الرباط: أرجعت نسبة عالية تجاوزت 70 في المائة من المشاركين المغاربة في استطلاع "إيلاف المغرب" سألهم الموقع عمن يتحمل مسؤولية تراجع القطاع السياحي: هل السياسات الحكومية المتبعة منذ عقود، رغم ما تزخر به البلاد من مقومات طبيعية تؤهلها لتكون مركز جذب واستقطاب للسياح الأجانب طوال العام على اعتبار أن الفصول الأربعة تتجاور في المغرب خلال نفس الفترة؛ أم أن هناك عوامل بنيوية متداخلة تعيق نمو القطاع، وفق ما يتمناه المغاربة حكومة ومواطنين؟

وقد يكون حكم المستجوبين كما تعكسه نتيجة الاستطلاع، متسما بنوع من الشدة، تبين غيرة المغاربة على بلدهم، على الرغم من أن بنية الاستطلاع لا تتيح بذات الوقت تسجيل تحقق في القطاع من إنجازات رغم التعثرات التي اعترضت نموه خلال العقود الماضية؛ وبالتالي فإنه يصعب تحميل مسؤولية التقصير إلى طرف فاعل دون آخر؛ على اعتبار أن السياحة منظومة تشاركية متداخلة، إذا أخل فيها طرف بواجبه، انعكس ذلك على مردودية الأطراف الأخرى.

وغني عن البيان في هذا الصدد أن المغرب اعتبر السياحة، منذ ستينيات القرن الماضي، قطاعا تنمويا استراتيجيا مدرا للدخل، جالبا للاستثمار مساهما في المغربية بثقلها الشغل لذلك القت الدولة بثقلها في خلق الاقتصادي والمالي من أجل إنعاش القطاع وتطويره بل ربما بالغت الحكومات المتوالية، في هذا التفضيل على حساب القطاعات المنتجة الأخرى. وكثيرا ما وجهت لها المعارضة الحزبية نقدا شديدا اعتقادا منها أن المستثمرين الخواص هم الذين استفادوا أكثر بطرق شتى، تبدأ من الاحتيال والغش إلى التملص الضريبي وعدم الامتثال لمتطلبات بنيات وجودة المنتوج السياحي أي أن هاجسهم الربح الشخصي ومراكمة الثروات وليس ازدهار القطاع ورفع قدرته التنافسية.

في نفس السياق ، يشبه المغاربة السياحة بمواسم المطر، قد ينحبس في فترة الجفاف وينهمر خلال فترات الخصوبة ولمدة أطول. كذلك هو النشاط السياحي في المغرب يخضع لنفس القاعدة؛ إذ تختلف المواسم، الواحد يكون أفضل من الأخر، لكن المؤشر العام غالبا ما انحرف عن مساره خلال العقود الخالية إذا ما قورن بالمجهود المبذول وبالظروف والفرص المتاحة.

وإذا صح إلى حد كبير افتراض أن التراخي والإهمال كانا سمة العقود الماضية، فإن العهد الجديد، شدد على أن تصبح السياحة قولا وفعلا إحدى رافعات التنمية الاقتصادية واتخذت في سبيل ذلك إجراءات وتدابير تشجيعية وتفضيلية وتحفيزات كثيرة لا يتسع المقام هنا للتفصيل فيها، جميعها ذات طابع تحفيزي وتشجيعي للفاعلين الأجانب والمغاربة على السواء.

فلماذا لم تحقق السياسات وجهود الدولة كل أهدافها حتى أضطر العاهل المغربي الملك محمد السادس العام الماضي إلى دق ناقوس الانتباه وتوجيها اللوم صراحة وفي مجلس وزاري، لوزير السياحة في حكومة عبد الاله ابن كيران ، المنتهية ولايتها، ما حمل الوزير على الاستقالة، اعترافا منه بالتقصير والقصور الذي قد يكون خارجا عن إرادته دون أن يجرؤ أحد فيما بعد على تشخيص وتقييم موضوعي للسياسات المنتهجة في المجال السياحي لوضع اليد على أسباب اختلالاتها.

ولا ينفرد المشاركون في استطلاع "إيلاف المغرب" ( 17,14% قالوا لا ، و8,57% قالوا انهم لا يدرون)، بتوجيه النقد إلى مخططي السياسة السياحية في المغرب ، فالمحللون الاقتصاديون والمشتغلون بالقطاع يعتقدون أن المغرب يمكنه أن يجني الكثير من الارباح والفوائد المباشرة وغير المباشرة إذا ما احسن تدبير القطاع ، لكنه من وجهة نظرهم لم يعرف كيف يستفيد من المتغيرات السياسية والظرفية الاقتصادية المواتية التي كان يفترض أن تحول بلادهم إلى قبلة دائمة للسياحة بنسبة اقبال مرتفعة ، على غرار الجارة الإسبانية التي قفز عدد زوارها إلى أكثر من 70 مليون خلال العام الماضي ،أي أنها اصبحت منافسة لفرنسا ؛ علما أن البلاد كانت تعاني من آثار انكماش اقتصادي ،تدبر شأنها العام ،حكومة تصريف الأعمال، ما يعني أن النشاط الاقتصادي يسير نفسه ذاتيا إذا رسمت أهدافه بدقة ووضوح.

ويقدم نموذج ازدهار السياحة في إسبانيا حيث اصبحت ثقافة اقتصادية يؤمن بها المواطن العادي والمستثمرون والعاملون في القطاع، يقدم الدليل على أنه ليس من الضروري أن تظل الدولة وحدها مستثمرا رئيسيا ودائما في قطاع السياحة، إنما المفروض أن ينحصر دورها في الرقابة والتقنين ومنع الانزلاقات والانحرافات فضلا عن توفير الأمن والطمأنينة.

وقطعا تقوم الدولة المغربية في هذا الإطار بقسط كبير من واجبها وخاصة فيما يتعلق باستتباب الأمن في كافة الربوع، لكنه من الصعب عليها اقناع الفاعلين والعاملين والسكان، أن السياحة هي ضيافة للأجنبي بمعنى من المعاني، لذا يتوجب إكرام وفادته بتوفير جودة الخدمات وحسن الاستقبال والتوديع، في المطارات والموانئ والمطاعم والفنادق وفضاءات الترفيه التي يرغب في زيارتها.

وتقتضي الموضوعية في هذا السياق، الاشارة إلى أن الدولة باتت شاعرة بمسؤولياتها لذلك تضاعف الجهود لتعميم بنيات الاستقبال السياحي وخاصة ما يتعلق بوسائل النقل المريحة والاتصال السريعة وكذا سبل الولوج إلى المزارات الأثرية النائية.

جدير بالإشارة هنا إلى تطور لافت في مجال السياحة الجبلية أو الريفية التي تنهض بها مقاولات صغيرة، يؤمل أن تكون عامل ازدهار في المستقبل أذا ما توفرت لها المقومات المادية للاستمرار، فليست السياحة في النهاية الكياسة في الاستقبال والابتسام للزائر وإنما هي أيضا صناعة ومهنة لا يمارسها كل من هب ودب.

في هذا السياق ، فإن الدولة المغربية مطالبة بتنظيم أكثر عقلانية للقطاع. وربما من أولى الأوليات الاهتمام بالسياحة الموجهة إلى الفئات المتوسطة وذلك عبر تنويع منتوج سياحي في متناول أوسع الفئات، حتى تحس هذه الشريحة من المستهلكين أنها تدفع مقابلا معقولا لخدمة مستحقة.

يتطلب هذا التوجه الصرامة لمنع كل اساليب والاحتيال على السائح وأن تكون الخدمات متناسبة مع المقابل المالي الذي يدفعه السائح. باختصار نشر ثقافة مغايرة مستفيدة من البلدان والنماذج الناجحة في هذا المجال.

صحيح ان الفقر وتدني مستوى المعيشة وانتشار البطالة في الأوساط الشعبية التي تحتك بها فئات من السياح، تكون السبب في بعض الانحرافات والسلوكيات المشينة.

ليس الردع الأمني كافيا وحده وإنما قناعة الجميع أن السياحة مورد اقتصادي نافع للبلاد والعباد.

وأخيرا فإن نتائج الاستطلاع يجب أن تؤخذ في طابعها النسبي والاستئناسي، فليس الهدف الحكم على القطاع سلبا أو إيجابا، بل قياس مدى تفاعل واهتمام متصفحي موقع " إيلاف المغرب" مع شان اجتماعي حيوي بالنسبة لاقتصاديات بلادهم الناهضة.