أحمد قنديل من أبوظبي: أكد الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية أن منطقتنا -عبر تاريخها الحديث- كانت ضحيةً للترتيبات الدولية، وقد يحمل المخاض الدولي الحالي في طيَّاته ترتيباتٍ قد لا تكون في مصلحتنا، خصوصاً أن مآلات المخاض العربي منذ ما يُسمَّى "الربيع العربي" غير مؤكّدة. كما أن ظهور النزعات الدينية والطائفية والمذهبية والإقليمية والقبلية هو أكبر تحدٍّ يواجه دولنا العربية، ويهدّد أمنها الوطني.

الخطر الإيراني

وبخصوص دول الخليج العربية، قال الأمير تركي الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، إنها سَلِمَتْ بشكلٍ أو بآخرَ من الآثار المباشرة للأزمات والحروب التي عانتها المنطقة، لكن ينبغي العمل بشكل حثيث على تفادي كلّ عوامل القصور في عمل منظومتنا الخليجية؛ لمواجهة كلّ الاحتمالات، خصوصاً أن الخطر الإيراني ماثلٌ للعيان.&

وفيما يتعلق بالوضع الداخلي في العراق فهو محل قلق دائم، ومصلحتنا العربية والوطنية تكمن في عودة العراق إلى أمته، وأن يكون عاملاً للأمن والاستقرار في منطقة الخليج.

وتابع "لذلك علينا أن نكون رافداً وداعماً لجميع القوى الوطنية العراقية التي تحقّق هذا الهدف. واليمن الجار والشقيق هو خاصرتنا، وأمنه واستقراره من أمن واستقرار دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" كافةً؛ لذلك ينبغي أن نُطمئن اليمنيين، ليس بتقديم العون إليهم وإلى دولتهم بقيادتها الشرعية للتمكّن من تجاوز تداعيات المرحلة الحالية فقط، بل بإعلان قبوله عضواً كامل العضوية في منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لكيلا يبقى مطمعاً لمن لا يريد بنا الخير. أما الإرهاب؛ فهو الداء الذي يشحذ هممنا إلى إيجاد الدواء؛ فالتمسّك بديننا السَّمْح، وسُنَّة نبيِّنا، عليه الصلاة والسلام، القائمَين على مبادئ الشورى بيننا، والمُخاطبة بالتي هي أحسن، وألا نكون أفظاظاً غليظي القلوب، هي التي ستكفل لنا الشفاء من هذا الداء."

المنطقة إلى أين؟!

وأكد الأمير تركي الفيصل خلال مشاركته في أعمال المؤتمر السنوي الثاني والعشرين الذي ينظمه مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي حول "المنطقة إلى أين: تحديات أسعار النفط"، الذي ستستمر فعالياته حتى غدٍ الأربعاء، أن إيران تمثل خطراً حقيقياً على دول المنطقة؛ لأن كل محاولات ترشيد سلوكها وسياساتها باءت بالفشل، وإذا أرادت إيران علاقات ودية مع دول الخليج العربية، فإن عليها أن تتعامل كدولة مسؤولة، وأن تتخلى عن تدخلاتها في شؤون دول المنطقة، وتلتزم مبادئ حسن الجوار.

تحولات كبرى

في سياق متصل أشار حمد بن محفوظ العارضي، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لمجموعة إنفستكورب، في سلطنة عُمان، في كلمة أمام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إلى أن المنطقة العربية تمر اليوم بسلسلة من التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى، وهذه التحولات سترسم ملامح البيئة الاستراتيجية التي ستعمل في ظلها الدول والشركات والأفراد خلال المرحلة المقبلة.

وأكد العارضي أن التحدي الأمني الأكبر الذي يواجهنا اليوم يتمثل في كيفية التكيف الإيجابي مع هبوط أسعار النفط، الذي أثر بشكل كبير في قدرة دولنا على جدولة موازنات إيجابية، وأداء دورها كمحفز للاستثمار من خلال المشروعات السيادية التي تشكل قاطرة النمو في دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية".&

وأشاد العارضي بتجربة الإمارات في سرعة الاستجابة لتحدي أسعار النفط، حيث إنها حققت العديد من المنجزات التي شملتها رؤيتها لعام 2021، وليس أدل على ذلك من أن مساهمة النفط الخام والغاز الطبيعي في الناتج الإجمالي المحلي في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2015 بلغت 32%، أي أن 68% من هذا الناتج جاء من عوائد غير نفطية، وهذا إنما يجعل من التجربة الإماراتية نموذجاً للاقتصادات الأخرى في المرونة والجهوزية للتعامل مع المتغيرات الاقتصادية.

انخفاض أسعار النفط

وألقى السفير الدكتور كمال حسن علي، الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، كلمة أمام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر أشار فيها إلى الأسباب التي أسهمت في انخفاض أسعار النفط، سواء تلك المرتبطة بالاختلال في ميزان العرض والطلب لتصل بذلك أسعار النفط إلى أقل مستوى لها منذ عام 2005، والتنافس بين الدول المنتجة للحفاظ على حصتها في السوق النفطية، أو تلك المتعلقة بزيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية.&

وأكد أن انخفاض أسعار النفط خلال عام 2015 قد انعكس بشكل سلبي على قيمة الصادرات النفطية التي تعد المحرك الرئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية المنتجة للنفط، والداعم الرئيسي لاحتياطياتها الرئيسية، والمعزز الأساسي للفوائض في ميزانياتها.&

ورأى السفير حسن أن تحدي أسعار النفط يتطلَّب من الدول العربية المنتجة للنفط الشروع في إجراء إصلاحات هيكلية على اقتصاداتها، حتى لا تتأثر بأي تقلبات محتملة في السوق النفطية، وذلك من خلال التركيز على تنويع مصادر الدخل لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وإصلاح بيئة الأعمال، والتركيز على تطوير القطاعات غير النفطية، وخاصة تلك التي تدعم اقتصاد المعرفة.

إدارة ترامب

بعد ذلك بدأت فعاليات الجلسة الأولى للمؤتمر، تحت عنوان "تطورات الأوضاع في المنطقة: المحددات والتحديات"، ورأسها الشيخ الدكتور خالد بن خليفة بن دعيج آل خليفة، نائب رئيس مجلس الأمناء-المدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي في مملكة البحرين. وتحدث في هذه الجلسة العديد من الباحثين والخبراء، حيث تناول الدكتور جون ديوك أنتوني، الرئيس المؤسس والمدير التنفيذي للمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية-العربية، بالولايات المتحدة الأمريكية في ورقته البحثية سياسات ومصالح القوى الدولية في المنطقة العربية، وأكد في مستهلها أن الأهمية الاستراتيجية التي توليها الولايات المتحدة الأمريكية لدول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" لن تتراجع، مشيراً في هذا السياق إلى أنه لا يتعيَّن على أي أحد أن يتوقع تسجيل تراجع في وعي وتقدير إدارة ترامب للمكانة والدور الحيويَّين لمنطقة الخليج كلها، وهذا يدحض كل التقييمات التحليلية التي تحدثت عن نيّة الولايات المتحدة الأمريكية تقزيم دور منطقة الخليج مقابل التركيز بشكل أكبر على منطقة آسيا الباسيفيكية.

نفوذ جيوسياسي

وشدَّد الدكتور جون ديوك أنتوني على أن سياسات واشنطن، ومواقفها وتصرفاتها تجاه المنطقة العربية ومنطقة الخليج، لن تتغير بأي شكل من الأشكال لأن الأساس الذي تقوم عليه شديد الصلابة، إذ كانت منذ زمن بعيد، ولا تزال إلى اليوم، قائمة على تصورات استراتيجية، نابعة من أحداث مفصلية بارزة، والتطورات التي تشهدها المنطقة وتأثيرها في شؤون العالم. لافتاً النظر إلى أن موارد الطاقة لدول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، ونفوذها الجيوسياسي، وقدراتها المالية والاستثمارية المتزايدة، أصبحت مرتبطة أكثر من أي وقت مضى بالنمو الاقتصادي العالمي. وخلص الدكتور جون ديوك أنتوني إلى أن هذه الحقائق تشكل سياقاً مهماً للتأمل قبل التفكير في الانتقال من منطقة أثبتت مقاربتها الحالية نجاحاً (المنطقة العربية والخليج) إلى منطقة أخرى (آسيا) ما زالت إيجابياتها موضع سؤال وهي مسألة فيها نظر، وآفاقها غامضة كما أن التبعات المحتملة بالنظر إلى التكاليف والدوافع والفاعلية والحاجة إليها قد تكون خطِرة وتأثيرها كبير.

صراعات.. سياسية ودينية وطبقية

وضمن فعاليات الجلسة الأولى أيضاً استشرف الفريق الركن جمال سالم الشوابكة، المستشار الخاص لرئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية، مستقبل الاستقرار الداخلي في الدول العربية، مشيراً إلى أن الدول العربية تعيش صراعات عدة تتفاوت من حيث حدتها، وهي تتوزع إلى: صراعات سياسية، وصراعات دينية، وصراعات طبقية واجتماعية. وأكد أن تحقيق الاستقرار في الدول العربية يتطلب أولاً العدل؛ وذلك بناء على المقولة المأثورة "العدل أساس الملك"، التي يمكن عدُّها، في هذا السياق، بمنزلة ضوء كاشف للطريق الصحيح نحو بناء المجتمع والدولة الآمنَين. ثانياً، وضع لبنات اقتصاد قوي قادر على إشباع حاجات البلد وسكانه، ويوفر لهم الحد الأدنى للعيش الكريم، ثم أخيراً القوة الدفاعية، لأن الأمن من ميزات المجتمعات المتحضرة، ما يستدعي امتلاك قوات مسلحة عصرية قادرة على حماية الحدود، وفرض الاستقرار.

انعدام التوازن الاستراتيجي

وبعد ذلك تطرَّق أسامة هيكل، وزير الإعلام السابق، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والآثار في مجلس النواب المصري، بجمهورية مصر العربية، إلى "طبيعة العلاقات العربية-الإقليمية والتحولات في خريطة التحالفات"، مشيراً إلى أن منطقتنا العربية تشهد اليوم الكثير من الصراعات والتغيرات؛ فهي تعاني انعدام التوازن الاستراتيجي بين الأقطاب الإقليمية؛ إذ يحاول القطب القوي الحفاظ على مكانته والتوسع على حساب الآخرين، بينما يسعى القطب الضعيف إلى زحزحة مكانة القطب القوي إقليمياً. ومن ثم فإن حالة انعدام التوازن لا تزال قائمة، وليس هناك سلام ورخاء للعالم بأسره من دون استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال تمر بحالة من الضبابية وعدم اليقين بعد مرور أكثر من 6 سنوات على أحداث "الربيع العربي" التي أسهمت بشكل كبير في زيادة عدد المهاجرين في العالم العربي.

تحالفات

وبعد ذلك بدأت فعاليات الجلسة الثانية للمؤتمر تحت عنوان "إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستقبل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط"، ورأسها عمر البيطار، نائب رئيس أكاديمية الإمارات الدبلوماسية. وتحدث في هذه الجلسة جهاد الخازن، الكاتب بجريدة "الحياة"، التي تصدر من المملكة المتحدة، حيث تحدث عن مستقبل التحالفات الأمريكية-الإقليمية في الشرق الأوسط في ظل إدارة ترامب، وتوقع أن تستمر هذه التحالفات؛ لأن ترامب من الأساس رجل أعمال، وحريص على استمرار علاقة طيبة مع الدول العربية المنتجة للنفط، كما أنه حريص على علاقة مباشرة طيبة مع مصر والأردن للمحافظة على معاهدة السلام بين كل منهما وإسرائيل.

سياسات توسعية إيرانية

وأكد الخازن أن البقاء على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية أمر مهم، ويفيد الدول العربية كافة، شريطة ألا يكون على حساب المصالح العربية.
وبعد ذلك تطرَّق السفير سام زاخم، السفير الأمريكي السابق لدى مملكة البحرين، إلى رؤية إدارة ترامب للتحالف مع دول "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، حيث توقع أن تنمو العلاقات الأمريكية-الخليجية؛ فقيام ترامب بالتواصل مع دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد تولّيه منصبه، يدلّ على احترامه القيادة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وعلاوة على ذلك، يُعدّ وجود مقرّ القيادة المركزية الأمريكية في قطر، والأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، أمراً مهماً للمصالح القومية الأمريكية، سعياً إلى احتواء السياسات التوسعية الإيرانية في منطقة الخليج العربي.

الإسلام السياسي والتطرف الديني

أما المتحدث الأخير في هذه الجلسة، فكان الدكتور مارك تسلر، أستاذ كرسي صموئيل ألدرسفلد للعلوم السياسية في جامعة ميتشيجان بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي تناول السياسة الأمريكية، وموقفها من الإسلام السياسي والتطرف الديني، قائلاً إنه من المبكر جداً الحديث بشكل تفصيلي عن سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط، فضلاً عن تقييم هذه السياسة. ولكن تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية، والأسماء التي اختارها لشغل أبرز المناصب السياسية، تسمح بتحديد بعض الجوانب التي يرجَّح أن تكون مصدراً للقلق، ومن أبرزها زيادة الدعم لإسرائيل، وتراجع الدعم لحل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وزيادة تعقيد العلاقات مع العالم الإسلامي، وربما بروز بعض التناقضات، خاصة إذا نفَّذ ترامب الإجراءات المناهضة للمسلمين التي وعد بها في أثناء الحملة الانتخابية، فضلاً عن تأثيرات وعد ترامب بدعم التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة الأمريكية.