الرباط: استطلعت "إيلاف المغرب" متصفحي الموقع، بخصوص موقفهم من عقوبة الإعدام، حيث طالبت نسبة عالية منهم الإبقاء عليها كوسيلة ردع ، أمام تفشي الجرائم الكبرى وانتشار ظاهرة العنف والفتك الشنيع بالآخرين دون سبب في المجتمع المغربي.

وشارف عدد المؤيدين للإبقاء على العقوبة 76,09 في المائة، فيما عارض تطبيقها حوالي17,39 في المائة ؛ أما الذين وقفوا على الحياد، فلم يصلوا إلى نسبة 6,52 في المائة ، ما يدل على أن المغاربة ما زالوا حذرين ومتحفظين من الخطابات التي تروجها عبر وسائل الإعلام المنظمات الحقوقية التي نشطت في السنوات الأخيرة ، مواكبة منها لثقافة حقوق الإنسان والحق في الحياة كما هو الحال في المجتمعات الغربية التي بلغت شأوا متقدما في هذا الشأن.

ومن الصعب القول إن عدد المستجوبين المؤيدين للعقوبة ، مؤشر على أن المجتمع المغربي ،يتسم بالقسوة والرغبة في الثأر، بل ربما التنكر لتقاليد الرحمة والعفو عند المقدرة التي طالما طبعت السلوك الجماعي للمغاربة في الماضي ، خاصة عندما تنتفي نية القتل العمد عند مقترفي الجرائم الكبرى التي تستوجب العقوبة القصوى التي تقشعر لها الأبدان، لحظة النطق بها في المحكمة.

غير أن المؤكد كذلك أن خطاب المنظمات الحقوقية المناوئة لتنفيذ الإعدام ، لا يخترق جدار الرفض لدى المغاربة ، بل يصطدم بموانع شرعية دينية وتقاليد راسخة لم يستطع الخطاب الحقوقي الغربي تغييرها حيث يتهم مروجوه ، حقا أو باطلا، بأنهم يدافعون عن ثقافة غريبة غير صالحة حتى لبعض المجتمعات الغربية ، فكيف تصلح ياترى لغيرها .

ويعتقد الرافضون للإلغاء أن لا علاقة لثقافة التسامح بمستوى الديمقراطية في بلد ما ، بدليل أن الولايات المتحدة ؛ وهي زعيمة العالم الحر ، تنفذ العقوبة في شروط لا إنسانية ( الكرسي الكهربائي) وترفض أي تدخل خارجي في شأن القضاء المستقل ؛ اعتقادا من الأميركيين أن العقاب المناسب هو أحسن وسيلة ردع حتى لا تتكرر من وجهة نظرهم الجرائم الفظيعة الموجبة للحكم بالإعدام.

ومن الطبيعي أن لا يحظى موقف مثل هذا ودائما بإجماع بين المختصين في القانون وعلماء النفس والاجتماع وحتى رجال الدين.

وقبل انخراط الدولة المغربية في الورش العالمي الداعي إلى إعلاء ثقافة حقوق الإنسان؛ فإن محاكم البلد تتريث كثيرا ، وتعمل ألف حساب قبل النطق بحكم إنهاء حياة متهم ؛ حتى إن توفرت الأدلة القطعية عليه واعترف ، عن طيب خاطره بالجرم الكبير .

ويستحضر القضاة في اغلب الحالات كل المعطيات والتفاصيل الصغيرة والملابسات المحيطة بالجريمة ، كما أن الحكم يتدرج بين درجات التقاضي ، ما يجعل القضايا المعروضة على المحاكم تأخذ وقتا طويلا ، يتيح أحيانا التوصل إلى حل بين المطالبين بالحق وأقارب الجاني ، على أن لا تتعارض "التسويات" مع مقتضيات العدالة التي تبقى لها الكلمة الأخيرة ، كونها تمثل الحق العام.

وعلى العموم ، فإن أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم المغربية ليست بالكثرة التي يعتقدها البعض وخاصة خارج المغرب . والملفت للنظر إن بعض المنظمات الحقوقية تتخذ المطالبة بإلغاء الإعدام مطية لانتقاد مجمل السياسات الحكومية ، وترفض الإقرار بأن مسالة الإعدام ، مشكل عويص وشائك ، إذ بقدر ما يريح البعض ويخفف عنهم ، يسبب الآلام لآخرين؛ وبالتالي فإنه ملف ينبغي أن يناقش بهدوء والمراهنة على تطور ثقافة المجتمع ووعي الناس بمعنى الحق المشترك في الحياة .

وهناك واقع تتجاهله عن قصد بعض المنظمات المناوئة لحكم الإعدام مثل إصدار العفو عن المدان وتخفيف عقوبته من الإعدام إلى المؤبد إذ مع طول مكوثه في السجن يمكن أن يصبح المؤبد محددا، بناء على حسن سيرة السجين أو إصابته بأمراض مزمنة يخشى منها على حياته.

ولا ينتظر محكوم عليهم كثر ، فيما يسمى "عنابر الموت" بالسجن، فهم بالعشرات وليس بالمآت تختلف حالاتهم النفسية ، منهم من يعتبر نفسه ميتا حيا ، وهناك من ينتظر الرأفة به كما يوجد بينهم من يتضرع إلى الله أن يغفر له فيما اقترفت يداه .

ومن الطبيعي أن توجد قلة من المدانين بالعقوبة القصوى ، ارتكبوا جرمهم بنية القصد وهم في حالة وعي بما قاموا به أو نكلوا بضحاياهم . هذا الصنف من المدانين قضائيا يصعب تخفيف العقوبة القاسية في حقه.

جدير بالذكر أن النقاش حول حكم الإعدام ، ابتدأ في المغرب قبل عقود ، لكنه كان ضعيفا ومحدودا بالنظر إلى الموانع الدينية والاجتماعية وخوفا من ردود الفعل

لكن بعد مصادقة المملكة على أغلب المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، اتخذ الموضوع أبعادا بل دخلت على الخط هيئات حقوقية دولية نظمت ندوات وتظاهرات فوق التراب المغربي ، أعلنت من خلالها معارضتها الصريحة لعقوبة الإعدام ، داعية السلطات المغربية إلى التجاوب مع مطالبها وتنفيذ التزاماتها الدولية . 

ولم يدخل المغرب في نزاع مع المنظمات الحقوقية الوطنية والعربية وكذا الدولية ، بل تفهم مطالبها، متمنيا أن تقدر من جهتها إكراهات ثقافة المجتمع بالتريث في معالجة هذا الموضوع ريثما ينتشر الوعي به على أوسع نطاق، على اعتبار أن التسرع والقفز على المراحل تكون له في الغالب عواقب عكسية.

وبسبب تلك التخوفات ، اتخذ المغرب حتى الآن موقفا مرنا، فهو لا يرفض الخطاب الحقوقي بخصوص عقوبة الإعدام ولا يوحي للناس أن الجرائم الكبرى لا تفلت من العقاب العادل والمناسب. لذلك عارض التنصيص على الإلغاء في دستور 2011 وترك الأمر معلقا إلى حين اقتناع المجتمع وربما اختفاء الجرائم الكبرى الموجبة للإعدام.

وعلى كل فليس المغرب استثناء بين الكثير من الدول التي تتحفظ بخصوص إلغاء العقوبة ، علما أن ذلك لا ينعكس في انخفاض معدلات الجريمة ، إذ يبدو أن هذه تتبع مسارا خاصا ، لم يستطع المختصون حتى الآن ، الإلمام بكافة الخيوط السرية والدوافع الغامضة التي تتحكم فيها وتجعل البشر يقدمون على ارتكاب الفظائع ببرودة دم ،دون رهبة أو خشية من عدالة السماء وقوانين الأرض.