القاهرة: يتوجه البابا فرنسيس الجمعة الى القاهرة لتأكيد تضامنه مع الأقباط، اكبر مجموعة مسيحية في الشرق الاوسط تعرضت خلال السنوات الأخيرة لاعتداءات دامية، ولإقامة جسر جديد مع المسلمين.

وقال البابا في رسالة مسجلة عبر الفيديو توجهت الى المصريين الثلاثاء، "آمل أن تشكل زيارتي تثبيتًا وتشجيعًا لكل المسيحيين في الشرق الاوسط"، مشيرًا في الوقت نفسه الى رغبته بتقديم "مساهمة فاعلة في الحوار الديني مع العالم الاسلامي".

وقال البابا فرنسيس إن العام "الذي يمزقه العنف الاعمى" يحتاج الى "السلام والحب والرحمة".

ويزور البابا مصر ليومين وسط اجراءات أمنية مشددة، في وقت تشهد البلاد حالة طوارئ أعلنت بعد الاعتداءين الداميين على كنيستين قبطيتين في التاسع من ابريل.

على الرغم من ذلك، رفض البابا التنقل في سيارة مصفحة، حسب ما قال المتحدث باسم الفاتيكان غريغ بورك، مؤكدًا انه لا يشعر بالقلق، بفضل الخطة الامنية التي وضعتها وزارة الداخلية المصرية.

وسيلتقي البابا البالغ من العمر ثمانين عامًا، الجمعة، الإمام الأكبر لجامع الأزهر الشيخ أحمد الطيب، الاستاذ في الفلسفة الاسلامية البالغ من العمر 71 عامًا، والذي ينتقد التطرف الاسلامي بشدة. وكان الشيخ الطيب زار الفاتيكان في مايو بعد عشر سنوات من برودة في العلاقات بين الجانبين.

مؤتمر من أجل السلام&

وتنظم جامعة الأزهر الجمعة مؤتمرًا دوليًا حول السلام سيتحدث البابا خلاله، بعد كلمة الشيخ الطيب.

ويلتقي البابا فرنسيس الجمعة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يتعرض لانتقادات في الخارج تأخذ عليه حصول انتهاكات لحقوق الانسان في عهده. الا ان السيسي اعتمد نوعًا من سياسة الانفتاح تجاه المسيحيين المصريين منذ وصوله الى الحكم في 2014. وكان أول رئيس مصري يشارك في قداس لمناسبة عيد الميلاد في 2015.

ووعد الرئيس المصري الاقباط بملاحقة المسؤولين عن تنفيذ الاعتداءين، اللذين تبناهما تنظيم الدولة الاسلامية ضد كنيستي طنطا والاسكندرية، واللذين تسببا بمقتل 45 شخصًا في التاسع من ابريل.

كما سيلتقي البابا الجمعة بابا الاقباط الارثوذكس تواضروس الثاني، وسيتوجه معه الى كنيسة القديسين بطرس وبولس في القاهرة، التي قتل فيها 29 شخصًا في اعتداء في شهر ديسمبر.

وسيخصص البابا السبت للشق الرعوي من زيارته. إذ يحيي خلاله قداسًا، ويلتقي الاقلية الكاثوليكية التي يبلغ عدد افرادها في مصر اقل من 300 الف.

ويمثل الاقباط نسبة عشرة في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 92 مليونًا. ويعود وجودهم الى العصور الاول للمسيحية. وكانوا لا يزالون أكثرية في مصر في القرن الثاني عشر، بحسب ما يقول الاب سمير خليل المتخصص في الدراسات الاسلامية المسيحية في المعهد البابوي الشرقي في روما.

مواطنون درجة ثانية

ويقول خليل المولود في مصر إن وضع الاقباط "تغيّر منذ حوالى عشر سنوات، نتيجة الحملة التي قام بها الاخوان المسلمون، الذين حضّوا الناس على مناهضة المسيحيين".

ويشير الى ان إيراد الطائفة على وثائق الهوية المصرية يزيد من تعقيد وضعهم، إذ يعتبر كثيرون من الاقباط انهم مبعدون عن وظائف اساسية في البلاد بسبب انتمائهم الديني. ويقول إن "المسيحيين يطالبون باعتبارهم مواطنين على قدم المساواة، لا مجرد اقلية" في بلد يرد ذكر الاسلام في دستوره.

كذلك يندد اسقف كبير في الفاتيكان أن يكون المسيحيون "مواطنين درجة ثانية" في مصر، يواجهون "إرهابيين" يريدون "أن يثبتوا ان العيش على قدم المساواة معهم مستحيل".

وتهدف زيارة البابا خصوصًا الى تمتين العلاقات بين الازهر والفاتيكان التي شهدت توترًا في 2006 بسبب تصريحات للبابا بنديكتوس السادس عشر بدا وكأنها تربط الإسلام بالعنف.

وقال الاسقف الكاثوليكي في روما إن الحوار الديني مع الاسلام بعد عقود من الجهود لا يزال يقتصر "الى حد كبير على النخب". الا انه يضيف "اذا كان الحوار قائمًا، فهذا إنجاز بحد ذاته".

ويشكل المسيحيون المشرقيون المتجذرون في الشرق الأوسط منذ بدايات المسيحية، أقليات تواجه نزاعات إقليمية دموية، وهذه خريطة تواجدهم في المنطقة:

مصر&

يشكل الأقباط الأرثوذكس أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط وواحدة من الأقدم بينها. وهم يشكلون عشرة في المئة من بين 92 مليون مصري، ويتواجدون في جميع أنحاء البلاد، ويتركزون بشكل أكبر في وسط مصر. وتمثيلهم في الحكومة ضعيف، وهم يشكون من أنهم مهمشون.

وكان الأقباط منذ فترة طويلة هدفًا لأعمال العنف التي تفاقمت منذ ظهور منظمات جهادية مثل تنظيم داعش.

العراق&

يمثّل الكلدانيون غالبية المسيحيين في العراق. وكانت هذه الطائفة تضم قبل سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 اكثر من مليون شخص، بينهم اكثر من 600 ألف في بغداد، وبقي منهم اليوم أقل من 350 ألف شخص، بعدما اختار كثيرون طريق الهجرة.

وفرّ&العديد من المسيحيين العراقيين من أعمال العنف التي أدمت البلاد، خصوصًا بعد الهجوم الذي شنه تنظيم داعش&بدءًا من صيف العام 2014 في العراق، واستهدف خصوصًا الاقليات الدينية.

واحتل تنظيم داعش&في اكتوبر 2016 قرقوش، أبرز البلدات المسيحية التي استعادتها أخيرًا القوات العراقية، وتحاول لملمة جراحها.

سوريا&

شكّل المسيحيون في سوريا 5 إلى 9 في المئة من أصل 22 مليون نسمة قبل الحرب.

وبقي المسيحيون إلى حدّ كبير بعيدين عن الصراع، لكنّ كثيرين منهم أعلنوا ولاءهم للرئيس بشار الأسد، خصوصًا بسبب خوفهم من بعض الجماعات الإسلامية المعارضة.

وقد تم استهدافهم من تنظيم الدولة الإسلامية بعمليات خطف جماعي وتدمير كنائسهم ورموزهم.

وبحسب مطران الكلدان في حلب انطوان أودو، فإنّ نصف مسيحيي سوريا البالغ عددهم 1,5 مليون نسمة، غادروا البلاد.

لبنان

يشكّل المسيحيون في لبنان، وغالبيتهم من الموارنة، ثاني أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط بعد أقباط مصر. ولبنان الذي تُقسم السلطة فيه على أساس طائفي، هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يرأسه تقليدياً رئيس مسيحي.

ومنذ الاستقلال في العام 1943، يضمن النظام السياسي مناصفة فريدة من نوعها في المنطقة بين المسلمين والمسيحيين، في حين أصبح المسيحيون على مرّ العقود أقلية تشكل نسبة 34 في المئة تقريبًا من سكان البلاد.

الأراضي الفلسطينية واسرائيل&

في الضفة الغربية المحتلة والقدس، هناك زهاء خمسين الف مسيحي يعيشون بشكل أساسي في بيت لحم ورام الله.

وباتت بيت لحم المعروفة بأنها مهد المسيح وفقا للتقليد المسيحي، والتي كانت تضم غالبية مسيحية منذ نحو نصف قرن، تضم حاليا غالبية من المسلمين. وللمسيحيين دور محوري في القطاعات المهمة في الاقتصاد الفلسطيني.

في قطاع غزة، ينخفض عدد المسيحيين بصورة منتظمة، وخصوصًا منذ استيلاء حركة حماس الاسلامية على السلطة في العام 2007.

وتضم إسرائيل حوالى 160 الف مسيحي (2 بالمئة من السكان)، 80 بالمئة منهم ينتمون إلى الأقلية العربية.

الاردن&

يمثل المسيحيون 6 بالمئة من المجتمع الاردني، الذي يُقدر عدد سكانه بـ9,5 ملايين&نسمة. ويشغل مسيحيون مناصب في الدولة، ويحق لهم بأن يكونوا ممثلين في البرلمان.