الرياض: اعتمدت للسعودية طوال عقود على النفط كمصدر رئيسي للعائدات في موازناتها العامة، الا ان تراجع اسعار الخام ونزعة تشجيع الاستثمارات في قطاعات اخرى بينها السياحة والترفيه لدى ولي العهد الشاب، يقودانها نحو خطوة تاريخية: خفض نسبة ايرادات النفط لأكثر من النصف.

واعلن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الثلاثاء موازنة العام المقبل، بعد ساعات قليلة من اعتراض صاروخ فوق الرياض اطلقه المتمردون الحوثيون في اليمن باتجاه قصر اليمامة، مقر الحكم الرئيسي.

وبينما لم يتطرق الملك الى الهجوم الصاروخي، قال ان الحكومة نجحت في "تقليص الاعتماد على النفط ليصل إلى نسبة "50 بالمئة تقريباً" من مجموعة الايرادات العامة، قبل ان تؤكد وزارة المالية ان الهدف أبعد من ذلك، وهو الوصول الى نسبة 42 بالمئة بحلول 2023.

والى جانب الملك، جلس نجله ولي العهد الامير محمد (32 عاما) الذي يتولى العديد من المناصب المهمة، وبينها وزير الدفاع، ورئيس صندوق الاستثمارات العامة، ونائب رئيس مجلس الوزراء.

ويقود الامير محمد خطة التحول الاقتصادي في المملكة التي ارتهن اقتصادها تاريخيا للنفط، وذلك في اطار خطة تحت مسمى "رؤية 2030" طرحها في العام 2016 في خضم الصعوبات المالية التي واجهتها دول الخليج وبينها السعودية في اعقاب تراجع اسعار الى النصف تقريبا منذ 2014.

وبينما تعتمد خطته، التي أمست بمثابة دستور اقتصادي لأكبر مصدر للنفط في العالم، على دعم قطاعات اخرى بينها الخدمات والصناعة العسكرية، يتطلع الرجل القوي في المملكة ايضا الى بيع جزء من عملاق النفط "ارامكو".

- هبوط، صعود -

شهد الاقتصاد السعودي سنة 2017 انكماشا للمرة الأولى منذ ثماني سنوات بسبب اتباع المملكة سياسات تقشفية العامين الماضيين، في ظل تراجع اسعار النفط وانخفاض الايرادات بشكل كبير.

واعلنت صاحبة اكبر اقتصاد عربي إن اقتصادها شهد انكماشا بنسبة 0,5 بالمئة في الناتج المحلي الإجمالي عام 2017. وكان الاقتصاد شهد انكماشا للمرة الأخيرة العام 2009، حين تراجع الناتج المحلي الإجمالي 2,1 بالمئة بعد الأزمة المالية العالمية.

ورغم ذلك، أعلنت الرياض عن نفقات عامة قياسية بغية تحفيز النمو، وقدمت ميزانية توسعية للعام 2018 تلحظ نفقات بقيمة 260,8 مليار دولار بزيادة نسبتها 10 بالمئة عن العام الماضي. كما بلغ العجز فيها 52 مليار، وهو خامس عجز تسجله موازنات المملكة على التوالي.

وتقوم الموازنة الجديدة على دعم مصادر الايرادات غير النفطية، خصوصا عبر زيادة الضرائب، تماشيا مع اقتراحات صندوق النقد الدولي. وتنوي المملكة فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة اعتبارا من 2018.

ويقدر خبراء ان المملكة ستتمكن من تحصيل 23 مليار دولار من هذه الضريبة ومن الضرائب الاخرى العام المقبل.

ويرى احسان ابو حليقة رئيس مركز "جوانا" للاستشارات الاقتصادية ان الميزانية التوسعية "تحمل حلا انتظرناه لعقود وهو كيفية الفصل بين الانفاق للتنمية والنمو الاقتصادي، وبين تذبذب ايرادات النفط".

واضاف "هناك هيكلية جديدة وهذا يعني استقرار ايرادات الميزانية على المدى الطويل وبالتالي استقرار الانفاق، لان التنمية والانفاق كانا ولعقود مضت يرزحان تحت وطاة توفر الايرادات النفطية".

وتابع "هذه موازنة تخرجنا من دوامة هبوط النفط وصعود النفط".

- دعم القطاع الخاص -

عام 2014، شكلت عائدات النفط 90 بالمئة من ايرادات المملكة. واليوم، تراجعت هذه النسبة بنحو الثلثين، علما ان الهدف الاكبر الوصول الى نسبة 42 بالمئة بحلول 2023، في موازاة هدف آخر هو تحقيق موازنة من دون عجز في السنة ذاتها.

وافادت مؤسسة "جدوى للابحاث" في تقرير تعليقا على الموازنة العامة لسنة 2018 ان الموازنة تدعم اهداف خطة رؤية 2030 وتنويع الاقتصاد، مشيرة الى ان قيمة النفقات على المشاريع والبنية التحتية تقدر بنحو 90 مليار دولار "وهو ما يظهر رغبة حكومية كبيرة في دعم القطاع الخاص".

والاسبوع الماضي أمر الملك سلمان بتخصيص 19 مليار دولار لدعم القطاع الخاص. ويهدف هذا الدعم الى تمويل 16 مبادرة بينها قروض سكنية للمواطنين بقيمة 5,7 مليارات دولار، وبرنامج لتحفيز الصادرات، وبرنامج آخر لتعزيز تمويل الصادرات.

وذكرت وكالة الانباء الرسمية ان الأمر الملكي صدر بناء على طلب من ولي العهد الذي أدخل المملكة في دائرة تحول كبرى تتعدى القطاع الاقتصادي وتطال خصوصا المجتمع المحافظ، حيث سمحت السلطات مؤخرا للمرأة بقيادة السيارة، وقررت فتح دور السينما من جديد.

ورأت مؤسسة "جدوى" ان نزعة دعم الاستثمار والقطاع الخاص لدى الحكومة في الموازنة العامة "تخرجنا من دوامة صعود وهبوط أسعار النفط".