القدس: يتحدث الفلسطيني ابو بشير من مدينة بيت لحم في الضفة الغربية بأسى عن المدينة المقدسة التي تحتلها اسرائيل منذ عام 1967، قائلاً "العالم كله يذهب الى القدس ونحن الذين نبعد عنها بعض الكيلومترات، ممنوعون من الدخول".

وتشكل القدس، خصوصًا البلدة القديمة الموجودة في الشطر الشرقي، والمقدسة لدى الاديان الرئيسية الثلاثة، أحد محاور النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي، وتعتبر إحدى أكثر المسائل الشائكة في أي تسوية محتملة بين اسرائيل والفلسطينيين.&

وتوجد في المدينة كنيسة القيامة التي يعتقد أن فيها قبر المسيح، وفيها الحرم القدسي الذي يضم المسجد الاقصى وقبة الصخرة، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، بالاضافة الى حائط المبكى، الذي يسميه المسلمون البراق، ويعتبره اليهود آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل) الذي دمره الرومان في العام 70، وهو أقدس الأماكن لديهم.

ويستذكر الاب جمال خضر، رئيس المعهد الاكليريكي لبطريركية اللاتين&في &القدس، انه كان يذهب في طفولته مع عائلته من مدينة بيت لحم التي ولد فيها المسيح الى مدينة القدس التي صلب فيها، بسهولة. ولكن أصبحت هذه الطريق التي ما زالت تُسلك في الاعياد، مليئة بالعوائق اليوم من الجدار الفاصل الذي تبنيه اسرائيل، بالاضافة الى الاعداد المحدودة من التصاريح التي تمنحها اسرائيل للفلسطينيين.

ويشير قاضي القضاة الفلسطيني محمود الهباش الى انه في السابق "كان الذي يرغب في الصلاة في القدس يأخذ سيارته فقط ولا يواجه أي حاجز" عسكري. ومنذ احتلال الاراضي الفلسطينية عام 1967، يواجه الناس "عوائق مفروضة من اسرائيل".

فقط في الصور

ويحق لليهود زيارة باحة المسجد الاقصى، ولكن الصلاة في المسجد محصورة بالمسلمين. ويدعو بعض المتطرفين اليهود الى السماح لهم بالصلاة في الموقع، لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اكد مرارًا انه لا ينوي تغيير الوضع القائم.

وقبل حرب الايام الستة، كان الحجاج يأتون من العالم العربي عبر القطار أو الطائرات عبر مطار القدس الواقع بين القدس ورام الله، والذي أصبح اليوم مهجورًا.

وأصبحت زيارة القدس حلمًا بعيد المنال لاكثر من 4,5 ملايين فلسطيني في الاراضي المحتلة. ويتمكن المسنون فقط من الدخول للصلاة فيها خلال أيام الجمعة من شهر رمضان.

وكان الكثيرون يزورون القدس قبل أن يصبح في امكانهم الذهاب في حافلة أو قطار باتجاه مكة المكرمة.

ويقول الاب خضر بحسرة "للأسف اليوم، لا يُعرف من المدينة سوى صور لقبة الصخرة والمسجد الاقصى أو كنيسة القيامة".

وقرر الكثيرون عبر الصور استكمال رحلة "الحج" الخاصة بهم. ففي المسجد الاقصى، يقوم عدد من المصلين بتصوير ورقة كتب عليها اسم أحد اقاربهم او أصدقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذين لا يستطيعون القدوم بسبب الحواجز العسكرية الاسرائيلية المنتشرة بكثرة في الاراضي المحتلة.

زيارات افتراضية&

وسعى الفلسطينيون الى تطوير طرق "الدخول" الى البلدة القديمة في القدس وتجاوز الحواجز الاسرائيلية التي تسيطر على مداخل المدينة وحتى على مدخل المسجد الاقصى، عبر التكنولوجيا.

وقامت المهندسة الفلسطينية منال دنديس بتطوير تطبيق إلكتروني أطلقت عليه اسم "قدس 360"، ليتمكن "اكثر من مليار مسلم" بالقيام بزيارة افتراصية الى القدس، وخصوصًا من "أجل الفلسطينيين الذين لا يستطيعون دخول القدس".

ولكن بالنسبة للذين يستطيعون الوصول الى القدس، ويعيشون فيها، الامر ليس سهلاً أيضًا، بحسب ما تؤكد نورا كارمي، وهي سيدة في الستينات من العمر ناشطة في المجتمع المسيحي في القدس.

وتقول "مشكلتنا حاليًا هو أن الاعياد المسيحية تتزامن في العادة مع الاعياد اليهودية. وفي تلك الاوقات، يقوم الاسرائيليون بإغلاق البلدة القديمة ويسمح فقط بدخول المصلين اليهود".

وتتذكر كارمي انه قبل حرب عام 1967، أثناء السير في شوارع البلدة القديمة، "كنا نسمع اللهجات اللبنانية والسورية والمصرية" معًا.

لكن بعد الاحتلال الاسرائيلي، توقف العرب عن زيارة المدينة المقدسة.

ولبنان وسوريا ما زالتا في حالة حرب رسميًا مع الدولة العبرية، وتمنعان مواطنيهما من دخول اسرائيل والاراضي الفلسطينية.

بينما وقعت مصر اتفاق سلام مع اسرائيل عام 1979، لكنّ المسؤولين الروحيين المسيحيين لا يشجعون رعاياهم على الحج الى الاراضي المقدسة في ظل الاحتلال الاسرائيلي.

وتقول أرقام رسمية إن عدد المسيحيين الفلسطينيين تراجع &إلى اكثر بقليل من 1% من سكان الضفة الغربية بينما كانوا يشكلون 20 % قبل خمسين عامًا.

اما بالنسبة الى الحجاج المسلمين من خارج الدول العربية، فقد قام الفلسطينيون باطلاق حملة ناجحة تدعوهم لزيارة القدس.

ويقول الهباش لوكالة فرانس برس إن "القدوم الى القدس الشرقية ليس تطبيعًا للعلاقات مع اسرائيل او اعترافًا بها".