يعتبر مرض انفصام الشخصية، أو الشيزوفرينيا، من الأمراض الواسعة الانتشار بحكم اصابة انسان جديد من كل 10 آلاف شخص سنويًا.&

إيلاف من برلين:&لا يعرف مرض انفصام الشخصية حدوداً بين فقير وغني، أو امرأة ورجل، أو شرق وغرب، لأن نسبة الاصابة به واحدة في كل هذه المجالات على المستوى العالمي.

ومن الصعوبة بمكان معالجة انفصام الشخصية بعد تفاقمه، ويراهن الطب منذ سنوات على تقنيات جديدة لمنع تقدمه، خصوصاً وان ضحاياه هم من الشباب بين العشرين والثلاثين من عمرهم.

ويقول العلماء الألمان من عيادة "شاريتيه برلين" انهم توصلوا إلى إمكانية عملية للكشف المبكر عن المرض، ومن ثم وقف تقدمه بواسطة التحفيز الكهربائي الخارجي لمناطق معينة في مقدمة الدماغ. وكتبت البروفيسورة كريستينا فنتر، من قسم الأمراض النفسية والعقلية، في مجلة "علم الأمراض العقلية الجزيئي" انهم توصلوا إلى نتائج ايجابية في تجاربهم على فئران المختبر.

وأكدت الباحثة فينتر أن فريق العمل الذي تقوده انطلق من قناعة بأن مرض الشيزوفرينيا عبارة عن اختلال في نمو الدماغ يبدأ في مرحلة مبكرة من الشباب، إلا ان ظهور أعراضه يتأخر لسنوات طويلة بعد ذلك تجعل من الصعب معالجته.&

ولا شك أن تأخر ظهور الأعراض يعني تأخر التشخيص، وبالتالي التأخر في بدء العلاج. ولهذا فقد ركز فريق العمل على كشف العلامات الأولى لظهور المرض في الدماغ، ومن ثم معالجته مبكراً، وبالتالي وقف تفاقمه كحالة مستعصية.

تغيّرات في قشرة الفص الدماغي الأمامي

في تجاربهم المختبرية على الفئران، وباستخدام عدة أساليب، رصد العلماء تغييرات أولية تنذر بنشوء حالة فصام الشخصية تجري في مناطق معينة من قشرة الفص الأمامي في الدماغ. وثبت فعلاً أن هذه التغيّرات أدت بعد فترة في الفئران إلى ظهور الأعراض المعروفة لمرض الشيزوفرينيا.&

ويعرف الطب منذ فترة بوجود علاقة باثولوجية-نفسية لمناطق الفص الدماغي بمرض الشيزوفرينيا، إلا ان العلماء لم يتيقنوا مختبرياً من ذلك حتى الآن. وما حققته فينتر وزملاؤها هو انهم حددوا هذه المناطق أولاً، ثم تدخلوا في نموها.

وفي خطوة مختبرية لاحقة، حفز الأطباء مناطق قشرة مقدمة الدماغ في هذه الفئران، وهي فئران شابة معرضة لمرض الشيزوفرينيا ولكنها لم تبدي أعراض المرض بعد، بواسطة أقطاب كهربائية وضعت مباشرة على هذه المناطق الدماغية.

دامت عملية التحفيز الدماغي لهذه المناطق فترة 12 يوماً، ولاحظ العلماء بعدها أن صغار الفئران هذه لم تنتقل إلى مرحلة ظهور الأعراض وتأصل المرض. وهذا يعني ان عملية التحفيز الكهربائي الخارجي أوقفت التغيّرات في النمو الدماغي، وعرقلت ظهور أعراض المرض الشائعة.

تحفيز مناطق دماغية أخرى

وكتبت كريستينا فينتر في مجلة "علم الأمراض العقلية الجزيئي" ان عملية التحفيز لأعماق مناطق قشرة الدماغ في المقدمة تدخلت ايجابياً أيضاً في نمو واضطراب بنية مناطق أخرى من الدماغ.

وثبت من الفحوصات الشعاعية أن عملية التحفيز أوقف تضخم البطين الخارجي في الدماغ، ومعروف في الطب أن لهذا البطين علاقة وثيقة أيضاً في نشوء وتطور مرض انفصام الشخصية.

واعتبرت فينتر نتائج الدراسة مهمة على طريق تشخيص مناطق الدماغ المسؤولة عن نشوء المرض في مراحله المتقدمة، وعلى صعيد تحديث الطرق العلاجية الوقائية من الشيزوفيرينيا قبل تأصلها.

أسباب متعددة للمرض

معروف ان الطب يضع للشيزوفرينيا عدة أسباب تمتد بين البنيوية (الدماغ) والبيولوجية والنفسية والاجتماعية والهرمونية والمناعية والوراثية...إلخ. ولا يستبعد الباحثون دور تلوث البيئة والتسمم بالمواد الكيميائية، بل وحتى الفيروسات، في نشوء وتفاقم أعراض المرض.

وتسبب الفيروسات الكثير من الأمراض الجسدية التي تمتد بين الانفلونزا والأيدز والتهاب الكبد والأمراض السرطانية، إلا أن العلماء الألمان سلطوا الضوء مؤخراً على احتمال تسبب الفيروسات ببعض الأمراض النفسية أيضاً.

ونجح علماء الفيرولوجي الألمان والسويديون في عزل نوع من الريتروفيروس Retrovirus في أدمغة المرضى المعانين من الكآبة وانفصام الشخصية، وهو ما عزز شكوكهم بوجود عامل فيرولوجي يضاف إلى العاملين النفسي والوراثي في نشوء هذين المرضين.&

وذكر الطبيب والباحث الألماني يوهانيس شرودر، من جامعة هايدلبيرغ، والباحث السويدي هيكان كارلسون من جامعة ستوكهولم، أنهم توصلوا إلى عزل الريتروفيروس من سوائل الخلايا العصبية في أدمغة مرضى يعانون من حالات شيزوفيرينيا واكتئاب حادة. ويزيد من شكوكهم بدور هذا الفيروس الداخلي المنشأ &Endogenou، أن فريقي العمل المشكلين من الأطباء المختصين، لم يعثروا على هذا الفيروس في أدمغة أفراد مجموعة المقارنة الذين لا يعانون من أمراض نفسية أو عصبية. وتحدث شرودر عن علاقة ممكنة بين الإصابة بالشيزوفرينيا وبعض العوامل التي نشّطت هذه الفيروسات في أدمغة المصابين.
&