«إيلاف» من الدار البيضاء: استحضر محمد الأشعري، الكاتب والشاعر المغربي ، ووزير الثقافة السابق، محمد نوبير الأموي، الزعيم النقابي المعروف، ضمن روايته الجديدة "ثلاث ليال"، التي قدمها مساء أمس في المعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء، في دورته الثالثة والعشرين، والمقام تحت رعاية الملك محمد السادس.

وقال الأشعري، الذي كان يتحدث ضمن فقرة "في حضرة كتاب"، إنه يعتبر محاكمة الأموي نقطة تحول أساسية في تاريخ المغرب السياسي المعاصر، ولذلك استحضرها في الرواية.

في أحد الفصول، يكتب الأشعري على لسان أحد أبطال الرواية، بأسلوبه الذي لا يخلو من المسحة الشعرية:

"انخرطت في الحزب،غداة المحاكمة الكبرى لنوبير الأموي، التي انطلقت وقائعها يوم 8 أبريل 1992 في الرباط.كان ذلك الحدث مشهدا قياميا، ذهبت إليه من باب الفضول والتعاطف التلقائي، مع مناضل ليتوقف منذ بداية الستينيات عن خوض المعارك، الواحدة تلو الأخرى ضد استبداد النظام، وضد استبداد القيادات النقابية،وضد جمود الحركة السياسية".

ولا يفوت الأشعري في عمله الروائي الجديد أن يعمد إلى استرجاع أجواء تلك المحاكمة:"كانت الجلسة الأولى ماراتونا شكليا من الملاسنات المسطرية, ثم توقفت طويلا عند كلمة "مانكانطيس" الإسبانية التيوصف بها الأموي في حواره مع جريدة "البايس" أعضاء الحكومة.

كان رئيس المحكمة يسأل الأموي عن المعنى الذي يقصده بالكلمة، فيجيب الأموي إنها من وضع الصحافي، وهو لا يعرف معناها على وجه التدقيق، ولكنه كان يجيب عن سؤال يتعلق بالحكومة، فلم يتردد في التأكيد على أنها حكومة تبذر المال، ويغتني أعضاؤها على حساب الشعب، وتهضم حقوق الفقراء..إذا كانت "مانكانطيس"تعني ذلك، فقد أصاب الصحافي في ترجمة جوابي، وإذا كانت لا تعني ذلك، فقد أخطأوأنا لست مسؤولا عن أخطائه، وعلى كل حال فإنني لا أعرف الإسبانية ولم استعمل هذه الكلمة على وجه التحديد".

الزمن المغربي

اللقاء مع الأشعري ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، كان احتفائيا بإصداره الروائي الجديد، وقد تولى تقديمه لجمهور الحاضرين، وأغلبهم ينتمي إلى عالم الفن والإعلام والإبداع. الشاعر رشيد المومني ذكر أن هذه الرواية تضاف إلى المسار السردي للكاتب المحتفى به، بعد "يوم صعب"، وجنوب الروح"،و"القوس والفراشة"،و"علبة الأسماء".

وأصر المومني على "تحاشي التلخيص" على أساس أنه "يجهض" أهم ما في العمل الإبداعي الروائي،مكتفيا بالإشارة إلى أن النص السردي ل"ثلاث ليال" يتمحور أساسا حول الزمن المغربي، وقال المتحدث ذاته إن الأشعري مفتون بهذا الزمن،حيث يحضر الواقع في مختلف تجلياته،بعنفه وصخبه.

السلطة والمرأة

و"ثلاث ليال"،كما حكاها الأشعري،تدور حول العلاقة بين الأزمنة، وكل ليلة بمثابة زمن،انطلاقا من زمن الباشا الكلاوي، الذي عاش،"حتى رأى سلطته تمتد من مراكش، حتى تخوم الصحراء، وحتى فاضت شهوته للبذخ والرفاه عن قدراته المالية، فضاعف الجبايات،واقترض من البنوك الأجنبية، ودخل مع الفرنسيين ومع العرش في مماحكات أقضت مضجعه".

والزمن الثاني هو ما سمي "سنوات الرصاص" أما الزمن الثالث فهو العهد الجديد، وما شهده من انتقالات وتحولات، وقد أكد الأشعري أن الخيط الرابط بين هذه الليالي الثلاث، أو الأزمنة الثلاث، هو كيف عاشت المرأة على امتداد تلك الفترات.

وقال الأشعري إن الفكرة التي شغلته في الكتابة،ترتبط بعلاقة السلطة مع المرأة،موضحا أن مقياس جبروتها هو مدى سيطرتها على النساء،حين يصبح الحريم عنصر قوة، ونرى تداعيات هذا الواقع من خلالتماهي شهوة السلطة مع شهوة المرأة.

وتأسيسا على هذا المعطى، لاحظ الأشعري أنه حتى بالنسبة للمنظمات الإرهابية، فإن العنصر الأساس في إستراتيجيتها هو السيطرة على المرأة، وأعطى المثال على ذلك بنموذج ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية"داعش".

توافق الأزمنة

ان هذه الرواية التي تجسد في الجزء الثاني "عدم توافق الأزمنة في المغرب"، على حد تعبير كاتبها، غنية بالحكايات، والتحولات المجتمعية، وتحفل بالكثير من القصص حول الاعتقال السياسي، والنخبةاليسارية،ومصائر بعض النسوة، أمثال نعيمة ورحيمو وغيرهما.

وفي الجزء الأخير من الرواية، استعمل الراوي ما سماه ب"تقنية السينما التسجيلية" في "تسجيل اللحظات داخل نادي الكرة الحديدية في الرباط ،"الذي انتهى تماما أمام زحف من يسمونهم ب"الشاربان"، قياسا ساخرا على زحف "الطالبان" في مكان آخر". 

ونفى الأشعري ، الذي صدرت له من قبل، عدة دواوين شعرية، مثل "سيرة المطر"، و"صهيل الخيل الجريحة"، أن يكون قد تخلى عن كتابة الشعر وانصرف إلى السرد فقط، مشيرا إلى صدور ديوان جديد له، بتزامن مع روايته"ثلاث ليال".