الرباط: كما يقع لشخص عندما يختطف الموت أحدا مقربا منه، فيبدأ في نسج سيناريوهات غامضة حول اختفاء هذا الشخص لظروف ما، حتى يطمئن النفس بأن ذلك الشخص لم يمت و أنه سوف يظهر في الوقت المناسب. 

هكذا علق تلاميذ و أصدقاء أستاذ فلسفة يدرس بإقليم العرائش حول خبر إلتحاقه بصفوف تنظيم داعش، حين قال بعضهم إن حساب الأستاذ اسامة مساوي على فيسبوك قد تمت قرصنته، وأن أحدا ينتحل صفته لنشر تدوينات تؤكد خبر التحاقه بالتنظيم، والبعض الآخر يقول إن الأستاذ يريد التقرب من التنظيم لمعرفة كيف تجري الأمور هناك، وأنه لاشك سوف يصدر كتابا عما قريب عن هذه التجربة. 

هكذا ودون سابق إشعار، ينشر أستاذ للفلسفة يدرس بإقليم العرائش تدوينة على حسابه الشخصي بفيسبوك يؤكد من خلالها أنه التحق بالتنظيم، مما خلق جدلا قويا وصدمة في أوساط تلامذته و زملائه ومعارفه، وزاد من شكوكهم أن الاستاذ المعني اختفى منذ الصيف الماضي، حين قرر السفر للديار الإسبانية بغية إجراء تدريب في تخصصه، ولم يظهر له أثر، ولم يلتحق بعمله.

شيء لا يصدق

لا أحد يريد أن يصدق أن ابن مدينة وزان، استاذ الفلسفة الذي عرف بأفكاره المتنورة و نضاله المستميت من أجل أن تتفتح عقول تلامذته على عالم الفلسفة وفهم ما يعتمل في الواقع، يمكنه أن ينقلب بهذه السرعة ويغير أفكاره، لمجرد أنه سافر خلال عطلة الصيف، ليلتحق بصفوف تنظيم «داعش». 

زملاؤه أساتذة الفلسفة و تلاميذه ما زالوا تحت هول الصدمة غير مصدقين الخبر، ويمنون النفس بأن الأستاذ الذي غادر أرض الوطن في الصيف الماضي نحو إسبانيا، من أجل الإستفادة من فترة تدريب في تخصصه الفلسفي، سوف يعود ليوضح هذا اللبس ويضع حدا لحيرتهم، فيما آخرون أكدوا أن الأسلوب الذي كتبت به التدوينة الأخيرة التي نشرها المعني بالأمر على حسابه تخص الأستاذ المذكور. 

وكتبت مينة بوشكيوة أستاذة الفلسفة بإقليم أكدز (وسط شرق المغرب) على حسابها في فيسبوك «الوضع أشبه بجنازة، لايمكنني التظاهر بالنوم واللامبالاة ورأسي تغلي كمياه حمة، لن أصدق الحقيقة، لايمكن لأسامة موساوي أن يترك حقلنا، حقل أساتذة الفلسفة المتنورين الذين صاروا يضمحلون كمطر يستجدى بالصلاة والدعاء، لن أنام هذه الليلة والرعب يزحف كأفعى تلونت بلون التراب لتخطف منا أستاذ فلسفة نحن بحاجة إليه كشمعة تنير هذا الظلام...لن أصدق ولن أنام وسوف أعلن الحداد».

واستدلت بوشكيوة بعدد من تدوينات الأستاذ التي تدعو إلى إعمال العقل و التحليل و الجدل بدل الجمود، لتبعد كل الشكوك التي تضع الأستاذ في خانة الملتحقين ببراثن التطرف.

سافر ولم يعد

كان الأستاذ أسامة مساوي يدرس بمنطقة «بيوغرى» بضواحي إقليم أغادير (جنوب المغرب)، قبل أن ينتقل لإقليم العرائش، إلا أنه سافر الصيف الماضي إلى الديار الإسبانية، ولم يعد منذ ذلك الوقت، كما انقطعت أخباره، مما جعل فرضية إلتحاقه بتنظيم «داعش» واردة بقوة، خصوصا مع تدوينته التي نشرها قبل أيام، ثم حذفها من حسابه، قبل أن يعيد نشرها من جديد أمس الإثنين، ليخلق جدلا قويا في صفوف أساتذة الفلسفة و تلاميذه، الذين أمطروا التدوينة بتعليقاتهم غير مصدقين أن أستاذهم المتنور يتحول بهذه السرعة نحو التطرف. 

تدوينة ترفع اللبس

وقال المعني بالأمر في تدوينته موضحا كل لبس في الموضوع «نعم فأنا أسامة مساوي، ذاك الذي شارك معكم الأفراح والبلاوي . ناهض معكم الظلم والإستكبار، وقهر الشعوب ليل نهار .لكن دعاني الداعي أنه لاينهد الجور ولايسقط إلا بسلاح قاطع بتار. وأنه والله واهم من يطلب الإنعتاق حاسر الصدر بلا توكل بلا عدة بلا قراءة للتاريخ والأخبار».

وأضاف الأستاذ الذي أكد بعض زملائه أن التدوينة تخصه لتعرفهم على أسلوبه في الكتابة، مخاطبا تلاميذه «ولتلاميذي الأعزاء الذين ما رأيت منهم إلا الصدق والطيبة والإباء، ها أنا ذا يا أبناء المسلمين أبرئ نفسي من كل سوء فيه من قبل أوقعتكم، أو شبهة إليها أدخلتكم أو شك سيء إليه دفعتكم. وأسأل الله أن يهديني ويهديكم، ويلهمنا الرشاد ويلهمكم. وهذي الطريق والله لايدرك معانيها إلا من أراد الله له ذلك، فليست بقدرة نفس أو نزقية. ويوم القيامة تجتمع الخصوم ليرى كل خلق الله من اللائم ومن الملوم». 

من جهته، رفض عبد الكريم سفير الكاتب الوطني ( الامين العام) للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة الإدلاء بأي تصريح بشأن التحاق مساوي بتنظيم «داعش» إلى حين تأكيد الخبر. 

وأضاف سفير أن الجسم التعليمي لمدرسي الفلسفة ما زال تحت وقع الصدمة، غير مصدق التحاق الأستاذ أسامة بصفوف التنظيم المذكور، خصوصا و أنه مختفي ولا يعرف ما إذا كان حسابه الشخصي مخترقا أم لا.