الرباط: أجمع المتدخلون في اللقاء الدراسي الذي نظمه فريق حزب العدالة والتنمية المغربي بمجلس النواب، حول موضوع: "الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين بين إكراهات التنزيل وآفاق التطوير"، اليوم الثلاثاء بالرباط، على أن ورش إصلاح التعليم وتنزيل الرؤية الاستراتيجية يواجه مجموعة من التحديات الكبرى التي تعرقل الإصلاح المنشود، مشددين عل ضرورة تكثيف جهود مختلف الفاعلين لبلوغ الأهداف المرجوة.

الشارع بدل المدرسة

وقالت رحمة بورقية، عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب، إن إصلاح التعليم يشكل المنطلق لكل الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة، مسجلة أنه على الرغم من كل الجهود التي تبذل "تؤكد جل الدراسات أن ضعف أداء منظومتنا التربوية ما زال قائمًا".

وأضافت بورقية في كلمة باسم المجلس في اللقاء الدراسي "نقر بالتحديات التي تواجه بلدنا وهو يعرف تحولات اقتصادية واجتماعية وفِي حاجة لإصلاحات في التعليم لانتاج الكفاءات وتأهيل الشباب"، مسجلة أنه "مرت سنتان على بلورة الرؤية، هل حددنا لها المقومات الأساسية أم أن الواقع دخل في مسار آخر؟"، وذلك في إشارة إلى عدم رضاها عن المسار الذي تسير فيه مسألة إصلاح التعليم، وأعربت عن أسفها لاستمرار الأطفال في سن التمدرس خارج مؤسسات التعليم.

وقالت عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي "بعد مرور سنتين على إقرار الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2015/2030، ما زلنا نقذف بشريحة من الأطفال لم يبلغوا بعد خمس سنوات في الشارع بدل أن تكون لهم مقاعد في أقسام الدراسة".

إكراهات وتحديات

من جهته، قال محمد الأعرج، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني بالنيابة، إن إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي "تعترضه بعض الإكراهات والتحديات، التي يتعين العمل على تجاوزها بالموازاة مع التقدم في عملية التنزيل"، مشددًا على أن "توفير إطار تمويلي ملائم، يضمن تمويلاً قارًا ومنتظما للمنظومة"، يشكل أحد التحديات الكبرى.

وأفاد الأعرج بأن تحقيق التعبئة المجتمعية حول أوراش الإصلاح يمثل تحديا هو الآخر، داعيا إلى تحقيق "التعبئة المستدامة والأولوية القصوى التي ينبغي أن يحظى بها إصلاح المدرسة المغربية، لجعلها فضاء لتكوين وتأهيل الرأس مال البشري الكفء، ورافعة أساسية لتحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة".

وطالب المسؤول الحكومي بـ"إحداث تغيير قيمي وثقافي لدى مجموعة من الفاعلين والشركاء، يكرس لديهم، الاستشعار الذاتي للمسؤولية الفردية، والانخراط الطوعي في الإصلاح، بما يمكن من توسيع قاعدة المشاركة لإحداث التغيير"، وذلك في رسالة إلى الفاعلين الاجتماعيين الاقتصاديين بالبلاد من أجل المساهمة في إنجاح هذا الورش الهام بالنسبة للبلاد.

وتعهد وزير التربية الوطنية والتعليم العالي بالنيابة بمواصلة الوزارة "مجهوداتها من أجل قيادة ومواكبة التغيير، وتقوية التعبئة المجتمعية حول الإصلاح، باعتبارهما شرطين أساسيين من شروط النجاح"، معتبرا أن التفعيل الأمثل للجهوية المتقدمة من شأنه توفير "أجوبة حقيقية حول بعض هذه التحديات الأساسية المطروحة".

سياسة لغوية فاشلة 

وفي كلمة غاضبة، انتقد المقرئ الإدريسي أبو زيد، النائب البرلماني المنتمي لحزب العدالة والتنمية، الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين، معتبرًا أنها تشكل بالنسبة له "مجرد إعلان نوايا لا يمكن الوثوق به، نظرا للإرث الثقيل والمسار العملي الذي نمضي فيه واقعيا"، متعهدا أنه في حال إقرارها وتنزيلها" سأغير رأيي".

وقال الإدريسي، في مداخلة له بالمناسبة، "أذكر بمغالطتين كبيرتين تمارسان في تغطية وتورية السياسات الفرنكوفونية الانتكاسية في المغرب، أولاهما الخلط المتعمد منذ الاستقلال إلى اليوم في خطاب الأجهزة التنفيذية بين لغة التدريس وتدريس اللغات، وثانيهما: التورية عن اللغة الفرنسية بكلمة اللغات الأجنبية".

وأضاف الادريسي أن ما سماها مغالطتين "هما مفتاح كشف المستور في السياسة اللغوية البئيسة والفاشلة والتي أثمرت إلى اليوم نتائج كارثية في أدائنا التعليمي وانعكاساته الحضارية".

وزاد مبينا أن التخبط الظاهر الذي تعرفة السياسة اللغوية بالمغرب يغطي "حقيقة ثابتة وقارة وواقعة هي أن هناك سياسة إرادية عليا ثابتة الخطى وقاصدة وتصاعدية إلى التمكين الفرنسي والارتداد عن كل مطالب الحركة الوطنية التي قادها كل من محمد الفاسي وعلال الفاسي والمختار السوسي، مرورًا بالشهيد عمر بنجلون ومحمد عابد الجابري".

وأحرج أبو زيد زميله في الحزب خالد الصمدي، كاتب الدولة (وزير الدولة) المكلف التعليم العالي والبحث العلمي، عندما وجه له سيلاً من الأسئلة المباشرة، حيث قال: "أتوجه إلى السيد الوزير بسؤال، في المغرب هناك علماء متخصصون في اللغة والتدريس آراؤهم تناقض ما ذهبت إليه السياسة اللغوية الرسمية هل أخذتم برأيهم؟"، معتبرًا أن الأمور تسير نحو مزيد من التراجع وتكريس الهيمنة الفرنكوفونية على المغرب.

حرب باردة بين المجلس والوزارة

أما الخبير البيداغوجي( التربوي) ، محمد الدريج، فصب جام غضبه على المنهجية التي تعتمدها الدولة في إصلاح التعليم، معتبرًا أن هناك قطيعة بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة التربية الوطنية، حيث قال: "هناك حرب باردة ما بين المجلس الأعلى للتعليم ووزارة التربية الوطنية التي تعتقد أنها ليست في حاجة إلى وصاية من المجلس".

وحذر الدريج في مداخلته من الاتجاه الذي تسير فيه المنظومة التعليمية بالمغرب ، والتي عدها تسير في اتجاه وصفه بـ"الخطير"، حيث قال: "هناك وضعية عدم استقرار في المنظومة التعليمية التي تعرف نوعًا من الارتجال في تدبير الأمور الخطيرة بسرعة وارتجال"، مسجلا أنه "كلما ذهب وزير إلا وجاء آخر بما يخالف سابقه"، في إشارة منه إلى تعاقب الوزراء وتضارب المشاريع ومخططات الإصلاح دون تحقيق أي نتيجة.

وأضاف المتحدث ذاته بنبرة غاضبة، مخاطبًا البرلمانيين والمسؤولين الحكوميين "حرام علينا بعد 60 عاما من الاستقلال ما زلنا نتحدث عن دورات المياه في المدارس"، وذلك في جملة تلخص حجم وعمق أزمة التعليم بالبلاد.

بدوره، دعا الخبير التربوي، عبد الناصر الناجي، لربط البحث العلمي بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشددًا على ضرورة مراعاة البعد الثقافي والاجتماعي في تنزيل الرؤية الاستراتيجية، حيث قال: "ينبغي أن نكون قادرين على تنزيل منظومة التربية والتكوين وفق نسق متكامل"، مشددا على ضرورة بذل المزيد من الجهود لتطوير الأداء وتحقيق القفزة المطلوبة.