الرباط: في أول تجربة فنية من نوعها، في تاريخ المعارض بالمغرب، يقيم الرسامان الأخوان ابراهيم الحيسن والراكب الحيسن، حاليا معرضا ثنائيا مشتركا لأعمالهما، تحت عنوان" خرائط المحو"، في الرواق الفني لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، بمدينة الرباط.

ونظرا لانتمائهما معا إلى أسرة واحدة، وفضاء واحد، هو الصحراء المغربية بشساعتها وامتداداتها وألوانها المتوهجة تحت الضوء، فإن أعمالهما جاءت، بشهادة مجموعة من النقاد، بمثابة مرآة انعكست عليها نكهة المكان بكل حمولاته وأطيافه وتموجات رماله وبعده الثقافي والتراثي المتجذر في عمق التاريخ.

سلالة الصحراء

لوحة من المعرض

في قراءاته لمضامين المعرض، يرى الدكتور محمد الشيكر، الباحث في الفن والجماليات، أن "الصحراء ليست عنوانا على جغرافية الجدب والفراغ، والصمت الجنائزي، بل هي بخلاف ذلك فضاء ينهض على ناموس جغرافي قوامه الحركة والتقلب والتناسخ والمحو وعدم استقرار عناصر الطبيعة والوجود على قرار".

ويضيف الشيكر أن الفنانين المبدعين الأخوين ابراهيم والراكب الحيسن من السلالة المتحدرة من خرائط الصحراء، ويخبران شعرية الترحل والمحو التي تعتمل عناصرها الأنطولوجية على أوقيانوسات الرمل.

الهمس والحس

شفيق الزكاري، وهو رسام تشكيلي، وناقد فني جمالي، كتب هو الآخر في الدليل الفني للمعرض، عن هذا اللقاء الفني، والحوار الذي يجمع الأخ بأخيه،"بلغة جمالية تستغني عن الكلام المباح"، وصفها بأنها "لغة الهمس والحس ضمن تجربتين احتفاليتين باللون، تمتحان من قواسم ابداعية محلية مشتركة، جعلتا من الذاكرة الصحراوية مصدرا للإلهام، بصوت موحد في الفكرة والرؤية، ومختلفتين في المعالجة".

واجهة معرض " خرائط المحو" في الرباط.

وفي نظر د.أمل نصر، الناقدة التشكيلية، ورئيسة قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة الاسكندرية بمصر، فإن "إبراهيم الحيسن نموذج لفنان منغمس في فضاء الطبيعة، مستوحيا إياها عبر الطبقات المتوارية خلف سطحها المادي، يترجم مشاهدها الخارجية إلى بصيرة داخلية".

وإضافة إلى ما سجلته أمل نصر، في شهادتها، فإن ابراهيم الحيسن يبقى من بين الفنانين القلائل جدا، الذين يزاوجون بين الكتابة النقدية الجمالية، والممارسة التشكيلية الصباغية، والبحث الأكاديمي، وقد راكم مجموعة من الإصدارات همت مختلف مناحي الحياة العامة في الصحراء، خاصة على المستوى الفكري والإبداعي والفني.

وفي هذا المعرض استطاع ابراهيم الحيسن أن يوظف في بعض لوحاته قطعا مأخوذة من "الملحفة" (لباس المرأة في الصحراء المغربية) في صيغ وتكوينات فنية، جاءت في غاية الجمال والإبداع.

لمسات وزخات

ابراهيم الحيسن يرد على استفسارات زوار المعرض

أما أخوه الفنان الراكب الحيسن فإنه ينفرد بكونه ينهج أسلوبا متميزا في التعاطي مع اللحظة الإبداعية، وفق رؤية فنية تسعى إلى إضفاء لمسات تجسد تفاعله مع اللون، في لوحات ذات أحجام وأشكال تنبض بالتجريب عبر زخات وبقع صباغية، أثبت من خلالها قوة التعبير لديه عن إحساسه بأسلوب واضح، وضوح الشمس في سماء الصحراء.

ولقد تغيب الراكب الحيسن عن حضور حفل افتتاح المعرض، مساء أمس الخميس، بينما ظل ابراهيم يرد على استفسارات الصحافيين والزوار، مؤكدا أن ظروفا مهنية طارئة حالت دون مقدم أخيه من مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء المغربية، إلى الرباط، العاصمة السياسية للمملكة، علما أن المعرض سيبقى مفتوحا في وجه العموم إلى غاية 11 يناير من السنة المقبلة.