موسكو: لم يستغرق انهيار المعارض الروسي إيلدار دادين سوى دقائق بعدما علقه حراس السجن من معصميه بالأغلال وعيناه معصوبتان. 

وتحمل الناشط المناهض للكرملين الحبس الانفرادي والضرب المتواصل ودفع الحراس لرأسه إلى داخل المرحاض في سجن في مكان نائي في شمال غرب روسيا، حسب قوله.

إلا أنه شعر فجأة بأن شيئا بداخله تحطم فقال لوكالة فرانس برس عن مدة 15 شهرا أمضاها خلف القضبان "شعرت بهذا الألم الفظيع وظننت أن أحدا جاء لاغتصابي". وأضاف "أذكر انني شعرت بالانكسار". 

وكان دادين البالغ من العمر 34 عاما الشخص الأول والوحيد الذي يحكم عليه بالسجن لمخالفته قانونا متشددا ضد التظاهر في البلاد.

وسجن في ديسمبر لخروجه في تظاهرات سلمية مناهضة لحكم الرئيس فلاديمير بوتين دون الحصول على ترخيص رسمي. واثارت قضيته جدلا في أوساط المناهضين لحكم الرئيس الروسي. 

وتمكن دادين من إيصال طريقة معاملته في السجن وتعذيبه الى الخارج ما سلط الضوء على الاساءة التي استدعت حتى انتباه الكرملين. وفي قرار مفاجئ الشهر الماضي، أمرت المحكمة العليا في روسيا بالإفراج عنه بعدما خفضت عقوبته.

وعاد دادين منذ عدة أيام إلى شقته الصغيرة في أحد أحياء موسكو محاولا التأقلم مع حياته الجديدة برفقة زوجته آنستازيا التي ارتبط بها في السجن. ورغم المحنة التي عانى منها في معتقله ومحاولات تحطيمه، اصر الحارس السابق على أنه لا ينوي التخلي عن كفاحه ضد الكرملين. 

وقال "عندما كنت في السجن، سألني نزلاء آخرون إن كنت ساستمر وكنت دائما أجيب نعم بحزم". وخلال فترة اعتقاله، تنقل دادين بين عدد من السجون إلا أنه يقول أن الأسوأ كان عندما أرسل إلى معسكر كاريليا على الحدود مع فنلندا. 

ووضع هناك في زنزانة دون اي سبب حيث تم منعه من حقوقه الأساسية. وعندما حاول التقدم بشكوى وأعلن إضرابا عن الطعام احتجاجا على ظروف اعتقاله، يقول إنه تعرض إلى التهديد والتعذيب حتى اضطر إلى التراجع. 

وأوضح دادين الذي تعتبره منظمة العفو الدولية سجين رأي أنه اعتقد في البداية أن سبب استهدافه هو موقفه السياسي، إلا أنه اكتشف أن سوء المعاملة امر شائع بعدما سمع أصوات نزلاء آخرين يتعرضون للضرب. 

وتمكن أخيرا من تهريب إفادة عما يتعرض له بواسطة محاميه. واثار ذلك فضيحة كان وقعها كبيرا عندما نشرتها وسائل إعلام روسية مستقلة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. 

عبرة لغيره

ونفت سلطات السجون الاتهامات، إلا أن الكرملين أكد بأنه سيتم إطلاع بوتين الذي أمر في كانون الثاني/يناير بمراجعة اعمال خدمة السجون، رغم عدم ارتباط الأمر بقضية دادين بشكل واضح. 

ويرى الناشط المعارض أن الغضب الذي أثاره اعتقاله يعني بأن بقاءه قيد الاعتقال بات "غير ملائم" بالنسبة إلى الكرملين، فتم الإفراج عنه قبل انقضاء مدة محكوميته. 

ولا يتوقع بأن تتم محاسبة أي شخص على سوء المعاملة التي تعرض لها، إلا أنه يصر بأنه سيبقى في روسيا ليواصل الاحتجاجات على هذه الانتهاكات. وقال "ليس من المناسب أخلاقيا ان اغادر البلد طالما أن هناك من يزال يتعرض للتعذيب". 

ومثلت قضية دادين ضربة أخرى للمعارضة المهمشة في روسيا حيث أن القانون الذي تمت مقاضاته بموجبه صدر عام 2014 في وقت سعى فيه الكرملين لمنع التظاهرات عقب خروج مسيرات مناهضة لبوتين بعد اسقاط رئيس أوكرانيا المدعوم من روسيا. 

واعتبر دادين أن السلطات الروسية استخدمت قضيته "كتحذير للآخرين حتى لا يخرجوا الى الشوارع" مضيفا أن الكرملين أراد القول "انظروا إلى ما حدث له وما سيحصل لكم إذا دافعتم عن حقوقكم الدستورية مثله وخرجتم في تظاهرات". 

وأطلق سراحه عقب حكم سابق من المحكمة الدستورية قضى بأن القانون الصارم لا يمكن تطبيقه على المتظاهرين السلميين. ورغم أمل الناشطين الحقوقيين بأن القانون لن يطبق بعد الآن، إلا أنه يبقى نصا ولا شك لدى دادين بأن السلطات ستستخدمه مجددا إذا لزم الأمر.