من بين سنوات عمرها الأربعين، أمضت نفيسة محمد اسماعيل أكثر من 14 عاما في مخيم أبو الشوك للاجئين في دارفور.

وكحال النازحين في أي مكان، لا تنسى نفيسة اليوم الذي غادرت فيه بيتها في 5 آب/أغسطس عام 2003 - بعد خمسة أيام من دخول الحركات المسلحة لمنطقتهم في قطم- كما لا تنسى أيضا رحلة اللجوء إلى منطقة الفاشر مع ولديها والتي استغرقت ثمانية أيام بعد مقتل زوجها الأول.

كانت نفيسة تعمل في الشرطة قبل اندلاع الصراع المسلح، وهي اليوم مديرة مركز لنساء المخيم أنشئ قبل نحو 3 سنوات بدعم من اليابان .

وقالت لبي بي سي إن حياتها في المخيم أكسبتها مهارات جديدة مثلها مثل كثير من سيدات بدأن العمل مع المنظمات في مجالات عدة مثل التغذية والصحة.

وتسعى نفيسة اليوم بحكم عملها لتطوير مهارات نساء أخريات بالتعاون مع المنظمات الدولية المسؤولة عن حماية المعسكر.

وفي الفترة الأخيرة، أجرى مركز النساء بالتعاون مع اليوناميد (بعثة الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور) ورشة عمل ليوم واحد حول صنع مواد غذائية بهدف كسب بعض المال، وشاركت بها 50 امرأة معظمهن من الأرامل واليتيمات والفقيرات جدا.

وتقول نفيسة إن مثل هذا النوع من التدريب "هو الأول من نوعه" في مركزهم النسائي.

وأبرز ما تدربت عليه النساء كان صنع "الشعيرية" من مادة الدقيق باستخدام آلات صنع المعكرونة؛ فالشعيرية أكلة شعبية معروفة في السودان تحضر بطرق مختلفة فقد يضاف لها السكر أو اللبن أو الفول السوداني أحيانا. لذا فصناعتها - بدلا من شرائها بأسعار عالية - يؤمن غذاء للعائلة وخاصة للأطفال، ويمكن للنساء بيعها وتأمين دخل مادي وإن كان محدودا.

والأكلة معروفة أيضا في بلاد أخرى مثل مصر وسوريا، لكن أهالي كل بلد يحضرونها على طريقتهم.

وأضافت نفيسة لموقع بي بي سي العربية في اتصال هاتفي: "المشروع بسيط وغير مكلف ويمكن لأي شخص استخدام (الآلة). اخترنا أرامل ويتيمات وفتيات يعانين الفقر للمشاركة في ورشة العمل؛ فأي تدريب هو إضافة حقيقية ترفع قدراتهن".

وأوضحت قائلة إن المرأة في دارفور "طالما كانت منتجة، وكانت مثلا تزرع الخضروات داخل منزلها لتأمين ما تحتاجه. لكنها في المعسكر مضطرة لأن تعمل أعمال شاقة مثل بناء البيوت وصناعة الطوب حيث تذهب إلى الكماين (الورش) مع أطفالها للعمل وتأمين النقود للحصول على الطعام، وكثيرا ما تضطر للمشي لأكثر من 3 ساعات يوميا".

وتقول إن النساء اللواتي شاركن في الورشة يقمن الآن بنقل خبرتهن في صناعة الشعيرية إلى أخريات.

دارالنعيم عثمان يحيى، واحدة ممن شارك في التدريب بعد عدم تمكنها من إيجاد عمل في مجال التعليم بعد التخرج من كلية التربية من جامعة الفاشر.

وتقول إن حياتها في المعسكر "صعبة جدا" خاصة وأن أسعار المواد "غالية جدا".

وحتى اليوم، أمضت دار النعيم - ذات الـ 28 عاما - 13 عاما في المعسكر قضتها في الدراسة والعمل إما في صناعة الطوب أو الزراعة في الوادي القريب؛ حيث أنها لم تستطع إيجاد فرصة عمل في إحدى مدارس المعسكر، كما تقول.

وتقول يحيى - التي تتمنى لو تستطيع زراعة ما يحتاجونه كما هي الحال في قراهم التي تركوها - إن مردود صناعة الشعيرية أفضل من باقي المهن التي عملت بها؛ فهي تستطيع خبزها بوقت سريع جدا وإيصالها إلى السوق.

وأضافت أن الشركات تبيع الشعيرية بـ 12 جنيه في حين أنها تبيعها هي بـ 7 وأحيانا بـ 5 جنيهات إن لم يكن لدى الشخص المال الكافي.

أما فاطمة آدم محمد - وهي أم لـ 5 أطفال - فتتمنى لو تزداد مثل هذه التدريبات لتشمل صناعات أخرى مثل صناعة الصابون وغيرها مما يحتاجونه في المعسكر. فيحزنها ألا تكون قادرة على شراء كل ما تتمناه لأبنائها من فواكه ولحوم وتأمين نقود كافيه لمواصلاتهم للذهاب إلى المدرسة.

نادي نسوي

قبل نحو 13 عاما، غادرت فاطمة منطقة طويلة وهي في الشهر التاسع من حملها مفترقة عن عائلتها التي تشتت بين أكثر من مكان (في الخرطوم، ونيالا وطويلة، والفاشر)، أما نفيسة فكانت أما لطفلين فقط بينما أصبح عدد أبنائها الآن 4 بعد زواجها الثاني. وهما اليوم - مع دارالنعيم أيضا - يأملن لو يستقر الوضع في قراهم التي تركنها ليعدن إليها مع عائلاتهن الجديدة.

وإلى جانب محاولات تمكين النساء في مجال الصناعات البسيطة ذات التأثير السريع، أخبرتني نفيسة عن "النادي النسوي" في المعسكر الذي تجتمع فيه النساء لمناقشة أوضاعهن الاجتماعية المختلفة وقضايا السلم وهن يشربن القهوة أو الشاي سوية.

وقالت فاطمة لبي بي سي "لا وجود لحياة كاملة في المعسكر.. عندما يستتب الأمن في البلاد نفضل أن نرجع لمناطقنا".

وأضافت ردا على سؤال إن كانت تعتقد أن عودتها قريبة لقريتها، قائلة "وضع الأرامل هنا ليس سهلا فهناك أكثر من 2000 أرملة.. يشكلن بلد بحالو (كامل).. وهناك أيضا مشكلة تسول بين الأطفال. يجب إخلاء المعسكرات اليوم قبل بكرة -غد- لنحافظ على هذا الجيل".