نصر المجالي: وجدت مدينة برمنغهام والسجون البريطانية، غداة الهجوم الإرهابي على البرلمان (ويستمنستر) يوم الأربعاء الماضي، مصدرا لافتا للأنظار واهتمام وسائل الإعلام لدورهما في تصاعد وتيرة التطرف في المملكة المتحدة.&

وقالت التقارير إن مسؤولين بريطانيين، نبهوا في الأوان الأخير رئيسة الحكومة تيريزا ماي من تزايد وتيرة الاستقطاب والتطرف، داخل سجون المملكة المتحدة، ودعوها إلى التحرك على وجه السرعة لمعالجة الوضع.&

وحسب تقرير لـ(سكاي نيوز)، فإن مسؤولين في الاستخبارات البريطانية يتحققون حاليا ما إذا كان منفذ هجوم ويستمنستر، خالد مسعود، الذي أوقع أربعة قتلى، قد جرت استمالته إلى الإرهاب داخل السجن.

وكان بحث أجرته "هيئة هنري جاكسون" وهي هيئة تفكير بريطانية متخصصة في الأبحاث الأمنية، نبه إلى أن المسلمين الذين اعتنقوا الدين، في مرحلة ما من حياتهم، مرشحون أكثر بواقع أربع مرات، لارتكاب أفعال إرهابية، مقارنة بمن ولدوا مسلمين.

محاولات استقطاب

وعلى هذا الصعيد، أكدت جمعية إسلامية أنها حذرت في وقت سابق، من محاولات لاستقطاب عناصر إرهابية داخل الحانات بغرض تسخيرهم لارتكاب أفعال عنيفة في الشوارع البريطانية.

ويقول المتابعون لشؤون الإرهاب، إن حالة خالد مسعود الذي نفذ الهجوم وهو في الرابعة والخمسين من عمره، يظهر حاجة إلى نشر الوعي بين كل الفئات العمرية، دون الاكتفاء بصغار السن باعتبارهم أكثر عرضة.

وتقول نيكولا بنيحيى وهي مستشارة تقدم المشورة لعائلات تعرض أفرادها للتشدد إن المتطرفين الكبار الذين تخطوا سن الشباب يميلون في الغالب إلى تجنيد أشخاص آخرين، إذ لا يرغبون في تنفيذ هجمات بحكم التزاماتهم العائلية.

وتقول بنيحيى التي قتل ابنها رشيد البالغ من العمر 19 عاما في سوريا، إن كل شخص يحتاج اليوم إلى فهم مسألة التطرف والوقاية من خطره، موضحة أن العاملين في مجال التربية ليسوا المعنيين فقط بالظاهرة.

هجوم 2005

وكانت بريطانيا حاولت أن تفهم بعد هجوم محطات قطارات الأنفاق والافلات في لندن سنة 2005، الأسباب التي تجعل أشخاصا ولدوا في البلاد يفكرون في نشر الرعب بشوارعها، لكنها وجدت أيضا أن أحد المنفذين اعتنق الإسلام.&

وفضلا عن ذلك، اكتشفت السلطات في وقت لاحق أن قاتلي الجندي البريطاني، لي ريغبي، بريطانيان أيضا، وولدا في البلاد، ما يعني أن الخطر لا يأتي من الخارج فقط.

ويوضح المستشار السابق في شؤون الإرهاب لدى الحكومة البريطانية، جاهان محمود، أن ثمة نقطة مشتركة بين منفذ هجوم ويستمنستر وقاتلي الجندي لي ريغبي، تتمثل في قضاء فترة داخل السجن وتنفيذ المخطط الإرهابي عبر عملية طعن.

لكن محمود يشير إلى أن لا أحد يعلم ما إذا كان المنفذون تمت استمالتهم إلى أفكار متطرفة خلال قضائهم عقوبة حبسية أو بعد مغادرتهم السجن، أو أن اعتناق أفكار متشددة جرى بسبب أشخاص تم التعرف إليهم داخل الزنزانة.

برمنغهام&

وإلى ذلك، ركزت وسائل الإعلام البريطانية على مدينة برمنغهام وسط إنكلترا، التي جاء منها خالد مسعود مهاجم مبنى البرلمان، مع تركز عمليات البحث والاعتقال على أحد أحياء المدينة، حتى أن بعض وسائل الإعلام وصفت برمنغهام بأنها "عاصمة الإرهاب" في البلاد.

وكان تقرير لجمعية هنري جاكسون للأبحاث الأمنية، صدر مؤخرا، أوضح أن واحدا من كل 10 إرهابيين مدانين في بريطانيا جاء من منطقة صغيرة في برمنغهام حيث يوجد أغلب الأحياء الخمسة (من بين 9500 حي) التي أتى منها 26 إرهابيا مدانا (10% من الإجمالي في بريطانيا في الفترة محل التقرير).

هذا على الرغم من أن عدد المسلمين البريطانيين في برمنغهام كلها، أقل كثيرا من عددهم في مناطق أخرى تشهد اندماج المسلمين في المجتمع.

ذئاب منفردة

كما بين التقرير أيضا أن الأغلبية من هؤلاء ليسوا "ذئابا منفردة"، بل ارتبطوا بشكل أو بآخر بمنظمات إرهابية، وتحتل مجموعة "المهاجرون" التي يتزعمها أنجم شودري المرتبة الأولى.

صحيح أن المعلومات المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن مهاجم البرلمان انتقل للعيش في برمنغهام مؤخرا، لكن تاريخ علاقة برمنغهام بالتطرف يعود إلى سنوات طويلة، وكان أغلب متطرفي لندن مثل أبي حمزة المصري وعمر بكري وغيرهما على صلة دائمة بالمدينة من مقراتهم في لندن.

وباستثناء لندن، تعد برمنغهام وبرادفورد أكبر مدينتين في بريطانيا تشهد الجاليات المسلمة فيهما حالات تشدد وتطرف، وإن كان الأبرز في برمنغهام تقليديا القادمين من كشمير، فهناك أيضا جنسيات عربية وأفريقية وبعض المعتنقين الجدد للإسلام.

طابع سلفي&

وتستضيف برمنغهام مؤتمرا سنويا يغلب عليه الطابع السلفي، لكن في عام 2002 مثلا نشرت وسائل الإعلام أن متهما بمحاولة اختطاف في السويد كان في طريقه لحضور المؤتمر السلفي هذا.

ولطالما كان بعض رموز حركات ما يسمى "الإسلام السياسي" بمن فيهم الإخوان ضيوفا على هذا المؤتمر السنوي.

ومع استمرار التحقيقات في هجوم البرلمان، يصعب حتى الآن معرفة دور "شركاء" للمهاجم الوحيد سواء من برمنغهام أو غيرها، لكن كثيرا من المحللين يرون أن بيئة ومناخ تجمعات المتشددين في تلك المدينة لها دور أساسي في تطرف هذا المهاجم وغيره من الإرهابيين المدانين أو المشتبه بهم في بريطانيا.

خريطة الإرهاب&

وعلى هذا الصعيد، كانت &صحيفة (صنداي تايمز) نشرت ملخص دراسة هي الأولى من نوعها في أوروبا، تصدر في لندن خلال أسبوع تتناول "خريطة الإرهاب في بريطانيا" بدراسة العمليات والتهديدات الإرهابية منذ 1998 إلى العام الماضي.

وتجيب الدراسة، الواقعة في ألف صفحة عن أسئلة من قبيل: أين يعيش الإرهابيون؟ ما الذي أثر فيهم؟ وما هي طبيعة الأحياء والمناطق التي نشأوا فيها؟ وذلك عبر دراسة تفاصيل 269 قضية أدين فيها إرهابيون و400 اعتداء اعتبر إرهابيا.

وتدحض الدراسة التي سيعلنها نائب مفوض الشرطة لمكافحة الإرهاب، عدة مقولات راسخة حول الإرهابيين وأسباب تطرفهم.

لا اندماج&

ومن الملامح الأساسية للدراسة أن نسبة أقل من المسلمين في بريطانيا يعيشون في مناطق لا يندمجون فيها، ومن هذه المناطق يأتي أغلب الإرهابيين.

وينفي ذلك مقولات شائعة بأن أغلب هؤلاء يتطرفون نتيجة قضائهم أوقاتا طويلة على الإنترنت. لكن الدراسة تؤكد حقائق شائعة أخرى من قبيل أن أغلب هؤلاء شباب وأغلبهم ذكور.

ويستنتج التقرير أيضا أن مشاركة النساء في عمليات الإرهاب، على قلة عددهن، تضاعفت ثلاث مرات في تلك الفترة. وأن عمليات الطعن والتهديد بالذبح تضاعفت من 4 في الفترة من 1998 – 2010 إلى 12 في السنوات الخمس الأخيرة.