الرياض: يبدو "مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية" كمنتجع خمس نجوم في الرياض، بحمام السباحة الداخلي والباحات الخارجية وصالة الرياضة، الا انه في الحقيقة مقر لاعادة تأهيل أشخاص متطرفين.

ويشكل المركز عنصرًا رئيسيًا في استراتيجية المملكة السعودية للتعامل مع العناصر المتطرفة على أراضيها، معتمداً مبدأ "المعالجة الفكرية"، في وقت تشكل الضربات الجوية والحلول العسكرية الاخرى عناصر أساسية في الحرب الدولية على الارهاب.

ويشرف على عمل المركز شيوخ وعلماء نفس يحاولون منع المتطرفين من العودة الى دائرة العنف عبر مجموعة من الخطوات تبدأ بجلسات لشرح الوسطية والاعتدال، وتنتهي ببرامج رعاية أسرية بعيد خروجهم من المركز.

ويقول مدير المركز يحيي أبو مغايض لوكالة فرانس برس خلال جولة قامت بها في المركز، "ينصب تركيزنا على تصحيح أفكارهم، وسوء الفهم لديهم، وانحرافهم عن الاسلام".

ويقيم نزلاء المركز الذين دينوا بتهم تتعلق بالارهاب في مجموعة من الابنية الموزعة فوق مساحات خضراء وبين اشجار النخيل، وتضم غرفها شاشات تلفزيون ضخمة، وأسرّة كبيرة.

ويسير العناصر الذين كانوا الماضي أعضاء في تنظيم القاعدة أو حركة طالبان بحرية في أروقة المركز، وقد ارتدوا زيًا أبيض موحدًا. ويستطيعون ممارسة الرياضة في الصالة المخصصة لذلك، او التوجه الى شقق مفروشة للقاء زوجاتهم.

ويوضح أبو مغايض "نريد ان يشعر المستفيدون بأنهم أشخاص طبيعيون ولا تزال الفرصة متاحة أمامهم للانخراط مجددًا في المجتمع"، مشددا على ان المركز لا يصنفهم سجناء.

- معالجة فكرية -

وشهدت المملكة التي واجهت اتهامات بتصدير الافكار المتطرفة، مرارًا هجمات دامية نفذها متطرفون على أراضيها.

وعززت السعودية في السنوات الماضية دورها في الحرب على الارهاب، وهي عضو في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق. وأطلق ولي العهد الامير محمد بن سلمان الاحد تحالفًا اسلاميًا لمحاربة الارهاب يضم 41 دولة.

لكن مركز الامير محمد بن نايف يقع في صلب الاستراتيجية السعودية لمكافحة التطرف داخليا.

ويقول المشرفون عليه انه استقبل منذ تأسيسه في العام 2014 أكثر من 3300 مدان بقضايا تتعلق بالارهاب بينهم عناصر تم ترحيلهم من معتقل غوانتانامو.

ويقول مدير المركز إن "نسبة النجاح تصل الى 86 بالمئة"، موضحاً ان هذه النسبة تستند الى أعداد المتطرفين الذين لم يعودوا الى دائرة العنف خلال عقد من الزمن بعد خروجهم من المركز.

ويشير الى ان العدد الأكبر من النسبة الباقية ظهرت عليهم بوادر "سلوكيات منحرفة"، بينما عاد عدد قليل منهم للانخراط في التطرف المسلح.

غير ان الخبير الأميركي في شؤون التطرف في جامعة جورجيا جون هورغن يقول إن نسبة الذين عادوا الى القتال أكبر من ذلك، مشيرا الى تقارير إعلامية تؤكد انخراط عدد من الذين خضعوا لاعادة التأهيل مجددا في العنف.

ويقول "لا بدّ من الاشادة بقيام السعودية بتجرية أمر مختلف، إذ انهم كانوا أول من اعتمد مبدأ المعالجة الفكرية مع الارهابيين".

ويضيف "من دون وجود شفافية حول العناصر المشمولين ببرنامج إعادة التأهيل، من المستحيل إدراك القيمة التي يضيفها البرنامج، إن وجدت، في التقليل من احتمال العودة الى الارهاب". 

- الأفكار تحارب الأفكار -

وسمح لوكالة فرانس برس خلال الجولة في المركز بالتحدث الى "المستفيدين" من برنامج إعادة التأهيل، الا انهم رفضوا ذلك.

ويرى مراقبون ان هناك معضلة أخلاقية ترتبط بكيفية التعامل مع متطرفين لطخت أيديهم بالدماء، لكنهم باتوا يقيمون في مركز "خمس نجوم" وتقدم لهم حوافز مالية.

الا ان المسؤولين السعوديين يؤكدون ان هذا الأمر لا يلغي امكانية التعرض للعقاب، فالذين يرفضون الانخراط في البرنامج بعد ثلاثة أشهر من دخولهم الى المركز تتم اعادتهم الى كنف القضاء.

والى جانب التعريف بمبدأ الوسطية في الدين، يشدد المركز على تعزيز الروابط العائلية، مشجعاً على الزواج والانجاب، في مسعى لجعل قرار العودة الى العنف اكثر صعوبة.

ويقول الخبير في المعالجة النفسية في المركز علي العفنان "لا يمكن محاربة الارهاب بالقوة. فالافكار وحدها تستطيع أن تحارب الافكار".

ويعتمد المركز في عمله أيضا تقنية "العلاج بالفن". ويقول ابو مغايض إن المقارنة بين لوحات رسمها نزلاء في المركز في المرحلة الاولى لانخراطهم في البرنامج، مع أخرى قاموا بها في مراحل لاحقة، تدل على التطور النفسي لديهم.

ويشير الى رسم باللون البرتقالي نفذه أحد الموجودين في المركز، يعكس، بحسب قوله، "نفسية غوانتانامو"، ثم الى رسم آخر فيه مزيج من الالوان نفذه الشخص نفسه بعد مرور بعض الوقت، ما يعكس "أملا"، بحسب قوله.

وأثناء حديثه الى فرانس برس، تلقى العفنان اتصالاً هاتفيًا من عنصر قاتل مع حركة طالبان في أفغانستان قبل ان يقيم في المركز ويخرج منه ليصبح رب عائلة ويحاول العودة الى الدراسة الجامعية.

وقال العفنان "هذا الرجل قدوة. إنه مثال ممتاز للتأكيد على ان الجميع يستحقون فرصة ثانية".