لندن: من يزور سوريا الواقعة تحت سيطرة رئيس النظام السوري بشار الأسد كمن يدخل عالمًا في يوم القيامة، على حد تعبير مجلة شبيغل الألمانية، بعد جولة لها في حلب واللاذقية وحمص.&

فبحسب المجلة، حلب اصبحت رمزًا لحملة القصف الوحشية، بينما اللاذقية، معقل النظام على البحر المتوسط، لم تصلها الحرب عمومًا، وحمص، عاصمة الانتفاضة سابقًا، دُمرت ويُراد لها أن تصبح أنموذجًا لإعادة الإعمار، كما يقول النظام السوري.&

تلاحظ شبيغل أن الصحافيين الذين يزورون سوريا لا يستطيعون التنقل بحرية. ورسميًا، لا يُسمح لهم إلا بزيارة الأماكن التي حصلوا على موافقات مكتوبة من النظام لزيارتها. يُضاف إلى ذلك أن الصحافيين لا يستطيعون أن يقابلوا إلا أشخاصًا مقبولين من النظام، وأي لقاءات أخرى يجب أن تكون سرية. وفي العادة، يكون مع الصحافيين مرافقون عيّنتهم الحكومة.

هناك مرافق واحد للصحافيين الأجانب في حلب. ويعني هذا أن من الممكن في العادة التحدث مع السكان بعيدًا عن عيون النظام. لكن في اللاذقية ترافق الصحافيين حراسة عسكرية. وهناك مرافقان فقط في حمص. لكن حتى حين لا يكون المرافقون حاضرين، ليس من السهل دائمًا أن يعرف الصحافي إذا كان السوريون يقولون حقًا ما يعتقدون، أم أن اقوالهم تأتي مصاغة بدافع الخوف.

ومن البديهي أن يريد النظام أن يوحي للزائر أن الأسد وحده القادر على توحيد البلد من جديد. لكن، ما موقف السوريين؟ وما العقبات التي تعترض طريق المصالحة وإعادة البناء؟ أليس الأسد نفسه العقبة الكأداء؟&

حلب

كانت أغلبية مقاتلي المعارضة الذين سيطروا على أجزاء من حلب من المناطق المحيطة بالمدينة، وينتمون إلى فصائل مختلفة، بعضها معتدل وبعضها الآخر متطرف. وكانت مجموعات عديدة تزداد تطرفًا بمرور الوقت.&

يقول الجزار احمد طوبال إن المقاتلين الاسلاميين الذين سيطروا على منطقته سرعان ما منعوا الكحول والسجائر. واضاف أن المنع لم يسبب له مشكلة لأنه اصلًا متدين، لكن عندما حضر قائدهم في المنطقة لأداء صلاة الجمعة وبيده كلاشنكوف، أصبح الوضع لا يُطاق بالنسبة لطوبال. وتوقف عن الصلاة في المسجد ومنع اطفاله من الذهاب إلى المدرسة خوفًا من أن يغسل الاسلاميون ادمغتهم.&

وفيما كان طوبال واربعة آخرون يدفئون انفسهم حول برميل اشعلوا فيه قطعًا من الخشب، تقدم نحوهم رجل قصير كان يبتسم، ثم بدأ يبكي. وقال احد الرجال: "هذا محمد. أُصيب بالجنون نتيجة غارات القصف".&

يبكي الرجل ويضحك ثم يبكي مرة أخرى ويمضي مختفيًا بين الأنقاض المظلمة.&

شوارع حلب الشرقية التي كانت تحت سيطرة المعارضة مقطعة الأوصال بالأنقاض، وكل شيء مفروش بطبقة من الرماد والغبار. وأحيانًا، يمكن رؤية اشخاص يقفون في الشوارع، ضائعين، صامتين، ساهمين، حزينين: إنهم الناجون الذين يعيشون الآن بلا هدف.&

التاريخ يكتبه المنتصرون، والآن جميع من في الحي الذي يسكنه طوبال يقولون إنهم لم يكونوا راضين عن مقاتلي المعارضة، ومن لديه رأي مختلف يلتزم جانب الصمت أو لم يعد إلى المدينة ليحكي قصصه.

قرر نظام الأسد منذ البداية أنه لا يستطيع البقاء إلا باستخدام العنف إلى نهاياته القصوى. ويمكن رؤية النتيجة: مئات الآلاف من الضحايا المدنيين. وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، قتل 13 الف سوري في اعدامات جماعية في سجن صيدنايا قرب دمشق، حيث يمارس التعذيب والاغتصاب بصورة منهجية. كما قرر النظام أن التدمير لا المصالحة هو الطريق إلى النصر، وليحقق الأسد هيمنته العسكرية بمساعدة حلفاء اقوياء، على حد تعبير مجلة شبيغل. &

اللاذقية

تستغرق رحلة مراسل شبيغل إلى اللاذقية خمس ساعات، على الرغم من انها لا تبعد إلا 144 كيلومترًا، لكنها رحلة إلى عالم آخر، كما يقول المراسل، مشيرًا إلى أن الطريق الوحيد الذي يربط حلب بمناطق سوريا الأخرى الواقعة تحت سيطرة النظام مزدحم بالحافلات والسيارات والعربات المصفحة، فيما يتربص المسلحون الاسلاميون على مسافة ليست بعيدة. ويمر الطريق بقرى مهجورة مدمرة، وتحف بالطريق عربات عسكرية محروقة، فيما تنتشر في التربة الجرداء قذائف غير منفجرة. وأقام جيش النظام تحصينات من الصخور الكبيرة ومعادن الخردة على قمم التلال القريبة من الطريق.&

تقع اللاذقية وراء الجبال الساحلية. هناك، ظلت الاوضاع كما كانت في الأساس. فعلى امتداد الكورنيش، يرمي رجال يمارسون هواية الصيد صناراتهم في البحر كما يفعلون في كل صباح. وطُليت البيوت حديثًا، وازدحمت المتاجر، ومدد المسؤولون المحليون ساعات عمل المتاجر بدعوى مراعاة الزوار القادمين من حلب الذين يفضلون التسوق في ساعة متأخرة من الليل.&

يتولى الروس حماية اللاذقية بوصفها أهم ميناء سوري معروف بشواطئه وفنادقه الفخمة، ولديهم قاعدة جوية في المدينة منذ عام 2015. هناك فقر مدقع وثراء فاحش في اللاذقية، فيما تسيطر عائلة الأسد على اقتصاد المدينة وطرق التهريب.&

حمص

كانت حمص عاصمة الثورة السورية، إلا أن نحو ثلثي المدينة أرض يباب اليوم. فقوات النظام قصفت احياء كاملة بعنف، كما فعلت في حلب لاحقًا، حيث لم تعد صالحة للسكن بعد أن اصبحت ابنيتها هياكل فارغة. فتهديم هذه الأبنية كان الخيار الوحيد مذكّرًا بمدينة درسدن أو ستالينغراد، اللتين دُمرتا في الحرب العالمية الثانية، كما تشير شبيغل.&ويعتزم النظام إعادة بناء المدينة بمساعدة أحد برامج الأمم المتحدة، يديره غسان جنسيز مع فريق مستشاريه وزوجته المعمارية مروة الصابوني. وتمشي الصابوني (35 عامًا) مخترقة مركز المدينة التاريخي الذي كان ينبض بالحياة، لكنه مقفر الآن وصامت صمت القبور.&

يريد النظام أن تصبح حمص رمز بداية جديدة لسوريا تُبنى على رماد الموتى. لكن حتى الصابوني تشكك في نجاح خطة النظام. وتقول لشبيغل: "المدينة تواجه مشكلات مالية هائلة وكثير من العائلات غادر منذ فترة طويلة وبنى حياة جديدة في أماكن أخرى".

وتلفت الصابوني إلى أن المواطنين يخافون أن يبدأوا شيئًا جديدًا هنا، فكل شيء تحت المراقبة وكل شخص يرتاب في دوافع الآخرين. فحمص رمز، لكن ليس بالمعنى الذي يريده النظام.

يقول السوريون إذا تكررت الكذبة مرات كافية تصبح حقيقة. وجولة في سوريا مع مرافقي نظام الأسد تبين أن آراء الكثير من السوريين تختفي وراء جدار من الخوف، وهي تبين أن نظام الأسد لا يترك مجالًا للمصالحة. وهو لم يترك مجالاً للمواطنين الذين نزلوا إلى الشوارع وثاروا على حكمه الذي يعذب خصومه ويرفض إعطاء مواطنيه حقهم في الحرية، كما تقول شبيغل.&

يبكي كثير من السوريين بحنين على أيام التعايش التي عرفوها منذ قرون، لكن النظام لا يقترح على المعارضة شيئًا أكثر من الخضوع والاستسلام.&

&

أعدّت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف عن مجلة «شبيغل». الأصل منشور على الرابط الآتي:

http://www.spiegel.de/international/world/syria-under-assad-a-divided-country-a-1134904-druck.html

&