يسعى السياسيون المخضرمون داخل الإدارة الأميركية إلى تصويب السياسة الخارجية، وإعادة أميركا بقوة إلى لعب الدور المركزي في مجمل المتحركات الدولية.

واشنطن: في ظل حالة الاضطراب المستمرة في البيت الأبيض وأجهزة سياسته الخارجية تحت إدارة ترامب، يواصل المسؤولون الاميركيون المخضرمون والدبلوماسيون الاجانب محاولة تقييم الاتجاه الذي تسلكه السياسة. ابتداء من التفافها 180 درجة في قضية سوريا، وصولاً إلى النضالات بين كبار المسؤولين النافذين من أجل التفوق والتماسك في صنع السياسات. 

بينما يصبّ التركيز هذا الأسبوع على سوريا، كان الارتباك سائدًا في ما يتعلّق بالسياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة السابقة، وقد جاءت زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، "لطمأنة الحلفاء، خلافًا لما كان يحدث في فترة إدارة أوباما، بأنّهم كانوا شركاء بارزين للولايات المتحدة"، على حد تعبير أحد مسؤولي وزارة الخارجية.

وفي حين أن معظم الزوار كانوا ممتنين لهذا الاحتضان، الذي افتقر إليه نهج الإدارة السابقة، رأى أحد الدبلوماسيين في الشرق الأوسط، أن هذا تأرجح آخر في سياسة الولايات المتحدة. وقال: "احتضنتنا ادارة بوش لثماني سنوات، وقام اوباما بإبعادنا خلال السنوات الثماني التالية. والآن يحتضننا ترامب مجددًا. وأنا أرى أنه بعد ثماني سنوات من الآن سوف نتعرّض للرفض مرة أخرى".

الفرصة الأفضل

بعد اللقطات المروعة لهجوم الأسلحة الكيميائية في سوريا، التي دفعت الرئيس إلى تغيير رأيه بشكل جذري حول الطريقة التي يجب أن تنظر الولايات المتحدة فيها إلى نظام الأسد، وأدت بسرعة إلى غارة جوية رمزية ضد المنشأة التي تم إطلاق الهجوم منها، سارع المسؤولون الأميركيون وحلفاء أميركا لمواكبة السياسة المتغيرة بمزيد من التأييد والدعم. 

وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون شرع في ما يعتقد البعض أنه شبيه بمهمة الوزير السابق "جون إف" المثالية الخيالية لإقناع روسيا بإيجاد حل سياسي للحرب الأهلية السورية المستمرة. ويقول مؤيدو هذا النهج إن روسيا سوف "تشعر باللهب الحارق" بعد "قلّة كفاءتها أو عدم تأنيها"، وفقاً لتيلرسون، في ممارسة مسؤولياتها لجعل سوريا، بموجب اتفاق توسطت فيه موسكو، خالية من العوامل الكيميائية. وصرّح مسؤول اميركي: "هذه افضل فرصة لنا لبدء عملية وضع اتفاق يخص سوريا".

بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الذين يروّجون لظهور رئيسهم، يرون أنه يشغّل الروس بطريقة منهجية، لأن موسكو تشعر بضغوط متزايدة للانفصال عن بشار الأسد الخارج على القانون. ويعترض آخرون قائلين إن الروس قد يحاولون أن يبدوا صريحين ولكن على أساس السلوك السابق للرئيس فلاديمير بوتين، فالولايات المتحدة، على حد تعبير أحد المحللين المخضرمين، "ستتعرَّض على الأرجح للخداع مرة أخرى".

فرض النظام

لكن، على الأقل حتى الآن، يبدو أن بعض جوانب أجهزة السياسة الخارجية هي المهيمنة: تيلرسون، على الرغم من عدم وجود كبار الموظفين، يعرض صفاته بشكل واضح. وفي مجلس الأمن القومي، يؤكد الجنرال هـ. ك. ماكمستر، نفوذه على فريق جمعه مايكل فلين المخلوع الآن. وعلاوة على ذلك، وفقا لمصادر موثوقة، يعمل على إبقاء موظفي مجلس الأمن القومي بعيدًا عن الأعمال اليومية لإدارة الشؤون الخارجية، كما كان يحصل تحت إدارة أوباما، وتسليم التنفيذ إلى كل من وزارة الخارجية والدفاع. وأخيرا، ربما قام العضو الأكثر تأثيرا واحتراما في فريق السياسة الخارجية لترامب، وزير الدفاع جيمس ماتيس، برفع مكانته إلى حد كبير من خلال تنظيم الهجوم على قاعدة جوية سورية. وهذا ما دفع دبلوماسي اوروبي إلى القول: "بدأت الحكومة الأميركية تبدو حكومة تقليدية". 

يتطلّب الأمر جميع مهارات أولئك الذين يقدّرون الحكم السائد، لفرض النظام في إدارة لا يزال زعيمها يصدر الأوامر عبر تويتر. ويعتقد معظم المراقبين أن التحول في السياسة السورية كان يمليه رئيس مهووس بصور مرئية. ومن المسلّم به على نطاق واسع أن هذا النوع من العمل المتسرع لا يُعتبر في كثير من الأحيان، كما في حالة سوريا، عقلانيةً في اتخاذ القرارات. 

علاوة على ذلك، فإن نزعة الإدارة إلى عدم التحضير بجدية للإجراءات الرئيسة قد يؤدي، في رأي المسؤولين المخضرمين، إلى كارثة. ومثال على ذلك قدّمه أحد المسؤولين في هذا الأسبوع، هو عدم الاستعداد لغزو "عاصمة" داعش، الرقة. "فالقوات البرية المعيّنة للاستيلاء على الرقة سيقودها الأكراد السوريون. وبرأي تركيا، حليفتنا في حلف شمال الاطلسي والبلد الكبير المجاور لسوريا، الأكراد يشكّلون امتدادًا لمتمردي حزب العمال الكردستاني المحظور، والذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة ارهابيًا". الا ان مسؤولين في الادارة امتنعوا عن ابلاغ انقرة بهذا القرار لأنهم لا يريدون نشره قبل اجراء الاستفتاء حول توسيع السلطات التي يتمتّع بها الرئيس رجب طيب اردوغان، وما يثير قلق المحللين منذ وقت طويل أيضًا، هو تحديد خطط للسيطرة على الرقة بعد استعادتها.