شهدت العاصمة المغربية الرباط اليوم الثلاثاء انطلاق الدورة الثانية للمؤتمر الدولي حول التعليم الأولي المنظم من طرف مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة، تحت شعار "تعميم التعليم الأولي بالمغرب: مابين الإنصاف والجودة"، وذلك تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس. 

نادية عماري وعبد الله التيجاني من الرباط: أعلن وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي المغربي محمد حصاد، أن الغالبية الساحقة من أطفال القرى والبوادي المغربية لا يستفيدون من التعليم الأولي، مؤكدًا أن المرحلة السابقة شهدت تقصيرًا في ضمان الولوج للتعليم الأولي لجميع الأطفال المغاربة، الأمر الذي يمثل أول انتقاد من حصاد للقطاع الذي تولى تدبيره بعدما كان وزيرًا للداخلية في الحكومة السابقة.

وقال حصاد إن ورش إصلاح التعليم يشكل تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى الدولة والمجتمع. وأعرب عن تفاؤله بنجاح المغرب في إصلاح التعليم، حيث قال "أنا مقتنع بأن المغرب سينجح في هذه الورش باعتبار تتبع الملك محمد السادس لهذا الملف".

محمد حصاد يلقي كلمته 

وشدد وزيرالتعليم العالي على محورية التعليم الأولي في "تقليص الفوارق وتحقيق النجاح المدرسي"، متعهدًا بأن الدولة ستتحمل 80 بالمائة من التعليم الأولي، وذلك بتنسيق مع الجماعات المحلية (البلديات)، وأضاف بأن هذا المستوى التعليمي "لا يمكن تركه كله للقطاع الخاص". كما اعتبر حصاد أن التعليم الأولي "مرحلة حاسمة في النمو المعرفي للأطفال، ويسهل الانتقال من التربية الأسرية إلى متطلبات التعليم الأساسي النظامي".

ودعا حصاد إلى تضافر المزيد من الجهود في السنوات المقبلة لتغطية التعليم الأولي لجميع الأطفال المغاربة، معتبرًا أن تحقيق ذلك يتطلب استراتيجية مستعجلة وتبني سياسة تعليمية أولية "حقيقية تنهل من تجارب الدول الناجحة في المجال"، لافتًا إلى أن الملف يحتاج ميزانية "ضخمة لتأهيل 100 ألف مربّ ٍوتوفير التجهيزات الضرورية"، موضحًا أن مرحلة التعليم الأولي من شأنها إعداد الأطفال للمرحلة الابتدائية عبر استهداف تنمية الكفاءات الأساسية للطفل ومهاراته اللغوية والتركيز على الأنشطة الحسية الحركية والتربية الفنية.

وتميز اليوم الأول من المؤتمر بتدخل فاعلين وخبراء مغاربة مهتمين بمجال التعليم الأولي، والذين أجمعوا على أهميته باعتباره مرحلة أساسية يمر منها الأطفال قبل التحاقهم بالتعليم الأساسي سواء في المدن أو القرى.

برنامج وأهداف
في هذا السياق، قالت ليلى مزيان بنجلون، رئيسة مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة إن المغرب يولي أهمية كبرى للتعليم الأولي، من خلال مختلف الإصلاحات التي باشرها في مجال التكوين منذ مدة، كما اعتبرت أن المؤسسة أخذت على عاتقها العمل بشكل مكثف في هذا المجال، انطلاقًا من برنامج Medersat.com سنة 2001 والذي يهم إدماج التعليم الأولي في مؤسسات تعليمية، مع اعتماد منظور هندسي ملائم ومعدات مدرسية كافية لإنجاح المشروع.

وقالت "نحن الآن فخورون بالنتائج المحصل عليها، حيث تجاوز معدل بقاء الأطفال في التعليم الأولي إلى نهاية المرحلة الابتدائية 98 %، مع تسجيل ما يقارب 90% بالنسبة إلى تعليم الفتيات في العالم القروي، فمجموع الأطفال المستفيدين من الخدمات المقدمة في التعليم الأولي، والتي تم إدماجها في 63 مدرسة تهمّ بالأساس الأوساط القروية الهشة، والموزعة على مجموع التراب الوطني منذ 17 سنة وصل إلى حوالى 28350 طفلًا، نصفهم إناث". 

وأشارت مزيان بنجلون إلى أن هؤلاء الأطفال تم التكفل بهم على المستوى الدراسي من طرف مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة، من خلال عمليات المتابعة التي أسفرت عن نتائج دراسية جيدة ومستوى تعليمي متميز.

وعن الأهداف المتوخاة من تنظيم المؤتمر الدولي حول التعليم الأولي في نسخته الثانية بالرباط، أفادت بنجلون أنه أضحى من الضروري أن تشارك هذه التجربة الناجحة مع فاعلين آخرين، وأن يتم إغناؤها من طرف مهتمين منهم وزارة التربية الوطنية والتي تهتم بإصلاح مجال التعليم، وتعميمه، خاصة في المناطق النائية، والتي تعاني من التهميش والهشاشة الاجتماعية.

مجهودات الدولة
من جهته، استعرض بنداود مرزاقي، المدير المكلف مجال الارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي والأولي في وزارة التربية الوطنية التوجيهات الملكية في هذا الشأن، ومنها على سبيل المثال مقتطفًا من الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة العاشرة للمؤتمر الوطني حول حقوق الطفل بتاريخ 25 مايو 2004.

كما استحضر مختلف المجهودات التي تم من خلالها تسليط الضوء على التعليم في المغرب ومحاولة النهوض بالقطاع، ومنها الميثاق الوطني للتربية والتعليم لسنة 2000، المخطط الاستعجالي 2009 - 2012 وكذا الرؤية الاستراتيجية 2015 - 2030.

وحول التحديات التي تعترض مسار تطوره، اعتبر مرزاقي أن قطاع التعليم الأولي يتعرض للهيمنة بسبب تدخل الفاعلين الخواص، إضافة إلى المشكل الذي يهم تكوين المعلمين والمعلمات، وكون الاستثمار يهم المناطق الميسورة على حساب الفقيرة والهشة، مسجلًا وجود مساهمة ضعيفة للمجتمع المدني في مجال التعليم الأولي.

كما اعتبر المتحدث أن عدد الأطفال الذين يتابعون تعليمهم بالتعليم الأولي ارتفع إلى 658789 طفلًا، مع وجود 291728 أنثى.

إطار للتعليم الأولي بشراكة مع اليونيسف
وأكد فؤاد شفيقي، مدير المناهج في وزارة التربية الوطنية أن الإطار المرجعي التربوي للتعليم الأولي بالمغرب، والذي تم بشراكة مع اليونيسف سيكون جاهزًا خلال الموسم الدراسي 2017 2018، ويمثل ثمرة مجهود فريق تربوي تم تحت إشراف مديرية المناهج، وضم متخصصين وباحثين بمشاركة مكونين في التعليم الأولي، والذي استمر زهاء 3 سنوات.

وحول اختيار منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" لكي تكون شريكة في وضع هذا الإطار المرجعي، عزا شفيقي هذا الأمر إلى عدم وجود عدد كبير من الباحثين المغاربة المهتمين بالموضوع، موضحًا أن وضع هذه المقاربة يستدعي البحث عن خبراء دوليين للاستعانة بهم، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يتم من خلالها تعاون من هذا النوع، حيث سبقته شراكة أخرى في موضوع مختلف يتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال.

وأكد المتحدث أن التحدي لا يزال مطروحًا للنقاش حول تكوين العاملين في مجال التعليم الأولي، بحيث يشكل العامل الزمني مشكلًا حقيقيًا حينما يمتد لشهور، وهو ما يصعب على المكونين نهجه والتحسين من أدائهم التربوي، بالنظر إلى عدم إمكانية تركهم لعملهم لمدة طويلة، ليصبح من الضروري اختصار المدة الزمنية في يوم أو يومين أسبوعيًا.

يشار إلى أن المؤتمر الدولي حول التعليم الأولي في نسخته الثانية يمتد ليومين، كما تم تنظيمه بشراكة مع وزارة التربية الوطنية المغربية والمجلس الأعلى للتعليم، ويتميز بحضور خبراء وفاعلين مغاربة وأجانب.