بعدما ظل لأسابيع طويلة محط انتقاد نشطاء حراك الريف (شمال المغرب) باعتباره واحدًا من أبناء المنطقة الذي اتهم بالتنكر لها، خرج إلياس العماري، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، ورئيس جهة طنجة - تطوان - الحسيمة، ليدافع عن نفسه ويقدم روايته بخصوص ما يجري في مسقط رأسه من احتجاجات غير مسبوقة.

إيلاف من الرباط: قال العماري في رسالة مكتوبة عنونها بـ"هذه رسالتي إلى أهلي في بلدتي وأبناء وطني"، تلقت "إيلاف المغرب" نسخة منها:" أتوجّه إليكم في هذه الظروف، العصيبة التي نعيشها جميعًا، وأبدأ بالتنبيه إلى أنني إذا كنت قد سكتّ&عمّا يحدث في قريتي ونواحيها، وفي مواقع أخرى في الجهة والوطن، فليس ذلك جبنًا ولا هروبًا، ولا لأنني لا أتوافر على جواب، ولكن لأنني اقتنعت بأن الصمت في بعض اللحظات قد يكون انتصارًا للوطن وللساكنة، ولا يضيرني أن يكون ذلك على حساب سمعتي وشخصي، وليس من شيمي أن أفرط في التصريح فأتحول إلى بطل على حساب مصلحة بلدي".

وأضاف أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة المغربي، موضحًا "لقد عاهدت ووعدت من علمني الحروف الأولي بأنني سأقدم مصلحة الوطن على سمعتي وشخصي، وأنا لست من الذين يتصرفون بردود الأفعال".

وأفاد العماري بأنه راسل " الحكومة كتابة، في البداية الأولى لما اصطلح عليه حراك الريف، وتكلمت مرارًا وتكرارًا مع غالبية وزرائها للتدخل العاجل قبل فوات الأوان"، وزاد موضحًا "هناك من أجابني كتابة بأنه ليس من حقي مراسلته، وما بالكم بمطالبته بتحقيق جزء أو كل مطالب الساكنة... وواصلت الإلحاح على المطالب أكثر من مرة، وسيأتي اليوم الذي أقول فيه الكثير عن الذين طالبتهم بالإنصات للحناجر التي تصدح في المنطقة"، وذلك في إشارة إلى أنه قدم مبادرة لحل الأزمة، لكن الحكومة ووزراءها لم يتفاعلوا إيجابًا مع مقترحه".&

وأكد رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، أنه اتخذ قرار "فتح حوار، وجعل الإشراف عليه، ليس في يد الجهة فقط، وإنما في يد كل الضمائر الحية، وفي يد كل من يريد مصلحة المنطقة والبلاد"، لافتًا في الآن عينه إلى أن هذا القرار اتخذه بناء على نصائح واتصالات رفاقه وأصدقائه، معتبرًا أن الخطوة التي اتخذها "ليست ضد أحد، ولا تنتصر لهذا ولا لذاك، خطوة تنتصر لفضيلة الحوار ونعمة الاستقرار في ظل الكرامة وحقوق الإنسان".

وسجل العماري في الرسالة نفسها، بأن دخوله على خط احتجاجات الريف لم يكن بإيعاز من أي جهة "لم يطالبني أي كان بأن أتدخل لا بصفتي الشخصية ولا الانتخابية ولا الحزبية، حيث ذهبت الحكومة في البداية إلى الحسيمة، وقرأت الخبر كغيري في الصحافة، وأعلن المحتجون عن مواعيد احتجاجهم، وقرأت الخبر أيضًا في الصحافة".

من تظاهرات حراك الريف في الحسيمة

وذكر العماري بأنه أخذ المبادرة فـ"قلت بأن باب حوار مؤسسة الجهة مفتوح، وانتظرت الرد، فهناك من استجاب، ونحن نعمل معًا على حل المشاكل على قدر الاستطاعة، وهناك من سكت، وهناك من قاطع المبادرة، وقال كلاما سيئًا في حقي لا مجال لذكره هنا"، وأسترسل: "ماذا عساي أقول كمنتخب وكفاعل سياسي؟، هل أحكي لكم القصة لتعرفوا من المسؤول؟، أم أسكت صبرًا وأنزف دمعًا ودمًا وحدي حفاظا على الآخرين".

ومضى أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة مبينا "لقد تحملت منذ النشأة إلى الآن مسؤولية كبيرة... عن أشياء كبيرة وعن أشياء لم أكن طرفا فيها ولا علاقة لي بها من قريب أو بعيد، ولم أكن حتى على علم بها... فماذا عساي أقول؟"، وأضاف "ألم يقولوا إنني المسؤول عما حدث في الصحراء، فسكت. ألم يقولوا إنني المسؤول عن كل ما عرفه المغرب من انكسارات، فسكت، وإنني صاحب التعيينات والطرد والتوقيفات، فسكت"، وذلك في إشارة إلى الاتهامات التي كانت توجّه إليه بخصوص أحداث مخيم "اكديم ازيك " بالصحراء.

وأردف قائلا: "واليوم يعلنون أنني المسؤول عن الفقر والبطالة والتهميش وغياب الديموقراطية والحقوق... وأنا الخائن الذي باع بمقابل وبدون مقابل.. وأنني أسست حزبا مشؤوما ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، وفي يده عصا سحرية يتحقق بتحريكها كل شيء.. يا أهلي من الأحبة والخصوم، ماذا عساي أن أقول لكم؟".

وأضاف العماري مخاطبا أهله وأبناء وطنه "ماذا تريدون؟ أن أنشر بيانا أحمل فيه المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، وأدين الحكومة، أو أعلن العصيان، أو أن أقدم استقالتي لكي يهلل البعض بأنني بطل، وهذا هو إلياس الذي عرفناه.. لا، لن أفعلها.. أنا مستعد لتحمل كل أنواع الشتم والسب والإهانة، على أن أتحول إلى بطل من ورق على حساب مآسي سكان بلدتي وأهل وطني".

وزاد العماري موضحًا: "لقد تعلمت الصبر وأنا صغير، كنت جائعا فصبرت، وحافي القدمين فصبرت، ونائما تحت الشجر من دون فراش ولا غطاء، فصبرت، وهاربا فصبرت، ومطاردا ومحروما من التعليم والصحة والسكن فصبرت، ومحروما في صغري من حنان أمي وعطف أبي فصبرت، وتعرّضت لغدر أصدقائي قبل خصومي فصبرت؛ لأنني تربيت على أن الصبر مفتاح الفرج، وصبرت لأنني لا أريد أن أكون شيئا آخر غير أنا".

وأفاد العماري بأنه تعلم من الكتب والتجارب أن "القضاء على الظلم والظالمين هو حرب طويلة النفس، والحرب معارك، والمعارك ربح وخسارة.. وأنا أفضل أن أخسر المعارك ولا أخسر الحرب"، مشيرا إلى أن هناك "الكثير مما يقال، وسأقوله في حينه، وهذا ليس لا تهديدا ولا فضحا للأسرار، ولا أي شيء آخر... وكما قلت في إحدى تدويناتي السابقة، فقد عاهدت شخصا عزيزا علي ألا أكشف عما عرفته وعايشته طوال تجربتي إلا له، وسأظل أنتظره حتى يتفرغ من انشغالاته". لِم يكشف العماري اسم الشخص الذي يقصده .&

وعاد العماري ليذكر في رسالته بعلاقته مع محسن&فكري بائع السمك الذي قضى طحنا داخل شاحنة لتدوير النفايات في مدينة الحسيمة ، حيث قال: "كنت على معرفة شخصية بالمرحوم محسن فكري، وكان يتصل بي حتى قبل أن أكون رئيسا للجهة وللحزب، إما لتجاذب أطراف الحديث والمزاح، أو للتدخل لحل مشكل ما... فكري بالنسبة إليّ لم يكن عنوان ألم وبؤس وظلم فقط، فكري بالنسبة إليّ هو كل هذا وأكثر، كان صديقا شخصيا".&

وأضاف العماري قائلا : "عِنْد استشهاده نزفت &دما ودمعا، وطالبت من رفاقي ورفيقاتي في الحزب بأن يكونوا جزءا من الاحتجاج في إطار القانون للمطالبة ليس باعتقال من كان السبب في الحادث المأسوي، بل لاعتقال وإعدام الوضع والظروف التي كانت سببا في رحيل محسن فكري، ورحيل من استشهد قبله. وإذا لم يتم القضاء على هذه الظروف فسيرحل آخرون".