«إيلاف» من بيروت: خلافًا لبراعم الذوق ومستقبلات حاسة الشم التي تتجدد في الجسم بشكل مستمر، فإن العناصر الأشد حساسية في نظام السمع البشري لا تجدد.

وبحسب تقديرات المركز الوطني للإحصاءات الصحية، فقد سبعة وثلاثون مليونًا من البالغين الأميركيين سمعهم. ووفقًا للأكاديمية الوطنية للعلوم، فقدان السمع شائع في جميع أنحاء العالم، وهو السبب الخامس الرئيس للإعاقات البشرية، وذلك كما هو وارد في تقرير نشرته "نيويوركر". فمشكلات السمع يمكن أن تؤدي إلى عزلة المريض الاجتماعية، وإلى تدهوره المعرفي، وكلاهما يصعبان التقدم في السن.

طرائق أخرى
في السنوات الأخيرة، بحث العلماء عن طرائق أخرى لاستعادة السمع، وحققوا عددًا من الاكتشافات الواعدة. وهناك أيضًا أساليب فعالة لمنع وقوع الضرر في الأذن، وعلاجه يكون سريعًا أي بمجرد وقوعه. وعلى الرغم من ذلك، يميل الإنسان بشكل طبيعي إلى إهمال الضرر في السمع، وإلى التظاهر بأن كل شيء على ما يرام. فالناس الذين يلاحظون أنهم يعانون مشكلات في السمع ينتظرون أكثر من عشر سنوات قبل الذهاب إلى الطبيب.

الجزء الخارجي من الأذن، أو صوان الأذن، يعمل عمل القمع، أي يجمع الأصوات، ويمرر الموجات الصوتية في القناة السمعية لتضرب الغشاء الطبلي، أو طبلة الأذن. تمر الاهتزازات الناتجة من الموجات عبر 3 عظام صغيرة، العظم المطرقي والعظم الركابي وعظم السندان، ثم تصل إلى القوقعة، وهو جهاز حلزوني مملوء بالسوائل.

من هناك، تنتقل الاهتزازات إلى صفائف منظمة من "الخلايا الشعرية"، المضبوطة على ترددات محددة. في رأس كل خلية حزمة من الشعر الخشن اسمه ستيريوسيليا، مرتبة في صفوف مقوسة، ولها ارتفاعات مختلفة. ومع تحرك ستيريوسيليا ذهابًا وإيابًا، تولد إشارات كهربائية، تنتج نبضات عصبية، ترتحل إلى أجزاء معينة من الدماغ، مهمتها تفسير الأصوات.

عتبة الضرر
الضرر الذي يلحق بهذه الخلايا الشعرية أو بنقاط التماس العصبي فيها هو السبب الأكثر شيوعًا لفقدان السمع، بحسب تقرير "نيويوركر"، إلى جانب الشيخوخة والضوضاء وبعض المضادات الحيوية من أسرة أمينوغليكوزيد وأمراض المناعة الذاتية.

يمكن هذه الخلايا الشعرية أن تتعافى إذا لم تتعرض لضجيج مرتفع جدًا وطويل الأمد، لكن الإصابات الدائمة تتراكم. عتبة الضرر المتعارف عليها هو التعرض المستدام لأصوات تفوق قوتها 85-90 ديسيبل. وثمة أصوات حادة جدًا يمكن أن تسبب أضرارًا دائمة. فإطلاق النار على بعد متر من الأذن يمكن أن يصدر صوتًا بقوة 140 ديسيبل.

قال أستاذ في جامعة تكساس في سان أنطونيو إن أحد الأسباب الرئيسية غير المعترف بها لفقدان السمع هو إطلاق النار الترفيهي. ويواجه الجنود مخاطر أكبر، إذ يتعرضون لفترات طويلة من إطلاق النار الكثيف والتفجيرات والقنابل والصواريخ. ولا يقتصر التهديد للسمع في الحياة العسكرية على مناطق القتال. قال جيمس هنري، عالم بحوث في قسم وزارة شؤون المحاربين القدامى في بورتلاند بولاية أوريغون: "إن ناقلات الطائرات مشكلة حقيقية، خصوصًا على سطح السفينة، لكن في كل مكان حقًا، حتى عندما تنام على حاملة طائرات، يمكن أن يكون الضجيج فوق المستوى المضر".

تعود إلى الحياة؟
وفقًا لتقرير "نيويوركر"الفتح الكبير في مجال استعادة السمع حصل في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، عندما اكتشف باحثان أن آذان الدجاج الشابة تفعل ما لا تفعله آذان الإنسان: تعود الخلايا الشعرية السمعية الميتة إلى الحياة سريعًا، فيستعيد الدجاج سمعه في أسابيع. وهذه سمة لا يتميز بها أي مخلوق من الثديات.

في عام 2011، أطلقت مؤسسة صحة السمع، ومقرها نيويورك، مشروع استعادة السمع: مجموعة من أربعة عشر من العلماء وافقوا على العمل معًا لتحقيق هذا الهدف. أحدهم، إدوين روبل، الذي كان مشاركًا في اكتشاف إعادة نمو خلايا الشعر في الدجاج، وقال: "من المحتمل أن يكون هذا البرنامج أفضل شيء حدث في هذا المجال، لأنه يجمع أنواعًا مختلفة من الخبرات".

قبل أربع سنوات، قاد ألبرت إيدج - عضو كونسورتيوم وباحث في مختبرات إيتون-بيبودي التابعة لمؤسسة ماساتشوستس العين والأذن - مجموعة من العلماء، الذين أظهروا أن الفئران الصغيرة ذات الأذنين التي تضررت من الضوضاء يمكن أن تجدد خلاياها الشعرية الدقيقة لتستعيد بعض السمع، إذا وصل الدواء إلى الأذن الداخلية بعد وقت قصير من الإصابة بالصمم.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تثبت فيها الثدييات القدرة على تجديد هذه الخلايا. كان الدواء، الذي تم تطويره لعلاج الزهايمر، وتبيّن أنه غير ملائم لذلك، يقمع البروتين الذي يمنع هذه الخلايا من خلق ما يسمى الخلايا الداعمة في القوقعة التي تعمل كما الخلايا الجذعية. وقال روبل: "ما يظهر، بشكل جميل، هو أن هناك شيئًا يمكن أن يعزز تجديد هذه الخلايا، وعلينا معرفة الطريقة فحسب".

الخلايا الداعمة
أخيرًا، نجح إيدج في إنشاء هذه الخلايا الداعمة، بحسب تقرير "نيويوركر". في المختبر، ما يمكن أن ينتج أعدادًا كبيرة من الخلايا الشعرية الحية في أطباق مخبرية، وهذا يسهل الطريق إلى العلاج. قال إيدج: "ربما يكون التقدم في مجال الأذن أقل من التقدم في مجال العين، لكن هناك الكثير من التقدم والاهتمام".

تمكن علماء من التقدم أيضًا على جبهات أخرى، وهي مثلًا إعادة ربط المشابك العصبية. فثمة بحوث أخرى تؤكد إمكانية تضرر أن السمع على مستويات ديسيبل وأوقات تعرض اعتبرت تقليديًا آمنة.

وبيّن الباحثون أن إعادة ربط المشابك العصبية أسهل كثيرًا من تجديد الخلايا الدقيقة العاملة داخل الأذن البشرية. يقول شارلز ليبرمان، المتخصص في تطوير القدرات السمعية: "الأمر يستدعي خلية حسية واحدة وخلية عصبية واحدة، ومن الممكن أن يتم التوصيل المحلي من خلال طبلة الأذن".

نجح ليبرمان وآخرون في استعادة بعض التوصيلات التالفة في الحيوانات المخبرية، ويعتقد أن التقدم الكبير آتٍ لا محالة. قال: "في السنوات الخمس الماضية، حصلت طفرة في شركات التكنولوجيا الحيوية الساعية إلى الحصول على حلول جدية لمشكلات الأذن الداخلية للمرة الأولى".

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن مجلة "نيويوركر".