العرائش: ووري الثرى، بعد عصر الاثنين، بالمقبرة البحرية، بمدينة العرائش المغربية، جثمان الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو، قرب صديقه ورفيقه ومعلمه الكاتب الفرنسي جان جينيه، بحضور مسؤولين ومثقفين وإعلاميين من المغرب وإسبانيا.

وبعد مشاعر الحزن التي عبر عنها عدد من معارف الراحل في المغرب، خصوصاً بين من عرفوا قيمته الأدبية والفكرية والإنسانية، عبرت فعاليات عديدة من إسبانيا، حيث ولد غويتيسولو، قبل 86 عاماً، عن حزنها لفقدان "كاتب ومفكر كبير".

 

 

وقال ماريانو راخوي، رئيس الحكومة الإسبانية، في رسالة إلى الوكالة الأدبية الإسبانية كرمن بالسيلز، دار نشر المؤلف الراحل، إن غويتيسولو "أثرى الأدب الإسباني في مختلف أجناسه"، و"ترك بصمة لا يمكن إنكارها".

وخلف رحيل الكاتب الإسباني، الذي وافته المينة، أول من أمس، في بيته بحي القنارية بمراكش، في عمق المدينة القديمة، أسى عميقاً وحزناً كبيراً في نفوس مثقفي مراكش ومعارفه من سكان المدينة القديمة وحرفيي وفناني ساحة جامع الفنا، وهو حزن زادت جرعته بعد دفن غويتيسولو، بعيداً عن مراكش، بعد أن أكد عدد ممن عرفوا الراحل عن قرب أنه كثيراً ما عبر عن رغبته في أن يدفن بالمدينة الحمراء، التي عشقها فارتبط اسمه بها، على مدى العقود الثلاثة الماضية.

 

 

وكتب الشاعر والروائي ياسين عدنان، متحدثاً عن الحيثيات الذي أدت إلى قرار دفن جثمان الكاتب الإسباني بالعرائش، بدل مراكش: "أخيراً سيُدفن الأديب الإسباني الكبير خوان غويتسولو بالمقبرة البحرية بالعرائش (...). هذا القرار حكيمٌ جدًّا، ويستحق التنويه. صحيحٌ أنّ خوان عاش في مراكش منذ 1975، والمنطقي أن يدفن بمدينته. أيضًا هناك وصيةٌ قديمةٌ تركها خوان قبل سفره إلى الشيشان أيام الحرب، ولأنّه كان متوجّسًا من أن يصيبه مكروه في رحلته تلك إلى أرض مشتعلة، فقد ترك وصيةً مكتوبةً يقول فيها بأنه في حالة عودته جثة هامدة من تلك البلاد أن يُدفن في مقابر المسلمين. مع العلم أن رحلته تلك كانت أساسًا للتضامن مع مسلمي الشيشان. ومواقف خوان في هذا الصدد معروفة. تضامن مع مسلمي الأندلس المهجّرين في أكثر من كتاب، مع مسلمي الشيشان، مسلمي البوسنة، إضافة إلى تضامنه الدائم مع الفلسطينيين. لذا، من الطبيعي لمن عاش حياة طويلة عريضة مع المسلمين وبينهم مدافعا عن قضاياهم، بل ومات بينهم، أن يُدفن بينهم. الذي حدث هو أنه بعد رحيل خوان بالأمس (الأحد) طُرِحت مشكلة الدفن. 

 

 

مباشرة تدخلت القنصلية الإسبانية ونقلت جثمان الراحل إلى مستودع الأموات بباب دكالة. حينها راجت إشاعة بأن الإسبان ينوون ترحيل الجثمان إلى برشلونة ليعود "الطائر المتوحّد" أخيرًا إلى المدينة التي أنجبَتْه. لكن سيتضّح فيما بعد أنه لم تكن للإسبان أيُّ نيةٍ في ترحيل الجثمان. هم فقط تدخّلوا لحمايته من حرِّ مراكش في انتظار أن تتّضح الأمور. بالأمس (الأحد) في مستودع الأموات بباب دكالة (بمراكش) كان كل المسؤولين المحليين هناك: الوالي، عمدة مراكش، رئيس المجلس العلمي. وكان واضحاً أنهم محرَجون. فمراكش مدينة محافظة. لذا كان صعباً على مسؤوليها اتخاذ قرار دفن خوان في مقابر المسلمين في غياب إعلان سابق منه يفيد انتماءَهُ لهذه الملة، وأيضا في غياب وثيقة مكتوبة منه تؤكّد هذا الطلب. لذا جاء اقتراح العرائش حلًّا وسطًا. فالمقبرة الإسبانية بالعرائش، المقبرة البحرية، ليست مقبرة كاثوليكية بالمعنى التقليدي. الدليل أن عددًا من المدفونين بها لا صلبان على قبورهم".

 

 

فيما كتب الشاعر جمال أماش: "شيء محزن أن يدفن خوان غويتيسولو الطائر المتوحد خارج عشه مراكش. مراكش الحزينة اليوم لرحيله. ساحة جامع الفنا يتيمة من دونه . جامع الفنا لم يعد لها ذوق أو معنى من دونه . نم هنيئا في راحتك خوان كما تليق بك إنساناً ومناضلاً كبيراً قرب رفيقك جان جونيه بالمقبرة البحرية التي أصبحت مقبرة رمزية تحتضن الكتاب العالميين. رحمك الله صديقنا الكبير الذي تعلمنا منه أساساً محبة الناس البسطاء واحترام مهنة الكتابة والكتاب ودورهم الكبير في إشاعة قيم المحبة والجمال واحترام حقوق الإنسان في مختلف دول العالم. مهما كتبنا صديقنا خوان لن نوفيك حقك في ما قدمته لمراكش وساحة جامع الفنا من جميل".