تعرّضت العائلات من أصل ياباني بعد العدوان الياباني على ميناء "بيرل هاربر" الأميركي إلى مظلمة كبيرة، فقد تم تهجير الكثير منها نحو مناطق بعيدة عن المدن الآهلة بالسكان بحجة عدم الولاء. ولمنع توثيق ما جرى، صادر الجيش الأميركي كل الأسلحة، أجهزة الراديو والكاميرات التي كانت بحوزة مَن تم ترحيلهم.


أشرف أبوجلالة: بعد ذلك الهجوم المباغت الذي شنته طائرات يابانية على ميناء "بيرل هاربر" الأميركي في العام 1941، ورواج شائعات في ذلك الوقت عن احتمال حدوث غزو وشيك لساحل الولايات المتحدة في المحيط الهادئ، وقَّع الرئيس الأميركي الراحل، فرانك روزفيلت، على أمر تنفيذي رقم 9066 لتمهيد الأجواء لإتمام أكبر عملية ترحيل قسري في تاريخ الولايات المتحدة، حيث طلبت واشنطن وقتها من أكثر من 110 آلاف شخص ذوي أصول يابانية – أجانب ومواطنبن على حد سواء – بأن يخلوا الساحل الغربي ويتجهوا إلى الداخل صوب 10 من "مراكز إعادة التوطين" المنتشرة في مناطق نائية من البلاد، بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان وصناعة الحرب.
&

قام أنسيل آدمز عام 1943 بتوثيق الحياة اليومية للمعتقلين في مركز مانزانار بولاية كاليفورنيا (يسار ). ويقوم كيفن ميازاكي خلال السنوات الأخيرة بزيارة مباني المركز التي كانت تستخدم في السابق كثكنات. وقام بتصوير تلك الكرات المستخدمة بداخل واحدة من تلك البنايات.

ولمنع أي محاولات تخريبية، صادر الجيش الأميركي كل الأسلحة، أجهزة الراديو والكاميرات التي كانت بحوزة هؤلاء الأشخاص الذين تم ترحيلهم.

ونقلت بهذا الخصوص مجلة "ناشيونال جيوجرافيك" عن كيفن ميازاكي، وهو مصور كان يبلغ والده من العمر 13 عاماً حين تم ترحيله هو وأسرته إلى أحد معسكرات الاعتقال، قوله "أسفرت عملية المصادرة عن حدوث فجوة في ألبوم صور العائلات اليابانية الأميركية. وأعتقد أن كل ما لدينا هو 4 صور فقط لأفراد عائلتنا خلال تلك الحقبة الزمنية".

كتب آدمز أن المعتقلين الذين صورهم في مركز مانزانار تمكنوا من بناء مجتمع حيوي في بيئة قاحلة لكن رائعة. لكن ميازاكي أوضح أن تلك الثكنات ذات الطابع العسكري لم توفر أي خصوصية، الأمر الذي كان له أثره السلبي على الزيجات والحياة الأسرية.

وقال لين ريو هيراباياشي، أستاذ الدراسات الأميركية الآسيوية في جامعة كاليفورنيا بلوس أنغلوس، إن الحظر الذي تم فرضه على الكاميرات لم يكن السبب الوحيد لندرة صور العائلات اليابانية، بل تسببت أيضاً الغارات التي شنها مكتب التحقيقات الفيدرالي عقب هجوم "بيرل هاربر" في تدمير تذكارات وألبومات صور الكثير من العائلات، حيث كان يُنظَر لتلك الصور باعتبارها دليلاً على عدم الولاء لأميركا.

المخزن التعاوني الخاص بمعسكر الاعتقال في مانزانار كان مكتظاً على عوارضه الخشبية بالمؤن. وها هي تلك العوارض الموجودة في احدى بنايات المخيم، التي أعيد توظيفها، تُستَخدَم الآن في أغراض التخزين.

وقام ميازاكي في 2007 بزيارة لمدينة توليليك شمال كاليفورنيا، وهي المدينة التي كان يوجد بها واحد من معسكري اعتقال احتجزت فيه أسرة والده، وقد علم لدى وصوله إلى هناك، أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية، تم تحويل ثكنات المعسكر إلى برنامج حكومي للتوطين، وتم توزيعها على الجنود العائدين، الذين قاموا بتعديلها لتصلح كمنازل، حظائر ومبانٍ ملحقة، ومازال بعضها مستخدماً لليوم.

ويواصل ميازاكي التقاط صور لتلك المباني التي كانت تستخدم كثكنات في السابق على أمل استرداد بعض من آثار ماضيه المفقود، منذ أن نمت إلى علمه تلك الحقائق.

كان المعتقلون يتجمعون حول النار في صبيحة أيام فصل الخريف الباردة داخل معسكر مانزانار. وتحولت الآن احدى الجدران في تلك الثكنات السابقة إلى مكان خاص بتجميع القبعات وغيرها من الأمتعة التي تظهر بوضوح آثار الأجواء الجافة والمتربة.

يقول: "اهتممت في غضون ذلك بالبحث عن المباني والتواصل مع أصحابها، فأنا ألهث وراء تاريخ العائلات، سواء عائلتي أو عائلات المالكين الحاليين".

ولفتت "ناشيونال جيوجرافيك" في السياق عينه إلى مصور آخر يدعى أنسيل آدمز، استطاع بمجموعة من الصور التي التقطها خلال تلك الفترة أن يلقي الضوء على ذلك الفصل المظلم في تاريخ الولايات المتحدة.

كان آدمز يشعر بالغضب نتيجة المعاملة غير العادلة التي كان يلقاها الأميركيون ذوو الأصول اليابانية، لكنّ منتقدين يرون أن صوره المبتهجة جاءت لتُحَلِّي حقائق السجن. واليوم تمتلك الطيور حريتها التي تسمح لها ببناء أعشاشها في احدى البنايات التي أضحت اليوم حظيرة بعد أن كانت من الثكنات الخاصة بالمعتقلين في السابق.

فقد سبق أن دعي ذلك المصور الشهير المتخصص في التقاط صور للمناظر الطبيعية عام 1943 لتوثيق الحياة اليومية للمعتقلين في مركز "مانزانار" الخاصة بإعادة التوطين إبان الحرب شرق كاليفورنيا.

ونوهت المجلة لما كتبه آدمز لاحقاً في ما يتعلق بهذا الأمر، حيث قال: "كان الغرض من تلك الصور التي التقطتها هو إظهار الطريقة التي نجح من خلالها هؤلاء الأشخاص - الذين يعانون تحت وطأة الظلم الكبير وفقدان الممتلكات والأعمال والمهن – في تجاوز الشعور بالهزيمة واليأس وبناء مجتمع حيوي في بيئة قاحلة لكن رائعة".

صورة لروبرت يونيميتسو الذي سبق له أن خدم في الجيش الأميركي رغم اعتقال أسرته في مانزانار. وتشهد مجموعة الخدوش الموجودة على حائط احدى البنايات السابقة بالمعسكر، وتمتلكها الآن احدى الأسر المزارعة، كيف كان يقضي المعتقلون أوقاتًا سعيدة هناك.
لم يُسمَح لآدمز بتصوير السلك الشائك في مانزانار أو برج الحراسة، الذي التقط منه تلك الصورة. وقام ميازاكي بتصور ذلك المبني في معسكر اعتقال كان موجوداً بمدينة توليليك في كاليفورنيا، حيث كان يتم احتجاز عائلة والده، وعلّق ميازاكي على ذلك بقوله "ربما كان ذلك المبنى من المباني التي سبق لعائلتي أن عاشت بداخله".

&