عندما انطلقت "ريبيكا لو" وحدها على دراجة هوائية من المملكة المتحدة إلى إيران، اعتقد أصدقاؤها أنها فقدت عقلها. ولكن على الرغم من أنها اضطرت إلى تحمل المتحرشين جنسياً، والحر الشديد، والشرطة الصارمة، فإن معظم الناس الذين التقت بهم كانوا بعيدين جداً عن الفكرة النمطية المأخوذة عنهم.

إبتسام الحلبي من بيروت: حين قررت ريبيكا القيام برحلة الـ10000 كلم على متن دراجة هوائية إلى طهران، لم تكن جاهزة تماماً، لكنّ أهدافها كانت سهلة: تنمية عضلات ساقيها وتسليط الضوء على منطقة لطالما أساء الغرب فهمها. أرادت أن تبرهن أنّ دول الشرق الأوسط بعيدة عن العنف والتعصّب وأنّ المرأة بإمكانها أن تجتاز هذه المناطق على الدراجة بأمان.

لم يؤمن الكثيرون بقدرتها على تنفيذ خطتها حتى النهاية، فبعض أصدقائها توقّع موتها والبعض الآخر نعتها بالغباء. لكنّ ذلك لم يهزّ ثقتها، فربما تكون المنطقة غير مستقرّة سياسياً، لكنّ الناس الشرق أوسطيين الذين تعرفهم هم أشخاص ودودون وطيّبو القلب. وهناك، معدلات الجريمة منخفضة ومعاقل الإرهاب معزولة ويمكن تجنبها.

انطلقت في رحلتها التي ستستغرق سنة كاملة في يوليو 2015. وبعد مرور 4 أشهر في مناطق أوروبا، وصلت إلى المرحلة المجهولة المقلقة، مرحلة عبور تركيا، ولبنان، والأردن، ومصر، والسودان، وعمان، والإمارات العربية المتحدة، وإيران.&

الضيافة ورحابة الصدر

لكنّها سرعان ما شعرت بالارتياح، فقد اهتمّ بها سكّان المنطقة &وقدّموا لها المأكل والمشرب والمسكن وسهّلوا تنقلاتها. رحّب بها الجميع، سواء الأغنياء أوالفقراء، الملالي والملحدون، البدو ورجال الأعمال، النساء بالنقاب والرجال بالعباءات. مجتمعات وأشخاص مختلفون جمعتهم صفات الطيبة والفضول ورحابة الصدر.

في السودان، قدّمت لها العائلات أطباق الفول وآوتها في منازلها الحجرية، حتى أنّ أسرة نوبية اعتنت بها بعد أن انهارت أمام عتبة منزلهم تتقيّأ وتهذي بسبب حرّ الصحراء ونقص المياه في جسمها. وكانت هذه أصعب تجربة في رحلتها. في إيران، أحسّت بالضيافة في كل مكان، واختبرت تناقضات كثيرة في بلاد فارس، ففي يومها الأول أنّبتها الشرطة لأنّها خلعت الحجاب عن رأسها في يوم حرّ خانق، وبعد دقائق معدودة، كانت أخت زوجة الشرطي تقدّم لها طبق خورش في بيتها المتواضع.

مشكلات ومتاعب

ولكن بالطبع لم تخلُ الرحلة من المتاعب. فقد واجهت ريبيكا الآفات الجنسية وتعرّضت لتحرّش مستمرّ. في مصر مثلاً، لمس أحدهم مؤخرتها فتعرّض للضرب المبرح من الشرطيين. في الأردن، أمسك سائق شاحنة نهديها وقبّلها، فاضطرت إلى تهديده بسكين صغير. وأثارت هذه الحوادث غضبها وخوفها. لكنّها أدركت أنّ أولئك الرجال ليسوا وحوشاً، بل هم جهلة غير متعلّمين في معظم الأوقات، كما أنّهم مكبوتون جنسياً في مجتمع يرى أنّ العلاقة الحميمة أمراً مخزياً. هم انتهازيون جبناء وليسوا معتدين خبثاء، وكان من السهل إحباط محاولات التحرّش التي تعرّضت لها. في تركيا، كانت زحمة السير خانقة، وفي السودان كان الحرّ لا يحتمل. هذا بالإضافة إلى عدم وجود مراحيض في الصحراء مثلاً. &

ولكن أكثر مشكلة مقلقة كانت سياسية، ففي بعض الأماكن كان القمع واضحاً، ولم يكن أحد يرحّب بالصحافيين الأجانب. حتى أنّها اضطرّت إلى عدم الإفصاح عن مهنتها. وفي مصر حيث النظام عسكري صارم، خضع السياح لمراقبة مشددة وحماية دائمة من الشرطة. في إيران كانت مجالات الحرية أوسع، غير أنّه من غير المسموح للأجانب الجلوس مع أولاد البلد بدون إذن، وإلا فسيتعرّضون لاستجواب قاس. أينما ذهبت، لاحظت أنّ الأمن والقمع يسيطران على الحرية والمعارضة. في تركيا، قتل محامي حقوق الإنسان الموالي للأكراد طاهر إلشي على يد مسلح مجهول بعد أيام قليلة من اجتماعها به. وفي السودان، تعرّض طالبان للقتل في اشتباكات مع قوات النظام ومؤيديه خلال إقامتها القصيرة في الخرطوم. في الأردن ولبنان، كانت مخيمات اللاجئين تكافح بشكل واضح للتعامل مع الأعداد المتزايدة من السوريين الهاربين من الحرب.

وكان الانطباع الراسخ هو أنّ المنطقة في أزمة، تتمزّق بلا أمل بين الطغيان والإرهاب. ومع ذلك، لاح نور في الأفق - وهذا النور هو الشعب. وكما قال عضو في مركز المجتمع المدني والديمقراطية لريبيكا: "ينبغي ألا يحكم علينا العالم بسبب سياستنا"، فهم يكرهون سياسة بلادهم.

الشرق الأوسط مكان محفوف بالمخاطر، ولكن المخاطر هي في المقام الأول سياسية. وبعيدا عن الصراع والإرهاب التي يُسلط الضوء عليها يوميا في وسائل الإعلام، يكمن واقع أوسع نطاقا هو واقع المجتمعات الدافئة والمتعاطفة التي تعيش حياة طبيعية يومية.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير نقلاً عن "بي بي سي". المادة الأصل&منشورة على الرابط التالي:

http://www.bbc.com/news/magazine-39351162