«إيلاف» من الرباط: قال إلياس العماري، رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة ، وأمين عام حزب الأصالة والمعاصرة المغربي المعارض، إن مبادرة عقد مناظرة وطنية لمناقشة احتجاجات الحسيمة، "ليست من اقتراح الجهة وإنما اقترحها عدد من الفاعليات والأصدقاء الذين خاطبوني كواحد من أبناء المدينة"، متعهدا تفعيل وتنزيل الخلاصات والتوصيات التي ستخرج بها المناظرة.

وأضاف العماري، في كلمة ألقاها في افتتاح أشغال المناظرة ، بمقر الجهة في مدينة طنجة، أن مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة ليس لديه تصور رسمي وجاهز لحل المشكل"، لافتا الى أن الجهة في هذه النازلة "وفرت فضاء للجميع وسيكون لها رأي من جملة الآراء". 

وشدد العماري على أهمية إشراك الجميع في "بلورة هذا التصور" لإيجاد حل لملف احتجاجات الريف، معتبرا أن عقد مناظرة وطنية في الموضوع "يؤسس لطريقة جديدة في خلق آلية للتعاطي مع الاشكالات في الجهة وهذه الآلية لأول مرة ستكون عندنا".

ولم يفوت أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، الفرصة دون أن يرمز الى حزب العدالة والتنمية الذي قاطع وزراؤه ومنتخبوه أشغال المناظرة، حيث قال في كلمته القصيرة "هناك الكثير من الوزراء اتصلوا واعتذروا عن الحضور لتزامن هذا اليوم مع الدرس الحسني"، وذلك في محاولة منه للتقليل من قيمة مقاطعة ممثلي حزب رئيس الحكومة للمناظرة.

وبدا رئيس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة عاطفيا في كلمته أمام الحضور، حيث أسهب في الحديث عن مشاعره وأحاسيسه تجاه مدينة الحسيمة، وقال: "المآسي التي تعيشها الحسيمة خلقت داخلي انفصاما ، ومشكلتي هو أن إلياس يغلب على الرئيس ولم أقدر أن أعيش انفصاما في شخصيتي. إلياس ابن الريف كان أقوى من إلياس"، وذلك في محاولة لتبرير اتخاذ قرار احتضان المناظرة دون الرجوع إلى مكتب الجهة في ذلك.

وكشف العماري عن بعض المعاناة التي يعيشها بسبب التطورات التي تعرفها مدينة الحسيمة ومنطقة الريف، إذ أعلن أن "أقرب الناس من عائلتي داخل السجن وأحد أقرب الناس من عائلتي من رجال الأمن الذين يعالجون"، وأضاف "لم أكن إلياس الرئيس"، مؤكدا أنه مستعد للمحاسبة "الرئيس مستعد للمحاسبة أمام مكتب الجهة ولو اقتضى الأمر أن أترك رئاسة الجهة. 

وأعرب العماري عن شكره لمن قاموا بـ"مبادرات في معرفة ما يحدث واقتراح حلول عملية لتجاوز ما حدث ويحدث الإسم وسيحدث لا قدر الله في الحسيمة وغيرها"، واسترسل قائلا "أحترم واشكر حتى من له موقف من هذا اللقاء قوتنا كمغاربة هي أننا لسنا على رأي واحد"، معتبرا أن غياب البعض انطلاقا من مواقف اتخذوها تجاه المناظرة "تصب في تجاوز ما يحدث".

من جهته، قال وزير العدل، محمد أوجار، الذي حضر المناظرة إنه تردد كثيرا قبل أن يحسم قرار مشاركته وحضوره للمناظرة "كنت أجد لنفسي كل مبررات عدم الحضور وأحيانا أجد كل مبررات الحضور وقلت في النهاية لا بد كواحد من أبناء إقليم الحسيمة العزيزة علينا جميعا ان أتحمل مسؤوليتي وأحضر".

وتساءل أوجار في كلمته بعد ذكر عدد من المحطات التي عرفها مسار المصالحة مع الريف في عهد الملك محمد السادس:" لدي تساؤل بسيط . لماذا بهذا التراكم والمكاسب نعجز اليوم عن تدبير احتجاج اجتماعي واقتصادي؟"، وذلك في إقرار شبه صريح بفشل الدولة والحكومة في التعاطي مع ملف احتجاجات الحسيمة ومنطقة الريف.

وأضاف وزير العدل موضحا "أتساءل بأفق كيف يمكن أن نتجاوز ما وقع والحيلولة دون أن يتكرر ذلك في المستقبل؟"، مسجلا أن المرحلة التي تعيشها البلاد "دقيقة وحساسة"، وزاد "المرحلة لدقتها وحساسيتها بحاجة إلى مقاربة تشاركية توافقية والأساس هو أن نغلق القوس لتواصل البلاد نحو المستقبل".

ودعا أوجار الفرقاء السياسيين لالتقاط "الإشارات التي بعثها الاحتجاج بالريف والتجاوب مع مطالبه الاقتصادية والاجتماعية وتطليق الحسابات السياسوية"، مؤكدا أن الإحساس العام في دواليب الدولة والحكومة هو "الحرص على احترام حقوق الإنسان والتجاوب الإيجابي مع كل المطالب والاحتجاجات".

أما الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، نور الدين بوطيب، فأكد من جهته أن السؤال المطروح على الجميع هو "كيف يمكن تجاوز الوضع الراهن للوصول إلى تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية للسكان ؟"، مستدركا أن ذلك سيكون في حدود "الإمكانيات المتاحة لدى الدولة ولدى الفاعلين". 

وأبرز المسؤول الحكومي، بأن الملف يحتاج إلى "تهدئة الأوضاع والرجوع إلى مناخ يمكننا من العمل سويا لإخراج المشاريع المسطرة إلى حيز الوجود في الآجال المحددة التي تم الاتفاق عليها وعودة المستثمرين إلى إقليم الحسيمة لخلق مناصب الشغل للسكان".

وشدد بوطيب على أن فك هذه الأزمة يمر بالضرورة عبر إيجاد ومعرفة "كيف نتواصل مع بعضنا ونتناقش من أجل إيجاد حل المشكل".
أما الحقوقي محمد النشناش، فقدم مداخلة بالمناسبة أكد فيها أن سكان منطقة الريف وعلى رأسها مدينة الحسيمة يعانون من تفشي البطالة وقلة الموارد، مسجلا أن معدل البطالة يصل في المدينة إلى 40 بالمائة وسط فئة الشباب.

وأشار النشناش إلى أن التحويلات من الخارج التي كانت تغطي احتياجات السكان تأثرت بالأزمة الاقتصادية التي اجتاحت أوروبا منذ سنة 2008، مسجلا أن هذا الأمر ساهم في مضاعفة العزلة على المنطقة، مؤكدا أن الشباب أمام هذه التحديات "فقد الأمل"، مشددا على أن المطلوب في هذه المرحلة هو" بناء الأمل حتى يستقر الوضع". 

وانتقد الفاعل الحقوقي تعامل أحزاب الغالبية الحكومية مع الملف، لافتا الى أن حديث قياداتها عن "الخيانة والعمالة غير مقبول وهذا جعلهم خارج المسؤولية أخلاقيا"، معتبرا أن هذه النقطة جعلت الحكومة تفقد مصداقيتها والثقة في أن تكون محاورا يحظى بثقة السكان.

كما شهدت المناظرة تقديم عدد من المداخلات التي استنكرت المقاربة الأمنية التي تعتمدها السلطات في مواجهة الحراك خلال الأسابيع الأخيرة، وعبر أصحابها عن اعتراضهم على حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها السلطات في حق نشطاء ومتزعمي الحراك، مطالبين بإسقاط العقوبات الحبسية في حق المعتقلين وإطلاق سراحهم، كشرط أساسي ومبادرة أساسية يمكن أن تشكل مدخلا وخطوة أولى نحو إيجاد حل للملف الذي يشغل بال الجميع.

وينتظر أن تخرج المناظرة بعدد من التوصيات والخلافات التي من شأنها أن تسهم في إيجاد مخرج للاحتجاجات التي عمرت لأزيد من 7 أشهر في المنطقة المشتعلة منذ وفاة بائع السمك محسن فكري، الذي قضى طحنا داخل شاحنة لتدوير النفايات أواخر شهر أكتوبر الماضي، بمدينة الحسيمة.