الرباط: حملت نسبة عالية ( 80 في المائة)، من متصفحي" إيلاف المغرب" الأسر المغربية، مسؤولية اندلاع العنف المدرسي، المسجل في المدة الأخيرة ببعض المؤسسات التعليمية ، كان المدرسون ضحاياه ، والتلاميذ مرتكبوه، ما خلف استهجانا وصدمة لدى الرأي العام ، وشعورا بما يشبه الذنب وسط العاملين في أسرة التربية والتعليم .

وتدل نسبة إدانة السلوك العدواني (80 في المائة) الصادر عن التلاميذ ضد من يعلمونهم ؛ على أن العائلات المغربية ما زالت تنظر إلى المدرسين بنوع من التقدير والتعاطف معه بل تنسى في مثل هذه الحالات، ملاحظاتها السلبية ومؤاخذاتها على أداء البعض منهم أثناء القيام بوظيفتهم.

وكان الرأي العام المغربي قد أفاق منذ أسابيع، على شريط تم تداوله على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي، يوثق لمشهد اعتداء داخل القسم على مدرس من طرف احد تلاميذه، بينما وقف زملاؤه يتفرجون على المنظر غير مسبوق في حوليات التربية والتعليم بالمغرب، دون أن يوقفوا زميلهم المعتدي على أستاذه الذي ظهر ملقى على الأرض وهو يقاوم وحده اعتداء من سيهبه نقطة النجاح أو الرسوب في نهاية المسنة الدراسية.ولذلك عم الاستنكار المزدوج: ضد فعل التلميذ الشنيع والموقف المتخاذل لزملائه.

والحقيقة أن الواقعة التي تكررت في سياق مماثل وفي أماكن أخرى ، تكشف عن خلل كبير في تربية الناشئة بالمغرب ؛ ليس في الوسط التعليمي فقط بل في المجتمع برمته، تتحمل الدولة قسطا كبيرا من المسؤولية فيه ممثلة في السلطات التربوية التي تراخت إلى حد كبير عن القيام بواجبها ورسالتها في تهذيب الناشئة . هكذا أصبح عدد من المؤسسات التعليمية مرتعا للفوضى وأشكال العنف المتبادل بين التلاميذ من جهة، وضمنه الموجه ضد الذين يتولون تلقينهم .

والعنف كما هو معلوم درجات : فيه ما هو لفظي يتمثل في اللسان البذيء أو عدم الاكتراث بما يقوله المدرس وضعف التجاوب مع خطابه في قاعة الدرس، وفيه ما يتخذ أشكالا رمزية.

في هذا الصدد ، وعلى الرغم من إجماع علماء التربية وعلم النفس، على أن فترة المراهقة حرجة، تتميز بالحدة في مواقف وسلوك من يمرون بتلك الفترة العمرية العصيبة، ما يقتضي وجود إستراتيجية تربوية للتعامل معهم؛رغم ذلك فإن جل إن لم يكن كل المؤسسات التعليمية في المغرب لا تتوفر ضمن طاقمها الإداري على مرشد أو موجه سيكولوجي ،يتولى مراقبة سلوك التلاميذ ورصد الحالات الخطيرة سواء داخل القسم أو في الفناء المدرسي ، لعلاجها بالنصح أو بالزجر ، وتنبيه أولياء أمورهم واستفسارهم عن تصرفاتهم في المنزل، وكذا توعية المدرسين بما يجب أن يراعوه في أقسام مزدحمة محبوسة الأنفاس، ضاجة بالحركة.

هذا الإجراء الوقائي منعدم ، وبالتالي ليست مستغربة تلك التصرفات الشاذة من المتعلمين بل هي مرشحة للتفاقم ما لم يتم علاجها والقضاء عليها في المهد ، قبل أن تتحول إلى ظاهرة مستعصية ، قد تستدعي لا قدر الله تدخلا خارجيا من قوى حفظ النظام .

والحقيقة انه غالبا ما يتم السكوت عن مؤشرات العنف المقلق في المدارس، تلاحظ تجلياته الأخطر في ملاعب كرة القدم على سبيل المثال، ففيها يندلع العنف بين المناصرين للفريقين المتنافسين. الأدهى من ذلك أن الشرارة المؤذية تنتقل بسرعة إلى الشارع العام بشكل أكثر ضراوة ، فتنجم عن الهياج خسائر في الممتلكات والمنشآت العامة .

و يمكن القول إن ظاهرة اعتداء التلاميذ على مربيهم ، وهم المفروض أنهم يشكلوا قدوتهم ؛ليست معزولة عن التحولات غير المنتظمة الحاصلة في المجتمع ،بما فيها من سلبيات وإيجابيات ؛فقد أصابت في الصميم بنية العلاقات الأسرية وغابت أو تراجعت بشكل كبير، سلطة الوالدين، وتحديدا في الأسر دون المتوسطة والفقيرة الكثيرة العدد.

ومن الطبيعي، في ظروف عيش كهذه، أن تتمكن من المراهق الرغبة في التمرد على السلطة كيفما كان مصدرها وطبيعتها: يرفض أوامر والديه ، ونصائح من يكبره سنا ،وتلقي التعليمات من مدرسيه في القسم ، وفي مرحلة لاحقة يخرج إلى الشارع متحديا السلطة والنظام 

أكيد أن أسبابا كثيرة، تقف وراء هذه الوضعية المستنكرة، لكن المشكل أنها تتفاقم سنة بعد أخرى .

ومن المفارقات أن الوزير الوحيد في تاريخ التربية بالمغرب الذي حاول تجريب استعمال السلطة في المدارس وإعادة الانضباط إليها ، عزل من منصبه على خلفية تقصيره في القيام بواجبه الإداري لما كان على رأس وزارة الداخلية. 

ويخشى أن تنتهي محاولة فرض النظام في الحرم المدرسي،بترك الوزير المقال لمنصبه ، علما أن الرأي العام التربوي بكافة تعبيراته ، بدا يشعر بخطورة الموقف وبضرورة التصدي له ًبدءا من أعلى سلطة في البلاد. إذ لا يعقل أن يتعود التلاميذ على ممارسة العنف في أماكن ينفق عليها الكثير من المال العام لتتحول إلى المدرسة إلى أوكار للعنف والسلوك المشين.

سيكون صعبا وقبيحا ، تلمس الأعذار للتلاميذ المعتدين على مربيهم ، لكن الموضوعية تقتضي التوقف عند الأجواء القاحلة التي تسود الكثير من مؤسسات التعليم العمومي بالمغرب ، تتمثل في غياب الأنشطة الكفيلة بغرس القيم الإيجابية في التلميذ ، كما أن المقررات الدراسية باتت في نظر المتلقين جافة لا تخاطب عقولهم ولا وجدانهم مثلما ان طرق التدريس متجاوزة في نظرهم إذا قورنت بما تيسره لهم تكنولوجيا الاتصال.

تخلو البرامج من مواد التفتح والتوجيه والتهذيب، والقليل الموجود مصاغ بأسلوب تقليدي يستند على الوعظ والإرشاد والتحذير. التربية الفنية غير معممة وتشغيل التلاميذ في مشاغل الموسيقى والرسم وحتى الرياضة يكاد يكون منعدما في الكثير من المدارس ، كما أن اغلب جمعيات الإباء لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل.

يلاحظ في نفس السياق أن المجتمع المدني الناهض في المغرب ، لا يمتد نشاطه إلى الحقل المدرسي مقتصرا على المجال الحقوقي والمطالب الاجتماعية.

تنأى هذه الملاحظة ، بطبيعة الحال، عن أي تبرير أو تزكية للاعتداء على الآخرين في أي فضاء ؛ إنما القصد منها التنبيه والدعوة إلى وقف هذا المد الخطير، والنظرة إليه في شمولية. فهو في النهاية مظهر من مظاهر العنف السائد في المجتمع والذي له صور وأشكال أخرى ، لا تقل عنفا عن ما بدأ يتبلور في حجرات الدرس.

تجدر الإشارة إلى أن نسبة 20 في المائة ، عارضت إلقاء المسؤولية بخصوص ما يقع على التربية الأسرية . لعل أجوبتهم تشير بأصبع الاتهام إلى السلطات التربوية.