قال مركز حقوقي مصري إن السلطات القضائية في فرنسا فتحت تحقيقًا في بيع أجهزة مراقبة إلى مصر، للتجسس على النشطاء السياسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، بينما نفى مصدر أمني مصري هذه الأنباء.

إيلاف من القاهرة: كشف تقرير صادر من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن النائب العام الفرنسي فتح تحقيقًا في بيع معدات تجسس إلى مصر.

منظمات تتقدم بشكوى
وقال التقرير، الذي حصلت "إيلاف" على نسخة منه، إنه "بناء على طلب تقدّمت به الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان، والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان، بدعم من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بفتح تحقيق قضائي حول تورط شركة فرنسية في بيع معدّات تجسس لمصر، قرر أخيرًا مكتب النّائب العام لقسم الجرائم ضد الإنسانيّة في باريس فتح تحقيق رسمي حول الواقعة، الأمر الذي قد يفضي إلى توجيه تهم التّواطؤ في التعذيب والاختفاء القسري إلى كل من شركة أميسيس الفرنسية - التي أعيدت تسميتها باسم نيكسا تكنولوجي - والنظام الاستبدادي للسيسي على حد سواء، ويبعث برسالة تحذير قويّة إلى شركات المراقبة والأسلحة وكذا إلى السّلطات الفرنسيّة".

كانت المنظمات الثلاث قد تقدمت في 9 نوفمبر 2017 بشكوى ضد شركة "نيكسا تكنولوجي" الفرنسية، واضطلاعها في القمع واسع النّطاق في مصر في ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السّيسي، من خلال بيعها لتكنولوجيا خاصّة بالتجسس، وذلك على خلفية ما ورد من معلومات في التحقيق الذي أعدّه الصحافي أوليفييه تيسكيتو والمنشور في جريدة "تيلي راما" في 5 يوليو 2017.

عار من الصحة
واعتبر المركز أن "قرار النائب العام في باريس فتح التحقيق في هذه الواقعة يعطي فرصة للعديد من الضّحايا المصريين لرفع &دعاوى مدنية بصفتهم متضررين من هذه التقنيات، ويفسح لهم مجالًا للإدلاء بشهادتهم أمام النائب العام في فرنسا، كما سيمكّن فتح التحقيق في القضية الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان من مباشرة الدّعوى".

من جانبه، قال مصدر أمني مصري، لـ"إيلاف" إن مصر لم تستورد أجهزة مراقبة لمتابعة نشاط مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن هذه الأنباء عارية تمامًا من الصحة. أضاف أن السلطات المصرية لم تتلق أية إخطارات رسمية من الحكومة الفرنسية بشأن هذا التحقيق المزعوم.

وسبق أن تقدمت الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان، بشكوى مماثلة ضد الشركة نفسها في 2011، بشأن بيع تقنيات تجسس مشابهة لنظام معمّر القذّافي في ليبيا. وقد &تمكّن ضحايا نظام القذافي في 2013 بمساعدة الفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان والرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان من المثول أمام قضاة التّحقيق الفرنسيين للإدلاء بشهادتهم في تلك الواقعة، التي تحولت في 2017 إلى "الشاهد الممثّل قانونيًّا" للمشاركة في أعمال تعذيب ارتكبت في ليبيا بين عامي 2007 و2011.

تواطؤ
وحسب التقرير الحقوقي، فإن ميشال طوبيانا، المحامي وأحد الرؤساء الشرفيين للرّابطة الفرنسيّة لحقوق الإنسان، استنكر تواصل بيع معدّات التجسس، وكأنّ شيئًا لم يكن، رغم مثول الشركة نفسها للتّحقيق في القضيّة الليبيّة، مشيرًا إلى أن تلك المعدات تعزز الأسطول القمعي للأنظمة المستبدّة.

أضاف أنه رغم العديد من المحاذير المحلية والدولية بشأن استخدام هذه التقنيات والمعدات، إلا أن تواطؤ السلطات العمومية المسؤولة المتمثل في تقصيرها عن مراقبة تصدير المنتجات ذات الاستخدام المزدوج يحول دون وقف العواقب الوخيمة لمثل هذه الصفقات، ويسهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تترتب على تلك الصفقات.

وقال المركز الحقوقي المصري إن هذا التّحقيق الجديد سيسهم في تسليط المزيد من الضّوء على سياسات نظام السيسي القمعية، وانعكاساتها على المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني في مصر وقوى المعارضة المختلفة، إذ تشهد مصر اليوم عشرات الآلاف من المساجين السياسيّين، الّذين يتعرّضون عادة للتّعذيب وظروف اعتقال غير إنسانية ومحاكمات غير عادلة.

السجون تشهد
وأوضح بهي الدّين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: "في السّجون المصريّة حاليًا أكثر من أربعين ألف سجين سياسي سلميّ، كانوا يومًا نسمة الحياة وأمل الحرية الذي انطلق من ميدان التحرير، ففيما تمعن الشركات في تحقيق الأرباح، تداس التطلّعات الشعبيّة لحياة أفضل تحت أقدام النظام".

أضاف باتريك بودوان، المحامي وأحد الرؤساء الشرفيين للفدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان: "الشركات الفرنسيّة تسجّل من خلال بيعها لمعدّات التجسس والأسلحة لمصر والشرق الأوسط أرقام مبيعات غير مسبوقة، بينما تتسامح السلطات الفرنسية مع تلك الجرائم، بل وتشجعها، من خلال توظيف مشتريات تلك الشركات".

تابع: "إن الحكومة المصريّة تستخدم تلك المعدّات في تعقب المعارضين، فتسجن وتعذب &كلّ من يتجرّأ على المطالبة بالمزيد من الحريّة واحترام سيادة القانون، وعليه فلا بدّ من وقف هذه الأعمال الإجراميّة القاتلة والحيلولة دون المضي قدمًا فيها بكل السبل، وهذا هو جوهر العدالة"، حسب تعبيره.

مشروع مراقبة اتصالات
يأتي ذلك في الوقت الذي تقدمت فيه الحكومة المصرية بمشروع قانون إلى مجلس النواب، يمنحها الحق في مراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المصورة على الهاتف. "متى كانت لتلك المراقبة فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على 6 أشهر"، حسب النص المقترح.

ويجيز مشروع القانون للحكومة مراقبة تسجيلات الأحاديث التي تجري في الأماكن الخاصة، على أن يتم ذلك بموجب أمر مسبب من السلطات القضائية.

وتقدم النائب في البرلمان رياض عبد الستار بمشروع قانون آخر بعنوان "تقنين مواقع التواصل الاجتماعي"، و"يقضي بحجب الحسابات المحظورة التي تبث "فكرًا متطرفًا، وحظر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، واستبداله بآخر مصري، يتم إنشاء الحسابات فيه عبر هويات الرقم القومي، لتحديد شخصية صاحب كل حساب"، حسب المقترح الجديد.