«إيلاف» من لندن:&احتفل الاتحاد الأوروبي قبل اسابيع قليلة بالذكرى الستين لمعاهدة روما، والتي على اثرها تم تأسيس السوق الأوروبية المشتركة رغم انه يمر بعاصفة بريكسيت&وتفعيل المادة 50&لاكمال عملية الطلاق، الا أن استفتاء "إيلاف" كشف بنسبة 42% أن قادة اوروبا يعملون من اجل التكامل والاتحاد المتماسك والمزيد من التعاون،& في حين توقع& 58% أن يؤدي بريكسيت الى تفكك الإتحاد الأوروبي.

وكانت قد توقعت صحيفة ليموند الفرنسية أن بريطانيا ستواجه مفاوضات معقدة مع الاتحاد الأوروبي في عملية الخروج تتعلق بامكانية بريطانيا البقاء في السوق الموحدة ومقدرة بريطانيا على السيطرة على حدودها امام افواج العمالة الأوروبية خاصة من رومانيا وبولندا وبلغاريا.

في حين تقول جريدة فيغارو الفرنسية إن الكرة الآن في ملعب بروكسل للتعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد. وتؤكد الصحيفة أن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي& ستكون مضطرة الى تسويات وسطية لارضاء مؤيدي الخروج في بريطانيا، وهم 52% من الشعب البريطاني الذي يريد الخروج و 48% الذين يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، اضف الى ذلك احتمال تفكك بريطانيا ذاتها اذا نجحت سكوتلاندا في الحصول على استفتاء بشأن الاستقلال.

وترفض بريطانيا سعي الاتحاد الأوروبي لتوحيد الضرائب ورسم سياسة دفاع مشتركة،&والسؤال كيف تستطيع الدول، التي انضمت للعملة الموحدة اليورو، والدول خارج العملة الموحدة، التعايش والتعاون خاصة مع وجود خلافات ونزاعات متعلقة باللاجئين؟!

تدمير اليورو

وهناك من يظن أن بريكسيت سيضر بريطانيا اكثر مما يضر بقية اوروبا، وسيضعف الاتحاد الأوروبي وقد يدمر مشروع اليورو والعملة الموحدة.

فالدول التي تريد تعاوناً&اكبر مع اوروبا& من خلال مشروع الاتحاد الأوروبي دون الانضمام الكامل مثل سويسرا وايسلاندا ودول أخرى مثل أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا، وتسعى للحصول على اتفاقات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، الا أن&الخسارة للاتحاد الأوروبي ولألمانيا على الأخص ستكون خسارة ثالث اكبر اقتصاد اوروبي وهي بريطانيا.

في المقابل، هناك من يرى أن هذه المشاكل لن تكون كافية لتفكيك اوروبا. ولكن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتجاوز المصالح البريطانية والأوروبية.

من وجهة نظر أميركية مثلاً، فإن قرار المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي غير مرغوب فيه، وحذر الرئيس الأسبق باراك اوباما من مغبة الخروج، بينما رحب فيه الرئيس الجديد دونالد ترامب.

وما حدث بالفعل بعد الاستفتاء البريطاني في يونيو&2016 وبعد تفعيل المادة 50 اواخر الشهر الماضي، أن اوروبا استقبلت القرار البريطاني بكثير من الأسف والقلق من خروج عضو قوي وكبير وفاعل من المنظومة الأوروبية. وتعد بريطانيا مهمة ليس فقط للاتحاد الأوروبي، بل ايضًا للولايات المتحدة كشريك، وإنما أيضاً كدولة صديقة يمكن الاعتماد عليها في كثير من الأحيان لدعم مواقف تتفق مع مصالح الولايات المتحدة في بروكسل، أو لدعم مواقف ليست بعيدة عنها على الأقل.

النفوذ الألماني

وهناك من ينظر الى القرار البريطاني بالخروج من الاتحاد الأوروبي بالقرار الخاطئ&أو الخطوة الأحادية التي من شأنها تهميش دورها في القارة الأوروبية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سيعزز النفوذ الألماني أكثر مما هو الحال عليه الآن. ولن تكون هذه الهيمنة الألمانية صحية على المدى الطويل، لأنها سوف تؤجج مشاعر الاستياء من ألمانيا. ومن المرجح أن يصبح الاتحاد الأوروبي أقل استعداداً وقدرة على العمل ككيان على الساحة العالمية. وستكون النتيجة إضعاف أوروبا وربما تفتيتها كما جاء في استفتاء "إيلاف".

ومن ناحية اقتصادية، وبحسب الدراسة التي أجراها معهد الاقتصاد الألماني، كان وقع قرار البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي بمثابة ضربة مؤلمة لقطاع صناعة الأدوية، حيث تراجعت صادراته إلى بريطانيا في النصف الثاني من&عام 2016 بنسبة 19%،&كما تراجعت صادرات قطاع السيارات الألمانية لبريطانيا بنسبة 14%،&وقطاع الصناعات الكيميائية&بنسبة 11%..
كما تراجعت الصادرات الألمانية لبريطانيا في النصف الثاني من عام 2016 بنسبة 7.2% مقارنة بنفس الفترة الزمنية لعام 2015 . ونتيجة للاستفتاء، هبطت قيمة الجنيه الاسترليني، وتبع ذلك هبوط حاد بعد تفعيل المادة 50 اواخر مارس&الماضي بعبارة أخرى وحتى قبل تفعيل المادة 50 تقلصت التجارة البينية بين بريطانيا وألمانيا، ولكن بريطانيا تقول إنها ستعقد اتفاقات تجارية على نطاق عالمي، وليس&اوروبيًا فقط للتعويض عن أي خسارة ناتجة عن خروجها من الاتحاد الأوروبي.&

وثمة العديد من الاسباب قد ترجح احتمالات التشرذم السياسي والاقتصادي مثل أزمة اليورو والتحرك نحو الوحدة النقدية ذات سرعتين، وخروج اسكتلندا من المملكة المتحدة، ورغبة بريطانيا بعمل صفقة للبقاء في السوق الموحدة، وهذا المسعى قد يفشل اضافة الى تعقيدات اتفاقية شنغن للحدود المفتوحة، وتدفق اللاجئين من سوريا، والسؤال اين الفوائد، ومن سيجنيها، وأين التكاليف، ومن سيدفعها؟

وفي الحديث عن تركيا إن معارضة هولندا والمانيا للقادة الاتراك في إلقاء خطابات سياسية للمهاجرين الاتراك زادت حدة التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي. فاوروبا تنظر الى تركيا كدولة تتجه نحو التسلطية وهي تتجه نحو الشعبوية. ولكن اوروبا بحاجة لتركيا في مسألة تدفق اللاجئين، حسب اتفاق منذ عامين.& ولهذا من مصلحة الطرفين التعاون والعمل المشترك..

لذلك، الاتحاد الأوروبي لن يختفي ولكنه بحاجة الى قادة لا يرفعون شعارات فارغة، والتي لا تغيّر شيئاً&بل تقوم بإعادة الحالة الراهنة دون وضع حلول ملموسة للمشاكل اليومية التي يواجها المواطن الأوروبي.

إحباط بريطاني

إن التغيير الجيو سياسي الناتج عن انهيار الشيوعية، واتساع الاتحاد الأوروبي والتدخل في حياة الناس بقوانين ومراسيم ثقيلة خلقت ظاهرة رفض العولمة، والذي يربطه غالبية الناس بالاتحاد الأوروبي.

فانهيار الشيوعية ازال الحوافز للتخلي عن المصلحة الوطنية للمصلحة العظمى أي الاتحاد الأوروبي. وتوحيد المانيا الشرقية مع المانيا الغربية والتحاق دول شيوعية سابقًا بالناتو والاتحاد الأوروبي وكل هذه التغييرات الجيوسياسية، والتي تزامنت مع امتداد نفوذ الاتحاد الاوروبي وخلق العملة الموحدة عام 1999 خلقت توترات وتشنجات في صفوف الدول التي تدفع الفاتورة لهذا التوسع مثل بريطانيا وفرنسا.&

ومن التطورات التي خلقت حالة من عدم الطمأنينة&هي الحدود المفتوحة بين 28 دولة، والتي اعطت شعوراً بالحرية، ولكنها خلقت توترات في الدول التي استلمت اعدادًا هائلة من العمالة مثل بريطانيا، اضف الى ذلك تدفق اللاجئين السوريين.

لذلك أظهر الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي للسطح الاحباطات التي يشعر بها البريطانيون، وهي باختصار ان الاتحاد الأوروبي لم يجلب الرخاء والازدهار، بل البطالة، والرابح الوحيد هي البنوك والمؤسسات المالية.

واستفاد بعض السياسيين&من هذا الاحباط بوضع اللوم على الاتحاد الأوروبي لفشل الحكومات البريطانية بتوفير الأمان الاقتصادي. وحتى ان الاحزاب العامة الكبيرة ركبت موجة الشعبوية بضغط من حزب الاستقلال البريطاني& UKIP يوكيب، بسبب أن بريطانيا تخسر استقلاليتها وديمقراطيتها.

وبالتطرق الى حرية الحركة، فلقد اثارت كثيراً من الجدل وكانت سببًا قوياً في التصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، وقد عبّر وزير العدل البريطاني المحافظ، دومينيك راب، وغيره من السياسيين عن دعمهم للخروج بتصريحات للصحف البريطانية، محذرين&من أن&البقاء في الاتحاد&"سيعطي المزيد من الأجانب مزيداً من حرية الحركة". وأضافوا: "من الصعب القيام بأي خطوة بسبب المعاهدات الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".

الاستفتاء يعكس الانقسام داخل اوروبا

باختصار، عكس استفتاء «إيلاف» الانقسامات في الرأي العام الاوروبي، &أي ان الغالبية تبدو متشائمة وتعتقد أن خروج بريطانيا سيؤدي الى اضعاف الاتحاد الأوروبي وشرذمته وتفكيكه ونسبة كبيرة ايضاً (حوالي 42% في استفتاء "إيلاف") تعتقد ان الاتحاد الأوروبي سيستمر وبقوة وهذا التفاؤل يعكسه الاستفتاء البريطاني، حيث صوّت 48% للبقاء في الاتحاد الاوروبي القوي والناجح اقتصاديًا. ولكن معظم الدراسات تشير الى ثلاثة احتمالات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. &الاحتمال الأول،&التفكك والشرذمة والضعف في توازن القوى اقتصادياً وسياسياً، وفي السياسة الأمنية الخارجية والداخلية في الاتحاد، وكذلك انقسامات وتشجيع دول أخرى على الخروج من الاتحاد الأوروبي مثل ايطاليا واليونان وحتى فرنسا، اذا ربح اليمين المتطرف الانتخابات المقبلة. والاحتمال الثاني هو تغيير طفيف واستمرار الاتحاد بقوة كما كان وستصبح ألمانيا القوة العظمى في هذا الاتحاد بلا منازع، ولكن من المتوقع ان تظهر توترات على السطح بين الدول التي تريد انصهاراً كاملاً، وتلك التي تريد نوعاً من الاستقلالية. اما الاحتمال الثالث فهو زيادة التعاون والاندماج وتعزيز الوحدة بين الدول الاعضاء، ولنجاح هذا الاحتمال يجب ان تكون&هناك حالة من الانسجام بين أقوى دولتين في الاتحاد المانيا وفرنسا للاستمرار في التعاون الاقتصادي والعسكري ودون الحاجة الى بريطانيا.

ولكن هل سيؤدي خروج بريطانيا الى مزيد من التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول المتبقية في الاتحاد أم يؤدي الى نشر عدوى الاستفتاءات للخروج؟