مع تفاقم الحرب الدبلوماسية والكلامية بين تركيا وهولندا واتهامات الرئيس التركي لهولندا بالضلوع بقتل المسلمين في سربرينيتشا، ورد رئيس الوزراء الهولندي بأن كلام إردوغان "تزييف حقير"، تلقي (إيلاف) الضوء على تلك المجزرة التي لم تشهد أوروبا مثيلًا لها منذ الحرب العالمية الثانية.

إيلاف: يعود تاريخ مجزرة سربرينتيشا إلى يوليو 1995 حين شهدت البوسنة والهرسك حربًا طائفية بين الصرب والمسلمين والكروات. وقتلت قوات صرب البوسنة بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش نحو 8 آلاف مسلم في هذه البلدة البوسنية.

يذكر أنه خلال الحرب التي امتدت بين عامي 1992 إلى 1995، سعى البوسنيون من المناطق المحيطة إلى اللجوء إلى بلدة سربرينيتشا، حيث نفذ جيش صرب البوسنة حملة تطهير عرقي وطرد السكان غير الصرب.

مسلمون يلجأون إلى القوات الاممية&

وأعلنت الأمم المتحدة سربرينيتشا "منطقة آمنة" للمدنيين عام 1993. وسقطت في يوليو عام 1995، بعد أكثر من عامين من الحصار. وذهب الآلاف من البوسنيين إلى قاعدة الأمم المتحدة خارج سربرينيتشا في بوتوكاري.

بيد أن الجنود الهولنديين قالوا لهم إنهم سيكونوا آمنين، وسلموا الرجال والصبية إلى قوات صرب البوسنة. ونقلت النساء والأطفال الصغار إلى منطقة يغلب على سكانها البوسنيون.

إبادة جماعية&
وأكدت محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الخاصة بيوغوسلافيا السابقة أن الأحداث الدموية في سربرنيتشا كانت "إبادة جماعية". وكان أهالي الضحايا يحمّلون قوات السلام الهولندية مسؤولية الفشل في منع وقوع المأساة.

وفي 16 يوليو 2014، قضت محكمة هولندية بمسؤولية هولندا عن قتل ما يربو على 300 شخص من المسلمين البوسنيين في بلدة سربرينيتشا، وكان الرجال والصبية القتلى من بين خمسة الآف بوسني، معظمهم من النساء والأطفال، يحتمون بكتيبة هولندية تابعة لقوات حفظ السلام الأممية.

براءة
كما تمت تبرئة هولندا من قتل ما يزيد على 7 الآف رجل آخرين في سربرينيتشا وحولها. وكان أقارب الضحايا قد رفعوا القضية تحت اسم "أمهات سربرينيتشا".

وكانت محكمة لاهاي قالت إن كتيبة قوات حفظ السلام الهولندية لم تقم بما يكفي من المهام لحماية ما يزيد على 300 شخص من البوسنيين، وكان ينبغي أن تدرك هذه القوات احتمال وقوع إبادة جماعية.

وأضافت أن الدولة كان ينبغي لها أن تعلم بأنهم سيقتلون على يد صرب البوسنة عندما سلمتهم من مجمع بوتوكاري التابع للأمم المتحدة. وقالت المحكمة :"يمكن القول بقدر كاف من اليقين، لو كانت الكتيبة الهولندية سمحت ببقائهم في المجمع، لظل هؤلاء الرجال أحياء. فمن خلال التعاون في تسليم هؤلاء الرجال، تكون الكتيبة الهولندية قد أدت عملها على نحو غير قانوني".

تحمّل مسؤولية
وأضافت المحكمة أن الحكومة الهولندية يتعيّن عليها أن تقبل تحمّلها قدرًا من المسؤولية عمّا حدث وتدفع تعويضات إلى أسر أكثر من 300 ضحية.

ولم تصل المحكمة إلى حد تحميل هولندا المسؤولية عن مصير معظم الرجال الذين قتلوا في سربرينيتشا، وقالت إن غالبية اللاجئين الذكور في ذلك الوقت لم تفرّ إلى مجمع الأمم المتحدة، بل "فرّت إلى الغابات القريبة من سربرينيتشا".

إردوغان يهاجم هولندا
إلى ذلك، فإن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استغل تلك المجزرة ليهاجم بها هولندا في مواجهته معها بعد منعها وزيرين من إلقاء كلمات في تجمعين لحشد أصوات الأتراك في هولندا لدعم الاستفتاء الذي سيجري يوم 16 إبريل المقبل على التعديلات الدستورية. وقال إردوغان إن ذلك الإخفاق، الذي لا يزال ذكرى محرجة في هولندا، كشف أن "المعايير الأخلاقية الهولندية تحطمت".

وقال إردوغان في مؤتمر صحافي في أنقرة يوم الثلاثاء: "نعرف طبيعة هولندا، ونعرف الهولنديين من مذبحة سربرنيتشا.. نعلم مدى فساد طبيعتهم وشخصيتهم من قتلهم 8 آلاف بوسني هناك.. لا ينبغي لأحد أن يعطينا محاضرات في التمدن. هذا الشعب لديه ضمير نقي، لكن ضميرهم حالك السواد".

رد روته
ووصف رئيس الوزراء الهولندي مارك روته تصريحات إردوغان بأنها "تزييف حقير للتاريخ"، وأضاف: أصبح إردوغان يزداد هيجانًا من ساعة إلى أخرى، وأريده أن يهدأ.

في 13 مارس 2017 أدان رئيس الوزراء الهولندي بشدة اتهامات الرئيس التركي لهولندا بتورطها في مذبحة سربرنيتشا، في آخر تصعيد للتوتر الدبلوماسي بين تركيا وهولندا، واصفًا إياها بـ"التزوير الحقير للتاريخ".

وقال روته لقناة RTL الهولندية يوم الثلاثاء: "يواصل الرئيس التركي تضخيم الأمر"، مشيرًا إلى أن "لهجة تصريحات إردوغان تتحول إلى هيستيرية". وتابع: "على ما يبدو هذا هو مستواه، ونحن لن ننحدر إلى ذلك المستوى، رغم أن تلك التصريحات غير مقبولة" بالنسبة إلى هولندا.