أسر سمير فرح ببعض أسرار مهرجان بي بي سي عربي للأفلام الوثائقية الذي اختتم لتوه دورته الثالثة، فأكد لـ "إيلاف" أن المهرجان لا يأبه بالسجادة الحمراء، إنما بمواهب صحفية استقصائية تستحق إبرازها وتوصيل صوتها إلى العالم، واعدًا بجائزة جديدة للأعمال الرقمية في الدورة المقبلة.

&خاص بإيلاف من لندن: اختتم مهرجان بي بي سي عربي للأفلام الوثائقية فعالياته بإعلان أسماء الأفلام والمخرجين الفائزين في دورته الثالثة لعام 2017. وفي ختام هذا المهرجان، كانت لـ«إيلاف» دردشة مع سمير فرح، مدير القسم العربي في «بي بي سي» بشبكاتها التلفزيونية والاذاعية والرقمية، فأسرّ ببعض أسرار اختيار الأفلام المشاركة في هذا العام، ودور «بي بي سي عربي» في إيصال أصوات عربية إلى مسامع العالم، من خلال إنتاج إبداعي يستحق الإبراز.&

لا سجادة حمراء

يتم اختيار الأفلام المشاركة في مهرجان بي بي سي عربي للأفلام الوثائقية على مرحلتين، بحسب فرح: الأولى، هي مرحلة الغربلة، أو ما يسمى «شورت ليستينغ»؛ والثانية، اتخاذ القرار في الأفلام النهائية التي ستشارك، علمًا أن عدد الأفلام الوثائقية التي تتقدم للمهرجان يزيد في كل دورة، ونوعية الافلام تتطور.&

أضاف لـ«إيلاف»: «على افتراض أننا استلمنا ألف فيلم في فئة الافلام الوثائقية القصيرة، تختار اللجنة الأولية منها عشرين فيلمًا، وترسلها إلى اللجنة الأساسية التي تختار منها خمسة أفلام تفوز بجوائز».

&



لاحظ فرح هنا: «حين يكون المهرجان، أي مهرجان، في طفولته بعد، يكون هناك نوع من عدم المعرفة في تفصيلاته، وفي المستوى الذي يطمح إليه القائمون عليه، فنحن ما كان هدفنا يومًا الوقوف على سجادة حمراء كمشاهير السينما، بل الهدف صحفي بحت، والصحافيون بطبيعتهم ليسوا كصناع الافلام، أي لا يرصدون أهم المهرجانات العالمية للمشاركة فيها، ولا وقت لديهم ولا حافز للمشاركة في هذه المهرجانات. وحتى لو عرفوا بالمهرجانات، ألمس فيهم نوعًا من التردد أو ربما فتور الحماسة للتقدم بأعمالهم والمشاركة بها. من هنا كانت صعوبة وصولهم إلينا للمشاركة في أعمالهم في الدورة الأولى، وفي الدورة الثالثة، صارت الأعمال الجيدة هي التي تبحث عن موعد مهرجان بي بي سي وتسعى إلى المشاركة فيه».

هدفان

حسنًا... لكن أي دور تسعى بي بي سي عربي إلى أدائه من خلال هذا المهرجان، خصوصًا أنه اليوم في ثالث دوراته؟ قال فرح لـ«إيلاف»: «ثمة خطوط عريضة تسعى بي بي سي إلى تحقيقها.

في عام 2013، حين استلمت إدارة البرامج والوثائقيات في بي بي سي، حاولنا أن نوسع عمل الوثائقيات، ووجدنا أن في محطات التلفزة كلها وثائقيات، إلا أننا لم نشعر أن ثمة وثائقيات بمعنى الصحافة الاستقصائية، حتى لم يكن هناك أي فرق بين الوثائقي والتحقيق الصحفي المعمق، والذي تتراوح مدته بين نصف ساعة وساعة. وصلتنا عشرات الأفلام التي يسمونها تحقيقًا صحفيًا، لكنها لم تكن كذلك. وبما أن مواردنا محدودة وليست كموارد قناتي الجزيرة والعربية، وبما أن ميزانية بي بي سي تجمع من جيوب المكلفين الضريبيين، فلا مجال للهدر أو حتى للتجربة، والاختصاص كان الملاذ الوحيد، واختصاص بي بي سي عربي كان الصحافة الاستقصائية".

على الرغم من أن المهرجان يحمل في طياته كلمتي "أفلام" و "وثائقية"، إلا أن فرح قال إنهم في بي بي سي عربي لا يصنعون مادة توثيقية، «فقليلًا ما نصنع فيلمًا وثائقيًا عن الزواج المبكر مثلًا، إنما ذهبنا إلى الاختصاص في الصحافة الاستقصائية القائم على كشف المستور عمدًا، والكلام عن المسكوت عنه، أي نسعى إلى مادة تكشف ما يحاول غيرنا إخفاءه، حين لم نعثر على هذا النوع من الصحافيين، قررنا أن نبحث عنهم، وكانت فكرة إقامة مهرجان يجذبهم، ويربي جيلا جديدًا من الصحافيين الاستقصائيين والموثقين، وهذا كان الهدف الأول. أما الثاني فكان توفير منبر أوسع ومسرح أرحب لأولئك الصحافيين، لأننا وجدنا افلامًا ممتازة كالأفلام التي عرضناها في هذا المهرجان، بعضها يشارك في مهرجانات وبعضها الآخر يبقى مستورًا، فصرنا نختار صحافيًا شابًا، تحت الثلاثين من عمره، نستثمر فيه تدريبًا خاصًا، ونقدم له الأدوات ونساعده كي ينجز عمله التالي».

&



يأتي إلينا

لا تذهب بي بي سي عربي إلى الصحافي الموهوب، بل هو يأتي إليها، وفقًا لفرح، «فسياستنا متشددة في ما يتعلق بعدم تفضيل شخص على آخر، وبالتالي حتى لو كنت أعرف أن ثمة صحافياً ممتازاً بإمكانيات ممتازة، لا يسعني الذهاب إليه، بل ندفعه كي يأتي إلينا من خلال الدعوة إلى المشاركة في المهرجان وفرصة تحقيق فوز من اثنين: إما أن يُدرج فيلمه ضمن الخيارات الرسمية، أو أن يتم اختياره فائزًا في الفئة التي يشارك فيها».

توزعت الجوائز هذا العام في ست فئات: الريبورتاج والأفلام الوثائقية القصيرة والأفلام الوثائقية الطويلة والافلام الروائية القصيرة، إضافة إلى جائزة ليليان لندور للتميز في الصحافة، وجائزة بي بي سي عربي للصحافي الشاب.

بالنسبة إلى جائزة الصحافي الشاب، لا يمكن التقدم اليها، بل يتم اختيار الفائزين من بين المتقدمين بأفلامهم إلى الفئات المختلفة، فـ«بي بي سي عربي تركز في مهرجانها على المادة الاستقصائية، والأفلام التي تشارك رسميًا في المهرجان، وعددها عشرون، تُعرض على تلفزيون بي بي سي خلال الأسابيع التي تسبق إعلان النتائج، وللتأكيد، لا يمكن بي بي سي التوجه إلى المخرج لحثه على المشاركة، خشية الاتهام بالتفضيل»، كما قال فرح.

واعترف فرح بوجود تباين حاد في مستوى الأفلام المتقدمة، بين موهوبة وبدائية، «وهذا التباين متوقع، فالمهرجان لا يقتصر على المخرج المخضرم الذي في جعبته عشرات الأفلام، فأحد أهم اهدافه فسح المجال أمام المواهب الواعدة، وجائزة بي بي سي عربي للصحافي الشاب مثلًا تمنح للصحافي الواعد الذي توفر له بي بي سي التدريب والمعدات اللازمة لإكمال مسيرته، إذ تكون لجنة التحكيم توسمت فيه أمرًا وميزة، وتريد الإشادة به. ففي العام الماضي، كان هناك مشاركون يحملون كاميرا&للمرة الاولى في حياتهم، ونجحوا في الوصول إلى مهرجان بي بي سي عربي بعملهم التوثيقي، ومنه إلى الجمهور الاوسع».

جائزة للأعمال الرقمية

للدورة الحالية من مهرجان بي بي سي للأفلام الوثائقية ميزة، أجملها فرح في قوله: «في عام 2014، كان وعد الربيع العربي طازجًا، وكان&الناس واقعين&تحت تأثير اعتقادهم أن العالم يتغير. إلا أن النبرة بدأت تتبدل، ولا أقول إلى الأسوأ، بل صارت تنحو أكثر نحو الواقعية، كما لاحظنا تحسنًا في نوعية الأعمال المشاركة، واعتقد أن مستقبل المهرجان سيتشابك مع مستقبل الإعلام في ما يتعلق بالتقدم الرقمي، وهذه الدورة هي الأخيرة الخالية من جائزة تُرصد للأعمال الرقمية. وبما أن معظم الشباب في العالم العربي يحصل على الجزء الأكبر من أخباره من وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الأفلام المصورة القصيرة، علينا الاعتراف بهذا ومواكبته بتخصيص جائزة تنظر في هذه الانجازات، وأظن أن الوقت ملائم لنخطو هذه الخطوة».

أضاف فرح: «عالم الإعلام الرقمي أو الديجيتال مختلف تمامًا عن عالم الإعلام الذي اعتدناه، وحين أريد أن اصنع فيلمًا، عليّ أن أدرك أن إيقاع الأفلام الرقمية مختلف. فالإنسان يُمضي ست ثوانٍ على مقطع فيديو قبل أن يقرر الاستمرار في مشاهدته أو الانتقال إلى غيره، ومن المرجح أن تتضمن الدورة المقبلة جائزةً تكرم الأعمال الرقمية&في كل حال». وختم قائلاً: «نحن نتعلم في كل عام من أخطاء العام السابق».

&

&

&