تسعى الكتل السنية في العراق إلى تأجيل الانتخابات ريثما يعود النازحون، وترمم سمعتها في المناطق التي كانت تخضع لتنظيم داعش، وتفويت الفرصة على معارضيها، الذين يحمّلونها ما جرى لهم من مآس خلال النزوح والحرب على داعش.

إيلاف من أمستردام: حسم رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق القاضي مدحت المحمود تعارض مساعي الكتل السياسية العراقية لجهة تأجيل أو إجراء الانتخابات البرلمانية في منتصف شهر مايو 2018 بطلبه من رئيس البرلمان سليم الجبوري، الذي يقود الكتل الساعية إلى تأجيل الانتخابات، بأن يتقدم بطلب رسمي مكتوب وموقع، يوضح فيه طلبه وحيثياته. وقد وافق الجبوري، حسب ما أبلغ "إيلاف" به مصدر سياسي عراقي طلب عدم ذكر اسمه.

استغلال النصر
وأوضح المصدر أن الأيام الماضية شهدت لقاءات تخللتها توترات بين قادة الكتل المطالبة بتأجيل الانتخابات وتلك الساعية إلى إجرائها في وقتها.

وبيّن أن غالبية الكتل السنية تطالب بالتأجيل لسنة واحدة، ريثما تكتمل عودة النازحين إلى مدنهم التي هجروها بسبب احتلال تنظيم داعش لها، وما تلاها من عمليات حربية، ويقود هذه الكتل رئيس البرلمان سليم الجبوري.

أضاف أن الكتل الشيعية ترفض التأجيل سعيًا منها إلى استغلال النصر على داعش، والظهور بمظهر المنتصر في الحرب التي كبّدت البلاد آلاف القتلى والجرحى، لكنها حققت استقرارًا أمنيًا في غالبية محافظات البلاد، إضافة إلى إسقاط استفتاء استقلال إقليم كردستان.

وأكد المصدر أن توترًًا حصل يوم أول أمس بين الجبوري ونائب رئيس الجمهورية نوري المالكي بسبب إصرار الأخير على إجراء الانتخابات.

ترميم سمعة&
وقال المصدر إن الرافضين للانتخابات من الكتل السنية يسعون إلى ترميم سمعتهم التي تدهورت خلال احتلال داعش لمحافظات الغالبية السنية في شمال العراق وغربه، مثل نينوى والأنبار وصلاح الدين، ويخشون أن يفوز معارضوهم، لو أجريت الانتخابات في موعدها.

وكشف المصدر أن الكتل السنية طلبت، كحلٍ وسط، إجراء الانتخابات في المناطق ذات الغالبية الشيعية في موعدها، وتأجيلها في المناطق ذات الغالبية السنية على الأقل ستة أشهر، ولم توافق الكتل الشيعية.

أما موقف الكتل الكردية، فقد أكد المصدر أن كتلة التغيير فقط تطلب إجراء الانتخابات في موعدها، مستفيدة من قيادتها للمعارضة ضد الحزبين الحاكمين في الإقليم الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. وكان مجلس النواب العراقي وافق في جلسته في 7-8-2017 على دمج انتخابات مجالس المحافظات، التي تم تأجيلها، سابقًا، مع الانتخابات البرلمانية، وإقامتها في موعد الانتخابات البرلمانية نفسه.

وحول موقف المحكمة الاتحادية حيال ذلك، قال المصدر إن رئيس مجلس القضاء الأعلى طلب من قادة الكتل الاتفاق على رأي محدد واستفتاء المحكمة، لكن قادة الكتل لم يتوصلوا إلى اتفاق، الأمر الذي دفع برئيس البرلمان إلى التوجه إلى المحكمة الاتحادية التي سترد في الأيام القريبة من الشهر المقبل، حسب المصدر.

انتزاع تأييد شعبي
ويرى متابعون عراقيون أن رئيس الوزراء حيدر العبادي أكثر المصرّين على إجراء الانتخابات في موعدها، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في الشهر الماضي بأن يكون في الثاني عشر من شهر مايو 2018 ورفعه إلى البرلمان الذي لم يبتّ فيه حتى الآن.

ويسعى العبادي إلى حصاد التأييد الشعبي والعربي والدولي، الذي يظهره كقائد النصر على داعش، كما يسعى إلى الإطاحة بالرؤوس الكبيرة الموغلة بالفساد، حسب هؤلاء المتابعين، مهما كانت مواقعهم السياسية.

يرجّح هؤلاء أن يبدأ العبادي حملته الكبيرة ضد الفاسدين في الشهرين المقبلين، ليكللها قبيل الانتخابات، إذا لم يتأجل موعدها، بالإطاحة بأسماء مقربة من حزبه، حزب الدعوة الإسلامية، الذي توجّه اتهامات لقادته&في فساد مالي وإداري طوال السنوات الماضية.

وفي تطور ذي صلة، حذر مجلس محافظة الأنبار، السبت، من وجود مخططات من قبل كتل سياسية وأحزاب متنفذة لم يسمِها لتزوير الانتخابات المقبلة.

محاولة تزوير
وقال عضو المجلس فرحان محمد الدليمي في تصريح له، إن "جهات متنفذة تحاول بشتى الوسائل التلاعب بنتائج الانتخابات المقبلة على خلفية عدم إدخال تحديثات جديدة تحدّ من ظاهرة عمليات التزوير، ما دعا العديد من الكتل والأحزاب السياسية إلى اعتماد عمليات التزوير للفوز بالانتخابات المقبلة، بعدما أدركت أن فوزها أصبح شبه&مستحيل".&أضاف الدليمي أن "حكومة الأنبار المحلية طالبت بإدخال البطاقة الالكترونية في الانتخابات المقبلة للحد من عمليات التزوير".

وأشار إلى أن "الوضع الحالي في ظل عدم عودة كل الأسر إلى مناطق سكناها المحررة سيكون مهيئًا لعمليات التلاعب والتزوير بنتائج الانتخابات، خاصة وأن كتلًا وأحزاباً متنفذة لديها القدرة على تبني هذه الحالة للفوز في الانتخابات المقبلة"، مؤكدًا أن "مفوضية الانتخابات مطالبة بالعمل على معالجة الحالات المذكورة للحدّ من عمليات التزوير".

يذكر أن الانتخابات البرلمانية العراقية تجري كل أربع سنوات، ويشكل الحكومة مرشح أكبر كتلة برلمانية، لكنّ توزيعًا طائفيًا وقوميًا طغى على توزيع المناصب في البلاد، حيث رأس الحكومات المتعاقبة من الشيعة والبرلمان من السنة ورئاسة الجمهورية من الكرد، رغم أن الدستور لا ينص على هذا التوزيع، حيث يسعى ناشطون مدنيون إلى تشكيل أحزاب وكتل غير طائفية، بعيدًا عن الأحزاب الدينية السنية والشيعية والكردية للخروج بالبلاد من سطوة المحاصصة الطائفية.
&