إيلاف من لندن: في عام 2000، اكتشف علماء هيكلًا عظميًا عمره 3.3 ملايين سنة لطفل تحجرت عظامه في صخور رملية شمال شرق أثيوبيا. وبعد نحو 17 عامًا على الاكتشاف، ما زالت عظام "الطفل ديكيكا"، كما سُمي كناية بالمنطقة الأثيوبية التي تحمل الاسم نفسه، تعتبر من أهم الإنجازات في تاريخ علم الآثار، كونه اكتشافًا يمثل حلقة بالغة الأهمية في نشوء الإنسان.

هيكل عظمي كامل

أوضح البروفيسور زيريسيناي الميسيغيد، رئيس الفرقة الآثارية التي حققت الاكتشاف واستاذ البيولوجيا العضوية في جامعة شيكاغو، أن هيكل الطفل ديكيكا العظمي مكتمل أكثر من هيكل "لوسي"، الاسم الشائع لاحفورة هيكل عظمي اكتُشف في أثيوبيا في عام 1974 ويعود تاريخها إلى 3.2 ملايين سنة. 

قال الميسيغيد لصحيفة واشنطن بوست إن العلماء لم يتمكنوا من تجميع وجه لوسي، لكن هيكل الطفل ديكيكا يكاد يكون كاملًا، ما يعطي فكرة عن الأطفال الذين عاشوا قبل 3.3 ملايين سنة، وكيف كان مظهرهم. 

الاسم الآخر الذي أُطلق على احفورة "الطفل ديكيكا" هو "سلام" باللغة الأمهرية كما اللغة العربية. قال الميسيغيد إن الاحفورة مصدر معلومات واسعة عن القدماء وخصوصًا عن عمودهم الفقري الذي تكيَّف للمشي على القدمين، الأمر الذي لم يلحظه العلماء في هيكل عظمي بهذا القدم.

 

جمجمة "سلام" - الصورة من جامعة شيكاغو

 

متى؟

أضاف أن النتيجة هي مخلوق جسمه العلوي شبيه بالقرد، لكنّ وركه وساقيه وقدميه ذات تعديلات شبيهة بما هو معروف عند الإنسان، "ولو أمكننا العودة في الزمن إلى تلك الحقبة لتساءلنا: كيف يمشي هذا الشمبانزي على قدمين؟".

تابع الميسيغيد أن اجناسًا أخرى تمشي على قدمين كانت موجودة قبل ذلك، لكن ما يجعل هذا الهيكل العظمي فريدًا هو احتفاظه بالعمود الفقري كاملًا، "ومن الجائز بالتالي أن تكون أجناس أخرى وجدت بقِوام مماثل، لكنّ أحدًا لا يعرف ذلك على وجه التأكيد".

يشترك البشر في الكثير من أشكال العمود الفقري مع القرود، لكن العمود الفقري للإنسان الذي له عدد أكبر من الفقرات العجزية مثلًا مكيَّف لحركة الإنسان الفاعلة، وهو منتصب القامة مثل المشي والركض على قدمين. 

من بين الأسئلة الكبيرة التي يحاول الباحثون الإجابة عنها هي: متى اكتسب أسلافنا القدرة على الوقوف منتصبين والمشي على قدمين؟ ومتى نزلنا من الأشجار لنمشي على الأرض؟ ومتى هجر اسلافنا نمط العيش على الأشجار ليمشوا ويركضوا على الأرض حتى انتشروا في افريقيا ثم العالم؟

تعقيدات العمود الفقري

إحدى العقبات التي تعترض طريق الإجابة عن هذه الأسئلة هي أن مجموعات كاملة من الفقرات نادرًا ما تكون محفوظة في السجل الأحفوري. تقول البروفيسورة كارول وورد، أستاذة علم الأمراض والتشريح في كلية الطب بجامعة ميزوري الأميركية، إن الطفل "سلام" يُتيح إلقاء أول نظرة على الطريقة التي نُظّمت بها الأعمدة الفقرية لأسلافنا. 

أكد الباحثون انهم ما كانوا ليستطيعوا الكشف عن تعقيدات بنية العمود الفقري للطفل "سلام" من دون استخدام أحدث التقنيات المتوافرة التي تطلبت نقل عظام هيكله العظمي من أثيوبيا إلى مختبرات متطورة في مدينة غرونوبل الفرنسية في عام 2010. هناك، تمكن العلماء من فصل الفقرات ومكوناتها من دون إلحاق أي أذى بالأحفورة. 

بحسب الباحثين، يمثل الهيكل العظمي نافذة يطلعون منها على الانتقال بين الفقرات الضلعية والفقرات العجزية الذي اتاح لأسلافنا الأوائل التمدد في منطقة الخصر وبدء الحركة منتصبين، والتحول في النهاية إلى مشاة وعدّائين.

وعلى الرغم من أن الباحثين يدرسون هيكل "سلام" العظمي منذ نحو عقدين، فإنهم يعتقدون أن أحفورته ما زالت تخفي مزيدًا من الأسرار التي يمكن أن تكشف عنها للعالم الحديث.

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "واشنطن بوست". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.washingtonpost.com/news/speaking-of-science/wp/2017/05/26/how-a-3-3-million-year-old-toddler-offers-researchers-a-window-into-human-evolution/?utm_term=.c9b586deade1&wpisrc=nl_science&wpmm=1​