حاور داود الشريان على مدى ست سنوات مئات المسؤولين السعوديين. لكن في خضم بوادر التغيير في المملكة، وضع الإعلامي المعروف بأسئلته الجريئة وتعبيراته الحادة، حدًا لمغامرته هذه، وانتقل إلى المقلب الآخر، مسؤولًا عن الإعلام الحكومي.

إيلاف من الرياض: سطع نجم الشريان خلال فترة عمله مقدمًا لبرنامج "الثامنة" على قناة "إم بي سي"، في رحلة إعلامية استثنائية نال خلالها لقب "كبريت الصحافة" بفضل أسلوبه الهجومي على الشاشات السعودية.

وفي منتصف نوفمبر الحالي، أخذت هذه الرحلة منحى مغايرًا مع إعلان توقفه عن العمل كمقدم للبرنامج، قبل أن تؤكد وزارة الثقافة السعودية الاثنين تعيينه رئيسًا تنفيذيًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون.

شبه استجواب
ومع أنه من المبكر تحديد دوافع هذا التعيين، إلا أن شخصية الشريان وبوادر التغيير التي تشهدها المملكة حاليًا، توحيان بأن الإعلامي البالغ من العمر 63 عامًا قد يشكل جسرًا بين الإعلام الحكومي وحركة التغيير هذه.

فبين 2012 و2017، وفي أكثر من 900 ساعة تلفزيونية ضمن 938 حلقة، حاور الشريان، بحسب "إم بي سي"، أكثر من 3756 ضيفًا، بينهم العديد من المسؤولين، الذين بدوا وكأنهم يتعرّضون للاستجواب على الهواء مباشرة.

لعل أبرز المسؤولين الذين حاورهم الشريان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عبر الهاتف، حينما كان وليًا للعهد، وولي العهد الحالي الأمير الشاب محمد بن سلمان في مايو الماضي، في حلقة مسجلة.

وفي إحدى آخر الحلقات التي قام الشريان بتقديمها ضمن برنامج "الثامنة"، شنّ الإعلامي المخضرم هجومًا حادًا على الحكومة بسبب البطالة، عارضًا شهادات شبان يحملون شهادات جامعية عليا، وقد اضطروا للعمل في المطاعم وأماكن غسل السيارات.

سأل الشريان بغضب: "كم مهندس سعودي يعمل في السوق السعودية؟"، مضيفًا في اتصال مع متحدث باسم وزارة العمل "المهندسون يعملون في المقاهي. الوزارة تقول إن 40 بالمئة من المهندسين السعوديين يعملون في البلاد. أين تحديدًا؟، في المريخ؟". تابع حين رد المتحدث بالقول إن الوزارة تضع سياسات لتوفير وظائف، قائلًا "متى؟، الناس بدأوا يشعرون بالضيق".

متنفس 
رغم مغادرة الشريان، أعلنت قناة "إم بي سي" إن برنامج "الثامنة" سيتواصل في السعودية. وشهدت المملكة أخيرًا حملة توقيفات واسعة على خلفية اتهامات بالفساد، طالت وزراء ومالكي شبكات إعلامية ضخمة، بينهم وليد الإبراهيم مالك "إم بي سي"، والملياردير الوليد بن طلال، صاحب قنوات "روتانا"، بحسب ما أفاد مسؤولون.

أثارت هذه الحملة مخاوف من أن تنسحب ضغوطًا أكبر على الإعلام بشكل عام والبرامج التي تقدمها هذه القنوات الخاصة. لكن بالنسبة إلى الباحثة والكاتبة المتخصصة في شؤون الإعلام نجاة السعيد، لن يخسر برنامج "الثامنة" هويته، إذ إن السلطات "تقوم بزيادة مساحة الحرية فيه لجعله متنفسًا للغضب الشعبي".

وفي مقابلة قبيل تعيينه في منصبه الجديد، قال الشريان لوكالة فرانس برس إن السعودية "تسمح بحريات أكبر مما يتصور البعض"، مشيرًا في الوقت عينه إلى خطوط حمراء تتعلق خصوصًا بالدين والمصلحة العامة.

مهاجمة التشدد
لكن الشريان لم يتوانَ رغم ذلك عن مهاجمة رجال الدين المتشددين في برنامج "الثامنة". وفي حلقة عرضت قبل نحو عام، قال متوجّهًا إلى مجموعة من الدعاة، بينهم سلمان العودة، "أنتم الذين غررتم بأبنائنا وأرسلتموهم إلى الجهاد، أنتم ترسلون أبناءنا إلى أفغانستان، وتقتلونهم في حروب كافرة. إرحمونا".

وتابع "يجب أن يحاسبكم المجتمع يا أبطال تويتر (...)، فلا أحد من أبنائكم ذهب إلى الجهاد. تريدون الجنة؟ إذهبوا إلى الجنة واتركوا أبناءنا وشأنهم".

وأوقفت السلطات سلمان العودة، الذي كان يتابعه عبر "تويتر" مئات الآلاف، في إطار حملة اعتقالات طالت في سبتمبر الماضي رجال دين بارزين، بينهم الداعية الشهير عوض القرني.