«إيلاف» من لندن: إتهمت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية مليشيات الحشد الشعبي العراقي بإحتجاز رجال يهربون من الموصل في مراكز إحتجاز غير مُعلنة ينقطع داخلها إتصالهم بالعالم الخارجي ودعت الحكومة الى السماح لعائلات المعتقلين بالتواصل معهم وضمان مثول أي محتجز أمام قاضٍ خلال 48 ساعة من توقيفه وإعلان أسماء وأعداد المحتجزين.

وقالت المنظمة إن جماعات في الجيش العراقي تفحص وتحتجز رجالاً يهربون من الموصل في مراكز احتجاز غير مُعلنة، ينقطع داخلها إتصالهم بالعالم الخارجي، موضحة في تقرير الاربعاء إطلعت «إيلاف» على نصه أن هذه الجماعات، من "قوات الحشد الشعبي" تفحص أمنيًا الرجال المشتبه بتورطهم مع تنظيم داعش نظرًا لافتقار هذه الجماعات للتدريب على الفحص والطبيعة الاستثنائية لأعمال الفحص والاحتجاز هذه وعدم تواصل المحتجزين بالعالم الخارجي، فقد أصبح الرجال المحتجزون عرضة لخطر كبير بالتعرض للانتهاكات، التي تشمل الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري.

اختفاء محتجزين

وقالت لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، "يقول لنا الأهالي في حالة تلو الأخرى إن مقاتلي الحشد الشعبي أوقفوا أقاربهم وأخفوهم. في حين لا يمكننا أن نعرف تحديدًا طبيعة ما حدث للرجال المحتجزين، فإن الافتقار إلى الشفافية، لا سيما عدم معرفة الأهالي مكان ومصير أقاربهم، هي مدعاة لقلق بالغ".
وطالبت السلطات العراقية بأن تسمح فقط للجهات المكلفة بالفحص الأمني أن تفحص الأفراد وتضمن إيداع أي مُحتجز في مركز معروف ومُتاح للمراقبين الخارجيين دخوله، وأن تمنحهم حقوقهم الخاصة بالإجراءات القانونية السليمة المكفولة بموجب القانونين الدولي والعراقي.&

كما شددت على ضرورة ان تستند كل عملية احتجاز إلى نص قانوني وطني صريح، وأن يمثل كل محتجز فوراً أمام قاضٍ لمراجعة قانونية احتجازه داعية القضاء العراقي الى إرغام السلطات بإحالة المحتجزين إلى قاضي تحقيق في ظرف 48 ساعة من توقيفهم، كما انه على السلطات ضمان معرفة أهالي المحتجزين بأماكنهم، وأن تكشف علنًا المعلومات الخاصة بعدد المحتجزين، كجزء من عملية استرداد الموصل من داعش.

الحشد يعتقل السكان

وقالت هيومن رايتس ووتش انها قابلت الأهالي من قرية نزارة، وقالوا إن مقاتلي الحشد الشعبي أخذوا جميع القرويين إلى بلدة أخرى لمدة 15 يومًا في نوفمبر الماضي ثم إلى مخيمات للاجئين. لكن 5 رجال كانوا قد تركوا القرية لبيع خرافهم لم يعودوا قط، ثم شوهدوا في ما بعد على التلفاز بصفتهم من مقاتلي داعش الأسرى.&

واشارت الى ان هناك رجلاً آخر غادر لبيع خرافه وصف تعرضه للاعتداء والاحتجاز على يد مقاتلي الحشد الشعبي، ثم عاد لأسرته في نهاية المطاف، لكن 3 رجال كانوا معه في السيارة لم يظهروا بعد.

وقابلت المنظمة أيضا أفرادًا من 4 أسر من أهالي المختطفين، سافروا بين 26 ديسمبر 2016 و15 يناير& 2017 ومرّوا بموقع فحص أمني على مسافة كيلومترين تقريبًا إلى جنوب شرق الموصل كان يخضع لسيطرة الفرقة التاسعة من قوات الأمن العراقية. وقالت كل من الأسر إنهم وصلوا ومعهم عدد كبير من المدنيين الهاربين، بين 1500 و4000 شخص واوضحوا إنهم رأوا بين 7 و20 مقاتلاً محليًا من الحشد الشعبي هناك، وميزوا انتماءهم إلى الحشد من شاراتهم ولهجتهم المحلية ولباسهم المدني وسمع أحدهم مقاتلين محليين يُنادَون بلقب "أبو الحشد"، دلالة على انتمائهم إلى الحشد الشعبي.

فصل الرجال عن النساء

ووصفت جميع العائلات التي مرّت بالموقع المذكور نفس عملية الفحص الأمني، التي نُفذت على مدار الليل ولدى وصولهم، عادة في المساء أو ليلاً، كان الرجال والصبية في سن 15 عامًا فأكبر يُفصلون عن النساء والأطفال الآخرين، الذين يتوجهون إلى واحدة من 4 خيام. فحص عناصر الجيش بطاقات هوية كل من الرجال والصبية وقارنوها بقوائم أشخاص مطلوبين من قبل جهات حكومية عراقية مختلفة، للاشتباه بالانتماء إلى داعش.

واكدت هيومان رايتس ووتش ان هذه عملية متكررة تواجه جميع الرجال والصبية الفارين من النزاع الحالي عادة لدى موقع الفحص الأمني الأول الذي يفدون عليه، وأحيانًا تتكرر العملية في مواقع أخرى عدة على حد قول عشرات الرجال الفارين، الذين اشاروا الى أن 8 رجال على الأقل ممن فُحصوا معهم احتُجزوا بعد فحص بطاقات الهوية. واوضحوا قائلين "جاء 4 رجال ملثمين وأشاروا إلى عدد قليل منهم، وأُخذوا بعيداً وقال الرجال إن نحو 7 رجال آخرين قد أُخذوا، دون إبداء عناصر الجيش أو الحشد الشعبي أي تفسير. &

تشكيلات النوادر

وفي العاشر من الشهر الماضي، قال جندي من الفرقة التاسعة المسؤولة عن موقع الفحص لـهيومن رايتس ووتش إنه متمركز هناك منذ عدة أسابيع وإن كل ليلة يحضر مقاتلو الحشد الشعبي المحليون، المعروفون بمسمى "تشكيلات النوادر" بقيادة عبد الرحيم الشمري، ويحتجزون جماعات من الرجال غير المدرجين في "قوائم المطلوبين" الخاصة بالسلطات.&

وأكد مقاتل من تشكيلات النوادر في الموقع أن قواته تحتجز رجالاً كل ليلة لأنهم واثقون أن هؤلاء الرجال ينتمون إلى داعش لكنه لم يكشف عما يحدث للمحتجزين. وهناك رجل مرّ بموقع الفحص أشار إلى الحشد الشعبي هناك بمسمى "حشد نمرود" وأشار آخر إليه بمسمى "حشد نينوى"، وهما مجموعتان محليتان مختلفتان عن الحشد الشعبي.

رجال قرية نزارة&

واشارت هيومن رايتس ووتش الى انها قابلت 3 رجال من قرية نزارة التي يسميها سكانها "نزازة"، 40 كيلومترًا إلى الغرب من الموصل. وقالوا جميعًا إن حوالي الساعة 7 صباح 4 نوفمبر الماضي غادر 5 رجال آخرين من القرية – التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش حينها – لبيع الخراف في سوق في تل عبطة ، 30 كيلومترًا إلى الجنوب، وتخضع بدورها لداعش. وقال أحدهم انه من أجريت معهم مقابلات إن رجلين من الخمسة شقيقاه، وإنه رآهما يغادران القرية ذلك الصباح.

وقال رجلان ممن أجريت معهم المقابلات إنه بعد ساعات قليلة، سيطر أكثر من 100 مقاتل من مليشيا "بدر"، وهي من أبرز الجماعات في الحشد الشعبي، على نزارة، ونقلوا جميع السكان قسرًا بالحافلات، وهم نحو 260 عائلة، إلى قرية جرن، 25 كيلومترًا إلى الشرق. وقد تعرفوا على مقاتلي بدر من شاراتهم وراياتهم، وما إن بلغوا جرن، حتى فحص الحشد الشعبي بطاقات الرجال وأخلى سبيل الجميع. مكثوا في جرن 15 يومًا، مع إمدادهم بالطعام والمشروبات والمأوى، ثم نُقلوا بالحافلات إلى مخيمات لاجئين.

لم ينضم الرجال الخمسة الذين ذهبوا إلى تل عبطة إلى أقاربهم في جرن، على حد قول الرجال الذين أجريت معهم المقابلات. إنما – بعد نحو 10 أيام – رأوهم على شاشة قناة "الولاء"، التابعة لجماعة بدر. نصّت الكلمات المصاحبة للصورة على أنهم مقاتلون من داعش في حيازة كتيبة بدر الثالثة .. وقال الرجال إن أسر المحتجزين حاولت معرفة أماكنهم عن طريق التفاوض بتدخل قيادات عشائرية لكن لم يتبينوا المزيد عنهم.

دعوة الحكومة لاعلان اسماء وأعداد المحتجزين

ودعت منظمة هيومان رايتس ووتش السلطات العراقية الى ضمان عدم تنفيذ أية جماعة أعمال فحص دون سلطة قانونية وإخطار الأهالي بمكان أي شخص تحتجزه، وأن تسمح لهم بالتواصل مع المحتجزين& مع ضمان مثول أي محتجز أمام قاضٍ في ظرف 48 ساعة من توقيفه، امتثالاً للقانون العراقي. كما طالبت السلطات بأن تعلن وتحدّث أعداد المحتجزين، ومن أين ينحدرون، وأماكن احتجازهم.

وقالت فقيه "يبدو أن بعض الرجال يختفون حتى بعد تأكيد الفحص الرسمي من قبل قوات الأمن العراقية رغم أنهم ليسوا على قوائم المطلوبين، ومن المهم للغاية أن تأخذ السلطات جميع التدابير لضمان إعلان أماكن احتجازهم ولضمان وجود توثيق لأعداد المحتجزين".

يذكر أن القوات العراقية المشتركة وبمساندة طيران الجيش والتحالف الدولي تواصل منذ 17 اكتوبر الماضي عملية استعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش، وهي ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، وأكبر مدينة تقع حاليًا في قبضة التنظيم في العراق، وكانت أولى المدن التي سيطر عليها التنظيم في صيف عام 2014 قبل أن يجتاح شمال البلاد وغربها. &