضاف: "استطاع ما نسبته 1% من المُشتبه بهم اثبات براءتهم وقد تم اسقاط التهم الموجهة لهم في حينها. وقرابة 4% قالوا بأنهم لم يشاركوا في أعمال فساد ويُطالب مُحاميهم باللجوء إلى المحكمة. ويُعتبر النائب العام، بموجب القانون السعودي، مُستقلًا. فلا يمكننا التدخل في عمله – ولا أحد سوى الملك يستطيع إقصاءه، ولكنه هو من يقود العملية الآن... ولدينا خُبراءٍ من شأنهم ضمان عدم إفلاس أي شركة من جراء هذه العملية" – وذلك لتجنب إحداث أي عطالة".

وفي ما خص كمية المال التي ستتم إعادتها، قال الأمير محمد بن سلمان “إن النائب العالم يقول بأنهُ من الممكن في نهاية المطاف "أن يكون المبلغ حوالي 100 مليار دولار أميركي من مردود التسويات".

اجتثوا أموال الحكومة

وأضاف، ليس هُنالك من طريقةٍ يمكن من خلالها القضاء على الفساد في جميع الطبقات، "لذلك فإنهُ عليك أن تُرسل إشارة، والإشارةُ التي سيأخذها الجميع بجدية هي” أنك لن تنجو بفعلتك”. ولقد شهدنا تأثيرها بالفعل وما زلنا نشهده"، وضرب بمثال ما قاله أحدهم في مواقع التواصل الاجتماعي "أتصلتُ بوسيطي لإنهاء معاملاتي المعلقة بالحكومة ولكنه لا يجيب على اتصالاتي". ولم تتم مُقاضاة رجال الأعمال السعوديين الذين يدفعون الرشاوى لإنجاز مصالحهم الشرعية من قبل البيروقراطيين الذين قاموا بابتزازهم، وأوضح الأمير محمد بن سلمان قائلًا: "أولئك (الذين تم القبض عليهم) هم من اجتثوا أموال الحكومة" – من خلال رفعهم للأسعار وحصولهم على الرشاوى.

إعادة الإسلام لأصوله

وفي حديث ولي العهد السعودي عن إعادة الإسلام المعتدل إلى السعودية، قال محمد بن سلمان: "لا نقول أننا نعمل على ‘إعادة تفسير’ الإسلام – بل نحن نعمل على ‘إعادة" الإسلام لأصوله، وأن سنة النبي [محمد] هي أهم أدواتنا، فضلاً عن [الحياة اليومية] في السعودية قبل عام 1979م". وذكر الأمير بن سلمان أنه في زمن النبي محمد، كان هناك الرجال والنساء يتواجدون سويًا وكان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية. كما أوضح قائلاً: "لقد كان قاضي التجارة في سوق المدينة المنورة امرأة!". وتساءل الأمير قائلًا: إذا كان خليفة النبي (عمر) قد رحب بكل ذلك، "فهل يقصدون أنه لم يكن مسلمًا!".

وبعد ذلك، بحسب ما ذكر توماس فريدمان في مقابلته، قام أحد وزرائه بإخراج هاتفه النقال، وأطلع فريدمان على صورٍ ومشاهد فيديو للسعودية في الخمسينيات الميلادية من موقع يوتيوب – فيها صور لنساء أجانب بلباسهن المعتاد ويرتدين الفساتين الضافية ويمشين مع الرجال في الأماكن العامة، فضلا عن الحفلات الغنائية ودور السينما. لقد كانت مكانًا تقليديًا ومعتدلًا، ولم تكن مكانًا يُمنع فيه الترفيه؛ غير أن هذا تغيّر بعد عام 1979م.

الحريري لن يستمر في توفير غطاء للحكومة

أما ما يخص جانب السياسة الخارجية، ففضل محمد بن سلمان عدم مناقشة الغرائب الحاصلة مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ بمجيئه إلى السعودية وإعلانه عن استقالته – على ما يبدو أنها جاءت بسبب ضغوط سعودية – وعودته الآن إلى بيروت وتراجعه عن استقالته. إذ أصر ببساطة على أن خلاصة القضية تتمحور حول أن الحريري، وهو مسلمٌ سني، لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع بشكل رئيس لسيطرة مليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية، والتي بدورها تخضع بشكل رئيس لسيطرة طهران.

كما شدد على أن الحرب المدعومة سعوديًا في اليمن، والتي تُعد كابوسًا إنسانيًا، تميل كفتها لصالح الحكومة الشرعية الموالية للسعودية هناك، والتي قال إنها تُسيطر الآن على 85% من البلاد، إلا أن قيام المتمردين الحوثيين الموالين لإيران – الذين يُسيطرون على بقية أراضي البلاد – بإطلاق صاروخ على مطار الرياض يعني أنه، إذ لم تتم السيطرة على كامل البلاد، فإن ذلك سيُمثل مشكلةً.

محمد بن سلمان: المرشد الأعلى الإيراني هتلر جديد

واشاد الأمير محمد بالرئيس الاميركي دونالد ترامب قائلا انه "الشخص المناسب في الوقت المناسب" ، مشيرا الى ان السعودية والدول الحليفة تبني بدعم من ادارة ترامب ائتلافاً في مواجهة العربدة الايرانية في المنطقة. ونقل فريدمان عن الأمير محمد قوله ان المرشد الأعلى في ايران علي خامنئي "هو هتلر الشرق الأوسط الجديد ولكننا تعلمنا من اوروبا ان الترضية لا تجدي ونحن لا نريد ان يكرر هتلر الجديد في ايران ما حدث في اوروبا في الشرق الأوسط".

في الختام لاحظ الكاتب توماس فريدمان عادات ولي العهد السعودي في العمل وكأنه في سباق مع الوقت. وفي هذا الشأن قال له الأمير محمد بن سلمان "لأني أخشى ان يأتي اليوم الذي أموت فيه دون أن أنجز ما في ذهني. فالحياة قصيرة جداً وكثير من الأمور يمكن ان تحدث ، وأتطلع حقاً الى رؤيتها بعيني ـ ولهذا السبب أنا في عجلة من أمري".

 

أعدّت "إيلاف" المادة نقلا عن نيويورك تايمز. المادة الأصل منشورة على الرابط التالي:

https://www.nytimes.com/2017/11/23/opinion/saudi-prince-mbs-arab-spring.html