اسطنبول: بعد عام على اغتيال السفير الروسي لدى انقرة تبدو العلاقات الروسية التركية في أفضل احوالها منذ سنوات عدة رغم بقاء العديد من الملفات المثيرة للتوتر.

مساء 19 ديسمبر 2016، اغتيل السفير اندري كارلوف، الدبلوماسي المخضرم من العهد السوفياتي، برصاص شرطي تركي خارج الدوام خلال افتتاح معرض صور في انقرة.

وبرزت مخاوف من أن يؤدي اغتياله الى أزمة جديدة في العلاقات بعد عودتها الى مسارها في الصيف عقب اتفاق مصالحة إثر اسقاط طائرة حربية روسية بنيران تركية فوق الحدود السورية في نوفمبر 2015.

ولم تتبن موسكو تأكيدات انقرة بأن الاغتيال كان من تدبير شبكة فتح الله غولن، الداعية المقيم في الولايات المتحدة والمتهم بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في 2016. لكن الرئيسين رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين أكدا أن العلاقات لن تتأثر.

وسجلت في العام الماضي دبلوماسية مكثفة بين الجانبين بشأن سوريا. والتقى اردوغان وبوتين ثماني مرات على الاقل في 2017 بعد انتقادات حادة متبادلة اواخر 2015.

في وضع أفضل

يعود آخر لقاء لهما الى 11 ديسمبر هذا العام عندما توجه الرئيس الروسي الى انقرة بعد لقائه الرئيس السوري بشار الاسد -- عدو تركيا خلال النزاع السوري المستمر منذ عام 2011. 

وتعتبر موسكو وانقرة نفسيهما إلى جانب طهران، ترويكا الضامنين لمستقبل سوريا، وسط غياب واضح لأوروبا والولايات المتحدة.

وانتعشت السياحة الروسية في تركيا، واستأنفت روسيا العمل على أول منشأة نووية لانتاج الطاقة في تركيا، فيما تجري اعمال انشاء انبوب غاز تحت البحر على قدم وساق.

من ناحيتها تقترب انقرة من شراء نظامين للدفاعات الجوية طراز اس-400 من موسكو في صفقة بقيمة 2,5 مليار دولار في خطوة اثارت قلق حلفائها في الحلف الاطلسي. لكن فيما يبدو التعاون مزدهرا، قد تكون هناك حدود تقيد التحالف بين الدولتين اللتين تصارعت حكومتاهما للسيطرة على منطقة البحر الاسود لعقود.

وقال ايغور ديلانويه نائب رئيس مركز التحليلات الروسي-الفرنسي "اوبسرفو" لوكالة فرانس برس "ان الشراكة الروسية-التركية هي بالتأكيد في حال افضل مما كانت عليه قبل سنة، إن لم يكن قبل سنتين".

واضاف "ومع ذلك، لا يمكن القول ان موسكو وانقرة متفقتان حول ما سيحدث لاحقا".

اختلافات عميقة

قال ديلانويه انه لا تزال هناك "اختلافات عميقة" حول دور المقاتلين الاكراد السوريين الذين يسيطرون على مساحات كبيرة من شمال سوريا، في مؤتمر تعزم روسيا عقده العام المقبل للبت في مسائل رئيسية ومنها الانتخابات ودستور جديد.

وتعتبر انقرة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي جماعة ارهابية، فيما يرتبط الحزب بعلاقات ودية مع موسكو وتعاون معها على الارض في سوريا. وفيما تعد صفقة نظامي اس-400 الدفاعيين رسالة رمزية الى الحلف الاطلسي، الا انها شهدت مفاوضات شاقة بشأن نقل التكنولوجيا والتمويل.

وكان من المفترض ان يوقع بوتين واردوغان على الاتفاقية في محادثات انقرة هذا الشهر، لكنها لم تكن جاهزة. وأزيلت على عجل طاولة وضعت لمراسم التوقيع. وقال ديلانويه "صفقة اس-400 ليست مُنجزة" مضيفا انه كان يشكك كثيرا في موافقة موسكو على المطالب التركية المتعلقة باقامة مصنع انتاج على اراضيها.

وقال كريم هاس من جامعة موسكو ان العلاقة ككل "تضبط ايقاعها موسكو" وليست شراكة على قدم المساواة. واضاف ان تركيا تعتمد على الطاقة الروسية وعلى النفوذ الروسي ايضا بعد "أن خرجت من اللعبة" في سوريا حتى بدء تعاونهما.

وقال ان "العلاقات التركية-الروسية تسير على ارضية زلقة وضعيفة" واصفا العقد المتعلق بنظامي اس-400 بانه "طريق طويل وشائك".

تواصل التحقيقات

قتل السفير كارلوف برصاص الشرطي مولود ميرت التينتاش (22 عاما) والذي كان خارج الخدمة. وقتل التينتاش على الفور برصاص الشرطة التركية. وأسف بعض المعلقين لعدم اعتقاله حيا للحصول منه على معلومات.

وقال اردوغان بعد يومين على اغتيال السفير انه "لا داعي لاخفاء سر" ارتباط التينتاش بمنظمة غولن. وينفي الداعية المقيم في بنسلفانيا اي ضلوع له في محاولة الانقلاب الفاشلة او في اغتيال السفير.

اعتقلت تركيا خمسة مشتبه بهم في مخطط الاغتيال، وقالت انهم مرتبطون بمنظمة غولن.

والمشتبه به الاخير، وهو الضابط السابق في الشرطة رمضان يوجيل، اعتقل الاسبوع الماضي. واعتقل كذلك خير الدين ايدنباش، مدير شركة اعلام انتجت برنامجا لتلفزيون "تي آر تي آفاز" القناة التلفزيونية الرسمية التركية للقوقاز.

لكن أي مسؤول روسي لم يتبن علنا اتهام شبكة غولن بالتخطيط لجريمة الاغتيال. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا في وقت سابق هذا الشهر ان "أجهزة الأمن التركية تواصل التحقيق بالتعاون مع المحققين الروس".

منح السفير كارلوف الذي كان ايضا سفيرا لبلاده في بيونغ يانغ، لقب "بطل روسيا" أعلى الالقاب الروسية بعد مقتله.