باتت قضية وفاة عميد الصحافة الاستقصائية محمد العبسي قضية رأي عام في اليمن، لا سيما بعد ان أفضت التحقيقات والفحوصات الطبية إلى ان الوفاة كانت بسبب التسمم والاختناق، فيما تبرز اتهامات لجماعة الحوثي بالوقوف خلف اغتياله.

إيلاف من عدن: رغم مرور نحو شهرين على رحيله، الا ان الغموض لا يزال يكتنف ملابسات وفاة عميد الصحافة الاستقصائية في اليمن محمـد العبسي، الذي توفي في 20 ديسمبر من العام الماضي في العاصمة اليمنية صنعاء، والتي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي وصالح.

واكدت التحقيقات والفحوصات النهائية للطب الشرعي أن الصحافي اليمني محمد العبسي تُوفي مسموماً ومختنقاً بغاز أول اكسيد الكربون.

وجاءت هذه التحقيقات والفحوصات بجهد مشترك من فريق المتابعة الخاص بقضية وفاة الصحافي محمد العبسي المكون من أسرة الفقيد العبسي، ونقابة الصحافيين اليمنيين، ومنظمة مواطنة لحقوق الإنسان، ومؤسسة برسنت لبحوث الرأي، ومركز صنعاء للدراسات.

وبحسب بيان صحافي لفريق المتابعة – اطلعت عليه إيلاف - خلصت نتيجة الفحص المخبري وتقرير الطبيب الشرعي إلى "أن وفاة الصحافي محمد عبده العبسي، 35 سنة، كانت بسبب التسمم والاختناق بغاز أول اكسيد الكربون، حيث وجدت مادة (الكاربوكسي هيموغلوبين) في الدم بنسبة تشبع 65 %، والتي تعتبر قاتلة".

إجراءات القضية&

واستعرض فريق المتابعة في بيانه السياق العام لسير إجراءات قضية وفاة الصحافي العبسي أمام الرأي العام قائلًا: "توفي الصحافي العبسي بشكل مفاجئ يوم الثلاثاء الموافق 20 ديسمبر 2016، ونظراً للدور الاستثنائي الذي كان يقوم به في مقارعة الفساد تولدت شكوك حقيقية حول الوفاة وأسبابها، وبعد مشاورات بين الأسرة وعدد من أصدقاء وزملاء الفقيد تم تأجيل عملية الدفن، وتشكيل فريق لمتابعة القضية، وبدأ فريق المتابعة بإجراءات طلب تشريح الجثمان لمعرفة أسباب الوفاة، وذلك بالتواصل مع النيابة العامة، وتم بناء على ذلك اختيار طبيب شرعي مستقل من قبل الأسرة والفريق، وتكليفه من قبل النيابة العامة من أجل استكمال كافة الإجراءات القانونية للتشريح وأخذ العينات المطلوبة للفحص، ونتيجة لعدم وجود الأجهزة والمواد اللازمة للفحص في اليمن، استدعى ذلك نقل عينات من جثمان الفقيد إلى مركز متخصص في الخارج، وهو ما اضطر الفريق إلى نقل العينة إلى مدينة عدن ومنها إلى العاصمة الأردنية عمان بعد حفظها وتبريدها".

وبناء على هذه النتيجة دعت أسرة الصحافي العبسي ونقابة الصحافيين وبقية فريق المتابعة المساند، النيابة العامة البدء بتحقيق شفاف حول ملابسات الوفاة، بما يكفل معرفة كافة الأسباب والظروف المحيطة بها.

ردود فعل&

وأصدرت نقابة الصحافيين اليمنيين بيانًا طالبت فيه بتحقيق جاد وشفاف في ملابسات وفاة الصحافي العبسي، وطالبت بإشراك طبيب شرعي يمثل النقابة وأسرة الفقيد في عملية تشريح الجثمان، كما ناشدت كافة الجهات إلی عدم الإضرار بعملية التحقيق من خلال استباق التحقيقات والتي قد تعود بنتائج عكسية.

فيما لمح وكيل أول نقابة الصحافيين اليمنيين سعيد ثابت الى احتمال &تعرض العبسي للاغتيال، قائلا إن "أي تشريح لجثمان الفقيد محمد عبده العبسي يقوم به النائب العام المعين من الميليشيات الانقلابية لا يعتد بنتائجه".

وكشف الإعلامي اليمني محمد الربع عن تفاصيل مهمة تتعلق بالتحقيق الاستقصائي الذي كان يعمل الفقيد العبسي على إعداده عن الفساد النفطي والمتاجرة به في السوق السوداء، وبحسب ما ينقله الربع في صفحته في الفيسبوك عن الفقيد العبسي فإن ثلاث شركات كبرى تتبع نافذين في جماعة الحوثي هي من تحتكر استيراد النفط ، وهذه الشركات هي شركة "يمن لايف" وتتبع الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام، ويديرها شقيقه، وشركة "أويل برايمر "وتتبع تاجر سلاح من صعدة يدعى دغسان محمد، والثالثة &شركة "الذهب الأسود" وتتبع لعلي قرشة عضو لجنة الوساطة خلال الحرب الخامسة بين الحكومة وجماعة الحوثي.

شكوك تتحول الى يقين&

إلى ذلك، قال امين عام نقابة الصحافيين اليمنيين محمد شبيطه إن النقابة اهتمت بقضية وفاة الصحافي محمد العبسي منذ بدايتها، مشيرا الى أن النقابة عملت على متابعة سلطات الامر الواقع في صنعاء لمعرفة اسباب الوفاة وتداعياتها، موضحا أن ما يعزز الشكوك هو أن ابن عم محمـد الذي تناول معه وجبة العشاء الأخيرة ، نقل أيضًا إلى المستشفى بعد تعرضه لحالة إغماء شديدة.

ولفت شبيطة لـ"ايلاف" إلى أن اعضاء النقابة وأسرة العبسي ومنظمات حقوقية راودتهم الشكوك حول وفاته، وهو الامر الذي دعاهم الى تأجيل دفنه والمطالبة بتحقيق شفاف لمعرفة أسباب الوفاة.&

وأوضح أن فريق المتابعة الخاص سيرفع القضية للنيابة العامة خلال الايام القادمة لتأخذ العدالة مجراها، خاصة بعد أن وصلت نتائج تحليل عينات الدم التي فحصها في الأردن، وتسليمها في ظرف مختوم ومغلق إلى يد فريق المتابعة ، الذي بدوره نقلها مختومة ومغلقة إلى صنعاء يوم 29 يناير الماضي، وسلّمها إلى الطبيب الشرعي.

وضع صعب

وامتدح شبيطة زميله الصحافي الراحل، قائلا: "لقد كان الفقيد العبسي من أروع الصحافيين اليمنيين، وعملنا معًا في البداية في صحيفة الثورة الحكومية اليومية الصادرة في صنعاء وكان ذلك في الاعوام 2004- 2005، لكنه نشط واشتهر اكثر لاحقا في الصحافة الاهلية من خلال تخصصه بالصحافة الاستقصائية وخاصة في متابعة قضايا الفساد في مجالات النفط والغاز، وكشف الكثير من ملفات الفساد المالي والإداري وخاصة &منذ العام 2010 وما يليه، وكان له الدور الشجاع والاستثنائي في مقارعة الفساد ونضاله من أجل العدالة والحقيقة".

وثمن امين عام نقابة الصحافيين التجاوب والدعم الدولي الذي أبداه عدد من المنظمات الصحافية والحقوقية مع قضية الصحافي العبسي، موضحًا ان كلا من منظمات صحفيون بلا حدود واليونسكو والاتحاد الدولي للصحافيين كانت في مقدمة المنظمات التي أكدت إجراء تحقيق شفاف ومهني &في قضية وفاة الصحافي العبسي.

وأشار شبيطه الى أن الوضع الصحافي في اليمن يعيش وضعًا استثنائيًا وصعبًا منذ سبتمبر 2014، قائلًا إنه لا يوجد رأي عام وخاصة في المحافظات الشمالية (المحافظات التي يسيطر عيها الحوثيون)، كما ان الوسائل الاعلامية في تلك المحافظات مغلقة، واغلب الصحافيين اما &في السجون او في منازلهم بدون عمل.
&