تونس: باشرت تونس منذ الثلاثاء حملة مداهمات واعتقالات في صفوف متهمين بالفساد والتهريب وتمويل احتجاجات عنيفة في جنوب البلاد، وسط دعوات أحزاب ووسائل اعلام ونشطاء ومنظمات، حكومةَ يوسف الشاهد إلى "إعلان الحرب على الفساد والفاسدين".

وقال الشاهد خلال مؤتمر صحافي مساء الاربعاء "في الحرب على الفساد ليست هناك خيارات، إما الفساد وإما الدولة، إما الفساد وإما تونس. وأنا مثل كل التونسيين اخترت الدولة، اخترت تونس". واضاف "اريد ان اطمئن كل التونسيين، واقول لهم إن الحكومة ستخوض المعركة ضد الفساد إلى النهاية".

وكان مسؤول كبير قال لفرانس لفرانس برس ان السلطات "باشرت منذ الثلاثاء وبموجب قانون الطوارئ (المطبق منذ أكثر من عام ونصف عام) عمليات دهم وتوقيف شخصيات ضالعة في الفساد والتهريب والتآمر على الامن القومي".

وأفاد المسؤول طالبا عدم ايراد اسمه "تم القبض على (رجال الاعمال) شفيق جراية وياسين الشنوفي ونجيب بن اسماعيل، ورضا العياري المسؤول في الجمارك ووضعهم تحت الاقامة الجبرية". ولفت الى ان عمليات الدهم والتوقيف "ستتواصل في الساعات المقبلة".

وأوضح ان الموقوفين "تورطوا في جرائم فساد وتهريب، وفي المساس بأمن الدولة". ولاحظ انه تم توقيف نجيب بن اسماعيل في منطقة بن قردان (جنوب) الحدودية مع ليبيا عندما كان "يحاول الهرب". وتابع أن الموقوفين "حرضوا ومولوا احتجاجات (عنيفة حصلت الاثنين) في منطقة الكامور من ولاية تطاوين (جنوب)، ومناطق أخرى".

وداهمت قوات الامن الليلة الماضية منزل شفيق جراية في منطقة "ضفاف البحيرة" الراقية في شمال العاصمة تونس، وفق المصدر نفسه.

حيتان كبيرة
والشنوفي وبن اسماعيل جمركيان سابقان دخلا عالم الاعمال، أما العياري فانه ضابط برتبة عقيد في الجمارك. وترشح الشنوفي للانتخابات الرئاسية في 2014.

وكان جراية بائع خضر متجولا في صفاقس (وسط شرق) ثم اصبح بفضل "ذكائه" رجل أعمال يدير "مشاريع في أربع قارات بمئات المليارات" حسبما اعلن خلال مشاركته يوم 23 أكتوبر 2016 في برنامج تلفزيوني.

وقال جراية يومها انه "تعوّد" على وصفه بـ"رمز من رموز الفساد" في تونس معتبرا انه يتعرض لعملية "شيطنة". وأضاف انه من "مناصري" ومموّلي حزب "نداء تونس" (اسسه الرئيس الباجي قائد السبسي) الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي. وتتهم وسائل اعلام وسياسيون جراية بـ"اختراق" أجهزة عدة في الدولة مثل القضاء والأمن والبرلمان، ووسائل اعلام محلية، وهي اتهامات وصفها، خلال مشاركته في البرنامج التلفزيوني المذكور، ب"الترّهات".

وتحت عنوان "هل هي بداية النهاية للحيتان الكبيرة؟" نوهت جريدة "المغرب" باعتقال الشنوفي وجراية معربة عن الامل في أن تكون بداية "حرب جدية ومتواصلة على شبكات الفساد". وفي 16 ابريل الماضي اعلن يوسف الشاهد ان الفساد "مافيا موجودة في أركان الدولة" ووعد ب"إسقاط رؤوسه".

تمويل الاحتجاجات
قال مبروك كورشيد وزير الدولة المكلف بالشؤون العقارية مساء الثلاثاء ان "بعض" المشاركين في اعمال عنف وتخريب ومواجهات مع قوات الامن حصلت الاثنين في تطاوين "ينتمون الى شبكات فساد كبرى". وأضاف في مقابلة مع تلفزيون "نسمة" الخاص ان "الفاسدين الذين يخوضون معاركهم بإرادة وعزيمة هذا الشباب (المتظاهرين) يجب ان نتصدى لهم".

والاثنين قتل متظاهر صدمته سيارة درك عن طريق "الخطأ" قبالة منشأة نفطية في الكامور خلال مواجهات بين قوات الامن ومعتصمين يطالبون بتوظيف آلاف من العاطلين في حقول النفط والغاز في صحراء تطاوين.

ويومها استخدمت قوات الامن الغاز المسيل للدموع لمنع المتظاهرين من دخول المنشأة، في سابقة منذ ان كلّف الرئيس الباجي قايد السبسي في العاشر من مايو، الجيش حماية حقول النفط والغاز ومناجم الفوسفات من أي تحركات احتجاجية قد تعطل انتاجها.

ومساء الثلاثاء اعلن خليفة الشيباني المتحدث باسم الحرس الوطني (الدرك) في مقابلة مع تلفزيون "الحوار التونسي" الخاص ان مهربين خصصوا سيارات وشاحنات لنقل مئات الأشخاص الى الكامور وزودوهم بالأموال والمؤونة حتى يعتصموا داخل خيام في تلك المنطقة التي تبعد نحو 150 كلم عن مركز ولاية تطاوين.

وكانت مجموعة الازمات الدولية في تقرير بعنوان "الانتقال المعطَّل: فساد ومناطقية في تونس" نشرته في العاشر من الشهر الحالي من "تنامي نفوذ رجال الظل في التحركات الاحتجاجية" بالمناطق الداخلية التونسية. 

ولفتت المنظمة الى ان "بارونات الاقتصاد الموازي وخصوصا التهريب" على الحدود مع ليبيا والجزائر راكموا "مليارات الدولارات" بعد الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي في مطلع 2011، وأن بعضهم "ساند" احتجاجات عنيفة بالمناطق الداخلية.

القائمة طويلة
وقال يوسف بلقاسم المسؤول في منظمة "أنا يقظ" الفرع التونسي لمنظمة الشفافية الدولية لفرانس برس "لقد فوجئنا وسعدنا في آن واحد، بتوقيف أسماء كبيرة من بارونات الفساد والتهريب". وأوضح "فوجئنا لأننا كنا نعتقد أن هذه البارونات اشترت لنفسها حصانة بعدما موّلت الحملات الانتخابية للأحزاب الحاكمة اليوم".

وأضاف "نتمنى ان تكون هذه أول خطوة جدية نحو +إعلان الحرب على الفساد والفاسدين+ مثلما صرح رئيس الحكومة عندما تسلم مهامه (في 2016)، وليس مجرد حلم سرعان ما ينتهي، او محاولة لذر الرماد في العيون أو لتهدئة الاحتجاجات الحالية في تطاوين ومناطق أخرى".

وبحسب مجموعة الازمات الدولية، تواجه حكومة يوسف الشاهد "تعطيلات منهجية" في محاربة الفساد من اطراف لم تحددها.
والاربعاء، رحب حزب "آفاق" الشريك في الائتلاف الحكومي في بيان بتوقيف "بعض رموز الفساد" معتبرا أنها "البوادر الأولى لانطلاق الحرب على الفساد والمفسدين". ودعا الحزب الحكومة و"كل هياكل الدولة" الى "حشد كل طاقاتها وإمكانياتها للمضي قدما في هذه الحرب الصعبة".