«إيلاف» من واشنطن: ما زالت أصداء الأزمة القطرية تستحوذ على اهتمام الصحف الأميركية، وتحظى باهتمام الرأي العام العالمي على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، بين مطالبات باتخاذ إجراءات حازمة ضد قطر، ومحاولات وساطة روسية وتركية وإيرانية لاحتواء الأزمة، بينما يتبنى الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقفًا متضامنًا مع دول الخليج في أسبابهم لفرض المقاطعة على قطر بسبب دعمها الجماعات الإرهابية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول.

من بين المحاور التي تم طرحها وضع القاعدة الأميركية العسكرية بقطر. فهل يعني توتر العلاقات الحالي احتمال نقل القاعدة الأميركية مستقبلًا؟ وما وضع الجنود الأميركيين هناك، ومدى تأثر العمليات العسكرية الأميركية؟

"العديد" في ظل المقاطعة

يقول ديفيد كارنيال، الكاتب بمجلة "بوليتيكو"، لـ"إيلاف": "إن هناك حالة من الغضب الشديد في الدول العربية التي أعلنت مقاطعاتها قطر، توضح أن الخلاف الحالي ليس مجرد أزمة عابرة؛ بل هي تراكمات سياسية يظللها شبه إجماع عربي على ضرورة اتخاذ موقف حاسم من قطر، وهذا ما حدث بالفعل من خلال المقاطعة، لكن أبعاد هذه المقاطعة تشي بأن ما يحدث هو عقاب لقطر التي لا ينتهي دورها بمجرد توقفها عن دعم الجماعات الإرهابية، بل هو عقاب لما يمكن تسميته الغرور القطري والطموحات القطرية غير المشروعة في المنطقة، ما شكل نوعًا من الضغط على الإدارة الأميركية التي لم تتوانَ عن إعلان موقفها من خلال تغريدات ترمب وتصريحاته، ثم تصريحات ريكس تيليرسون وزير الخارجية لاحقًا".

أكد كارنيال أن خيارات التصعيد التي تبحثها الدول المقاطعة لقطر، وتحديدًا السعودية والإمارات ومصر والبحرين، لم تطرح بعد أي احتمالات تتعدى العقوبات السياسية والاقتصادية، وهذا ما يبدو أن إدارة ترمب ستستجيب له، بينما من المستبعد طرح أي إجراءات عسكرية، كما أوضح وزير الخارجية الإماراتي. إلا أنه بالنسبة إلى قاعدة "العديد" الأميركية بالدوحة، فيبدو أن لا قلق عليها في ظل حرص قطر على تحسين العلاقات مع واشنطن والدفاع عن نفسها في الشارع الأميركي، فلا خطورة على القاعدة العسكرية هناك، ولا على الجنود المرابطين فيها.

أضاف: "أما إذا نظرنا إلى احتمال تأثير المقاطعة المفروضة على قطر في الضربات الجوية الأميركية على داعش وقوات النظام السوري، فبالتأكيد سيتأثر الوضع العام في تلك القاعدة على المستوى البعيد لو استمرت الأمور في التأزم مع قطر أو باتخاذ ترمب أي خطوات تصعيدية جديدة".

سيناريوهات محتملة

أما هينريك جيسون، الجنرال السابق بالجيش الأميركي، فأوضح لـ"إيلاف" أن القواعد العسكرية تؤدي أدوارًا كثيرة متصلة بالدور الأميركي العالمي لتأمين المناطق الحيوية والمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب، وتتألف الأهمية المكانية لتلك القواعد من مجموعة أمور بينها الاستقرار السياسي داخل البلد التي توجد فيها، وهو ما لا تجده الآن في قطر.

أضاف جيسون: "المخاوف على القواعد العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ليست جديدة، وتتأثر بكل تأكيد بالأجواء السياسية، وهي المخاوف نفسها تقريبًا التي حدثت مع السعودية في وقت سابق من العام الماضي، في ظل تصاعد الخلافات حول مسائل تشريعية وقانونية كانت تتعلق أيضًا بمكافحة الإرهاب، فالحرص على سلامة الجنود أولوية لدى قيادات الجيش الأميركي، وتلك أحد التأثيرات التي يفرضها الموقف السياسي في أوقات كهذه، ما يجعل خيارات كثيرة مطروحة كسيناريوهات مستقبلية محتملة، خصوصًا إنه على الرغم من تأكيد عدم تأثر العمليات العسكرية التي تنطلق من قاعدة العديد بما يحدث الآن في قطر، فالجميع يعرف أن ذلك ليس حقيقيًا تمامًا حيث إن العمليات العسكرية أكثر تأثرًا بالتوابع السياسية، وقد يتم وفقًا لتلك المتغيرات تعديل في بعض الخطط الاستراتيجية الخاصة بالضربات الجوية في تلك القاعدة".

أهمية استراتيجية

أشار روبرت ميدلر، الخبير الأمني الأميركي، في تصريحات لـ"إيلاف"، إلى أن هناك وضعًا خاصًا تتمتع به القواعد العسكرية، يتخطى أي توترات سياسية آنية ربما تحدث، "ما دامت الأزمة سياسية بلا أبعاد عسكرية، ومن المستبعد طرح خيار نقل القاعدة الأميركية من العديد في ظل الأزمة الحالية، فأي قرار مماثل يعني خطًا أخيرًا في مستوى قطع العلاقات، لا يتم اللجوء إليه إلا بعد تدني مستويات التواصل السياسي والدبلوماسي مع الولايات المتحدة".

أضاف ميدلر: "الأمر في العديد يبقى صعبًا من زاويتين: تتعلق الأولى بأهمية قاعدة العديد من حيث الإمكانات التجهيزية والتواجد العسكري، وتتصل الثانية بمحوريتها في ضربات التحالف الدولي في سوريا. فهي القاعدة الأميركية الأكبر في تلك المنطقة، والحديث عن نقلها ليس بسيطًا، فالأمر ليس بتلك السهولة المتوقعة نظرًا إلى أن الأمر يحتاج إلى دراسة حقيقية ربما تستغرق وقتًا وتتطلب تحضيرات عدة، فتلك خطوة مليئة بالتعقيدات، ولا أرى في الأسباب الحالية للخلاف أنها تستدعي ذلك، على الرغم من أهميتها".