إيلاف من واشنطن: لا يبدو أن الفوضى التي ميزت الأسابيع الأولى من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتجه نحو الانحسار. لا بل على العكس من ذلك، لا يستبشر المسؤولون الأميركيون خيرا لدى توقع ما ستؤول إليه السياسة الخارجية لبلادهم، خصوصا حيال الملفات الشائكة في الشرق الأوسط.
&
وفي تصريحاته غير المسبوقة، لا يخفي قائد العمليات الخاصة الأميركية الجنرال توني توماس قلقه من المصير الذي ينتظر عمليات بلاده في الخارج. ويبين توماس أن السلطات العليا في واشنطن عاجزة عن إصدار التوجيهات المناسبة لقيادة العمليات الأميركية في الخارج، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي يعرض عمله للخطر.
&
ويتداول مسؤولون أميركيون وقدامى "الكابيتول هيل" الانتقادات فيما بينهم لما آلت إليه الحال في عهد الإدارة الأميركية الجديدة.
&
في الكابيتول هيل، حتى الجمهوريون المحافظون يحذرون بأنهم سيقاومون محاولات الإدارة لتعزيز السياسات التي لا يوافقون عليها في الشرق الأوسط.&
&
تجربة المجرب !
&
ومع تصريحات الرئيس ترامب أمس أن إدارته لم تعد متشبثة بحل "الدولتين" في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، عبّر الأعضاء اليهود في الكونغرس بغضب عن اعتراضهم على هذا التغيير.&
&
وسخر الخبراء من فكرة أنّ ما يسمّى بإستراتيجية "من الداخل إلى الخارج" التي تسعى إلى إشراك الدول العربية في عملية السلام، وبالتالي حثّ إسرائيل على تقديم تنازلات إلى الفلسطينيين، قد تمّت تجربتها مسبقاً وتبّين أنّها غير فعّالة.
&
ويقول خبراء أميركيون في الشرق الأوسط إنّ الدول العربية مثل السعودية، لا تملك مجالا للمناورة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. ووفقاً لأحد المطّلعين على الأمور الإدارية "فسكان هذه البلدان لن يؤيدوا مطلقاً ما يعتبرونه خيانة للفلسطينيين، فدعمهم للفلسطينيين- فلنكن صريحين - وكرههم للإسرائيليين، كبير جداً."
&
التقديرات تشير إلى أن المشكلات في الإدارة الأميركية كانت تختمر حتى قبل الاستقالة القسرية لمايكل فلين من منصب مستشار الأمن القومي لترامب. أما الأمر التنفيذي الذي يحظر دخول اللاجئين من سبع دول مسلمة إلى الولايات المتحدة فقد أثار بعض الذهول ولو انه كان متوقعا.
&
فتفاجأ موظفو وزارة الخارجية المخضرمين بعدما اكتشفوا أن وزارة الأمن الداخلي اتخذت دوراً قيادياً في التعامل مع قضية اللاجئين، بالرغم من عدم امتلاكها أي خبرة في هذا المجال".&
&
وفي هذا السياق علّق مسؤول ساخط في وزارة الخارجية قائلاً: "إنّ الفكرة اللامعة بتوكيل الأمر إليهم كانت من اقتراح موظف سابق في مجلس الشيوخ يبلغ من العمر 30 سنة. وقد كان يجهل تماما أن كل الخبرات والتجارب تكمن في وزارة الخارجية."&
&
وعلاوة على ذلك، اشتكى هذا المسؤول من أن الإدارة على ما يبدو لم تكن تملك أدنى فكرة عن أن اللاجئين يتمّ فحصهم بعناية فائقة بموجب الإجراءات القائمة.&
&
"كذبة واحدة تكفي"
&
وأضاف أنّ قبول طلب اللجوء يستغرق بين 18 و24 شهرا قبل أن يتمكن اللاجئ من ركوب طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة". خلال تلك الفترة، يخضع المتقدم بطلب اللجوء إلى ما لا يقل عن ثلاث مقابلات شخصية، بما في ذلك مقابلة مع مسؤول في وزارة الخارجية وأخرى مع مسؤول في وزارة الأمن الداخلي، قبل أن يُسمح له بالدخول إلى الولايات المتحدة. في هذا السياق يقول مسؤول في دائرة الخارجية إن السلطات تنظر الى المتقدم بطلب للجوء الى الولايات المتحدة على أنه "مذنب حتى يثبت العكس". يضيف المسؤول: "في حال ثبت أنه قدم اي معطى غير دقيق او كذب كذبة واحدة عن خلفيّته، يُرفض طلب دخوله فوراً".
&
وارتبك المسؤولون الأميركيون أيضا جرّاء إدراج العراق ضمن الدول الخاضعة لمنع الدخول، وأشار أحدهم قائلاً: "ليس لدينا في أي مكان معلومات أفضل من تلك التي نملكها عن الناس في العراق".
&
وأوضح أنّ هذا يعود إلى العملية الاستخباراتية الواسعة التي أجروها هناك، والتي يعود تاريخها إلى غزو 2003.&
&
وكذلك، خلافاً للدول الأخرى التي طالها الحظر، فالولايات المتحدة لديها علاقات دبلوماسية كاملة مع بغداد، كما أنّ الموظفين الأميركيين هناك يقاتلون جنبا إلى جنب مع العراقيين في المعركة ضد داعش.
&
"وتجدر الملاحظة أيضاً أنّ "ISIS" أصبح الاختصار الرسمي المستخدم للإشارة إلى المسلمين المتشددين الذين تحاربهم الولايات المتحدة، بدلاً من &"ISIL" الذي كان يستخدمه أوباما".&
&
إيران والخط الأحمر&
&
ومن بين الانتقادات الخطيرة الأخرى للسياسات الأميركية التي تؤثر في منطقة الشرق الأوسط، ما يتعلق بموجّة رد فعل الإدارة الأميركية على اختبار إيران لصاروخ باليستي. وكما شرح مسؤول مخضرم، "من خلال توجيه إنذار إلى إيران، فنحن في الواقع، نضع أنفسنا في موقع العجز" كما أنّه توقّع أنّ الاستفزاز المقبل على الأرجح سيجبرهم على التصرف. وبتعبير آخر استخدمه زميل في وزارة الخارجية، "لقد رسمنا طوعاً أو كرهاً خطاً أحمر."
&
ومع ذلك، بعض الإجراءات الإدارية نالت على الأقل ثناء خفيفاً من المحللين المخضرمين. فتراجع ترامب عن وعده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، أو على الأقل تأجيله، يعتبره الخبراء في شؤون الشرق الأوسط أمراً حساساً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحذير الإدارة من تسرّع إسرائيل في توسيع المباني الكبرى في مستوطناتها في الضفة الغربية.
&
"وفي كلتي الحالتين هناك اشتباه بأن ترامب يقدّم خدمة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بما أنّ نقل السفارة الأميركية من تل أبيب لم يكن قط أولوية لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية – كما يقول مصدر مطّلع: "تحليل التكاليف والمنافع، ليس جيداً". وتعرّض نتنياهو لضغط غير مرغوب فيه من حلفائه السياسيين في الجناح الأيمن لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية بشكل كبير، مع أنّه رأى أنها خطوة متهورة تتداخل مع أولوياته الأخرى".
&
وأثنى بعض المطلعين الإداريين بصمت على بعض المسائل الأخرى غير المتعلقة بإسرائيل التي طرحها ترامب. ومن ضمنها تجنب تسمية جماعة الإخوان المسلمين والحرس الثوري الإيراني فوراً بالمنظمات الإرهابية. الأول (أي جماعة الإخوان المسلمين)، على الرغم من أنّها تشكّل عدواً لدوداً لحكومة السيسي في مصر، فهي تتجلى في أماكن أخرى بطرق جذابة لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قطر وتركيا.&
&
أما بالنسبة إلى الحرس الثوري، فهو ضالع في الكثير من الاقتصاد الإيراني، وبالتالي فإنّ مقاطعته، بالكامل، يمكن أن تتسبب في مشكلات لشركائه التجاريين الأوروبيين والآسيويين، الذين منحوا الضوء الأخضر للقيام بأعمال تجارية مع إيران، لا سيما الآن مع وجود الاتفاق النووي.
&
الملف اليمني شائك
&
ومثل إسرائيل، فحلفاء الولايات المتحدة في الخليج يحاولون قياس نوايا إدارة ترامب، نظرا لخطابها المتشدد ضد إيران. وعلى الرغم من رحيل فلين، تبقى شكوك وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، تماماً كالرئيس نفسه، شكوكا عميقة في سلوك إيران.
&
أما خليفة فلين المتوقّع، فهو الأدميرال المتقاعد روبرت هوارد، وهو مقرب من وزير الدفاع جيمس ماتيس. لذلك، يتوقع خبراء في الولايات المتحدة أن يتمّ امتحان عمل هذا الفريق في الأمور المتعلّقة بإيران ونفوذها في اليمن. فهناك، يحارب السعوديون الحوثيين، المدعومين من إيران والمتحالفين مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وهما يسيطران على مرفأين رئيسين في البحر الأحمر.&
&
ومن &الأمور المتفق عليها على نطاق واسع، أن السعوديين يريدون إنهاء الصراع ولكن ليس بشروط تترك خصومهم في السلطة أو حتى في موقف قوي. ولتحقيق هذه الغاية فقد وجهوا ضربات جوية مرارا، وحققوا نجاحاً متواضعاً في البر.&
&
والاعتقاد السائد بين المراقبين السعوديين هو أنهم يريدون الحصول على دعم أكبر من الولايات المتحدة من أجل جهودهم العسكرية. علماً أنّه تمّ إيقاف بعض الذخائر من قبل إدارة أوباما، ويتوقع المسؤولون الأميركيون منهم أن يحاولوا إعادة فتح قناة الأسلحة تلك.