«إيلاف» من القاهرة: تجري الحكومات العربية تحركات مكثفة من أجل احتواء تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وجدد سياسيون وأحزاب دعوة مقاطعة المنتجات الأميركية.

ودعا رئيس البرلمان العربي إلى جلسة طائرة يوم الاثنين المقبل، بينما دعت وزارة الخارجية مجلس الأمن إلى اجتماع طارئ أيضًا، بينما دعا شيخ الأزهر جميع المساجد في مصر ومختلف أنحاء العالم إلى أن تكون خطبة الجمعة المقبلة عن مدينة القدس.

تكثف الحكومة العربية، ولاسيما المصرية جهودها من أجل مواجهة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. ودعا رئيس البرلمان العربي، الدكتور مشعل بن فهم السلمي، إلى عقد جلسة طارئة للبرلمان العربي يوم الاثنين المقبل بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، لبحث تداعيات القرار الأميركي.

 وقال في تصريح أرسله لـ"إيلاف"، إن الدعوة لعقد جلسة طارئة تأتي لتمكين أعضاء البرلمان العربي الذين يمثلون كافة أطياف وتوجهات الشعب العربي من إصدار قرار يعبر عن نبض الشارع العربي بشأن هذا القرار الخطير للإدارة الأميركية.

وشدد رئيس البرلمان العربي على أن هذا القرار يُعد تحدياً صارخاً لكل المواثيق والأعراف والقرارات الدولية ذات الصِّلة بالقضية الفلسطينية، ويهدد الأمن والسلم الدوليين، ويستفز مشاعر العرب والمسلمين وأحرار العالم، ويؤسس بإرادة منفردة لتغيير الوضع القانوني الحالي لمدينة القدس المحتلة تتحدى إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، في مسعى مرفوض لحسم هوية القدس العربية الإسلامية لمصلحة الدولة القائمة بالاحتلال لتكون عاصمة يهودية موحدة لها.

وأكد رئيس البرلمان العربي الموقف الثابت للبرلمان العربي، بأن مدينة القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وأن هذا القرار يقوض عملية السلام في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونه عدواناً على حق الشعب الفلسطيني في عاصمة الدولة الفلسطينية مدينة القدس.

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، المستشار أحمد أبوزيد، إن هناك تحركات عربية إسلامية مصرية ستحدث خلال الفترة المقبلة، حيث طالبت مصر مجلس الأمن بعقد جلسة عاجلة، لسماع سكرتير الأمم المتحدة بشأن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، باعتبار القدس عاصمة إسرائيل.

وأضاف أن قرار أميركا له تأثيرات سلبية على قدسية مدينة القدس، مطالبا أميركا بالحفاظ على عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وكشف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أن وزراء الخارجية العرب سيجتمعون السبت المقبل، لاستنكار ما يحدث بفلسطين من الجانب الأميركي، مشيرًا إلى أن قرار أميركا باعتبار أن القدس عاصمة إسرائيلية سيكون له أثر سياسي سلبي على مستقبل التسوية السلمية في المستقبل، مطالبًا بانتظار رد فعل المجتمع الدولي تجاه قرار أميركا.

واعتبر خبراء سياسيون أن قرار ترمب، ستكون له تداعيات خطيرة على عملية السلام، واتهم السفير محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، الإدارة الأميركية الحالية بالعمل على فرض سياسة الأمر الواقع في الكثير من الملفات في المنطقة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر بدأ في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. 

وأضاف في تصريح لـ"إيلاف": إن القرار يؤسس لمرحلة جديد من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من أجل السلام، لافتًا إلى أن قرار ترمب خاطئ ويجب مراجعته مرة أخرى، لاسيما أنه ضد المواثيق والأعراف الدولية.

وقال الدكتور محمد يوسف، الباحث في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي، لـ"إيلاف"، إن القرار يلغي الدور الأميركي في عملية السلام، باعتباره وسيطًا غير نزيه وغير محايد، مشيرًا إلى أن ترمب أثبت أن الإدارة الأميركية تقف إلى جانب إسرائيل بشكل فج، وبدون مراعاة الحقوق الإسلامية في مدينة القدس.

وأوضح أن القرار الأميركي يمثل في قوته السياسية وعد بلفور البريطاني بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، معتبرًا أن القضية الفلسطينية قبل 6 ديسمبر 2017، ستكون مختلفة تمامًا عنها بعد هذا التاريخ.

ولفت إلى أن الدول العربية والإسلامية في أضعف حالاتها الآن، وهو ما شجع الجانب الأميركي على اتخاذ القرار، دون مراعاة لأية ردود فعل، حتى على مستوى الشعوب المنهكة بسبب الثورات والصراعات بين السنة والشيعة.

وحسب وجهة نظر اللواء نصر سالم، الخبير الإستيراتيجي، فإن القرار جاء بعد دراسة مستفيضة من جانب أميركا وإسرائيل، ووجد صناع القرار في الدولتين أن هذا هو التوقيت المناسب، لاسيما في ظل تشرذم الدول العربية، وتدمير غالبيتها بسبب الحرب ضد الإرهاب أو ثورات الربيع العربي.

وأضاف لـ"إيلاف" أن قرار ترامب يعتبر جرأة غير مسبوقة على الإرادة العربية، معتبرًا أن مواجهة هذا القرار الآن في يد الشعوب العربية والإسلامية وليس في يد الحكومات.

وأوضح أنه يجب على الشعوب العربية والإسلامية مقاطعة كافة المنتجات الأميركية، وسحب الاستثمارات من أميركا، لتوجيه ضربة اقتصادية مؤلمة لها، منوهًا بأنه يجب على الحكومات العربية إصدار قرارات مضادة تعترف بالقدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين.

وطالب حزب الكرامة الناصري، جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بـ"تبني موقف جماعي للدول الأعضاء بقطع العلاقات كافة مع أميركا وإسرائيل حال إصرارهما على هذا الإجراء".

كما دعا الحزب الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي إلى "انتفاضة شعبية فلسطينية وعربية و إسلامية وعالمية في الداخل الفلسطيني و في الوطن العربي وشتى بلاد العالم من أجل التصدي لتمرير هذا القرار المجرم ، والعمل على منعه وعدم التمكين له"، على حد تعبيره.

وفي السياق ذاته، أصدر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قرارًا بأن تكون خطبة الجمعة المقبلة في الجامع الأزهر عن القدس وهويته العربية، كما وجه وزير الأوقاف أيضًا بأن تكون خطبة الجمعة المقبلة في جميع مساجد مصر بذات العنوان، وحث العرب جميعًا على الوقوف صفًا واحدًا ضد كل الدعوات والمحاولات التي من شأنها تغيير هوية القدس العربية أو سلب حق أصيل من حقوق العرب.

ودعا شيخ الأزهر، جموع العالم الإسلامي في شتى بقاع الأرض، بأن تكون خطبة جمعتهم القادمة أيضًا عن القدس والعمل على نصرته، ورفض أي محاولة لتغيير هويته العربية، والتأكيد على حقوق العرب والفلسطينيين التي أقرتها المواثيق والأعراف الدولية.

وكان الدكتور أحمد الطيب، حذر خلال لقائه رئيس مجلس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، من اتجاه بعض الدول إلى نقل سفاراتها إلى القدس، قائلا: "لو فتح باب نقل السفارات الأجنبية إلى القدس، ستُفتح أبواب جهنم على الغرب قبل الشرق"، معتبرًا أن الإقدام على هذه الخطوة سيؤجج مشاعر الغضب لدى جميع المسلمين، ويهدد السلام العالمي، ويعزز التوتر والانقسام والكراهية عبر العالم.