الموصل: عبثاً تحاول صالحة العثور على سيارة عائلتها بين تلال من هياكل متفحمة وشاحنات محطمة تقطّع أوصال الطرق في الأحياء التي طرد منها الجهاديون في غرب مدينة الموصل في شمال العراق.

في الشوارع الرئيسية والفرعية، أو تلك التي ما زالت ساحة معارك بين القوات العراقية والجهاديين، تتكدس سيارات وعربات من كل الأشكال والأحجام والألوان. بعضها استحال كومة من حديد، وأخرى، بينها شاحنات وصهاريج مقلوبة على ظهرها، تشكل عائقاً ضخما في وسط الطريق.

وقرب منازل هجرها سكانها، لا تزال بعض السيارات مركونة، يكسوها التراب والحجارة المتطايرة بعدما تكسر زجاج نوافذها. ويمكن رؤية سيارات أجرة صفراء اللون متناثرة في كل مكان.

تجول صالحة، السيدة الأربعينية، مع جاراتها في محيط حي الهرمات في غرب الموصل بحثا عن سيارتها.

وتقول لوكالة فرانس برس "عندما عدنا إلى الحي، لم نعثر على السيارة. إنها كيا بيضاء اللون. نبحث عنها ولا نجدها".

ونزحت هذه السيدة مع عائلتها في شهر آذار/مارس وبقيت السيارة مركونة إلى جانب المنزل. لكن لدى عودتها قبل أيام بعد تأمين الحي، لم تعثر عليها.

وتضيف صالحة التي ترتدي عباءة باللونين البنفسجي والبني "لا نعرف من أخذها.. نجول الأحياء بحثاً عنها (...) قدمنا شكوى إلى سيطرة (حاجز أمني) الشارع".

ويقول الضابط في فرقة الرد السريع رامي التميمي لوكالة فرانس برس "مع تقدم قطعاتنا، كان تنظيم داعش الإرهابي يجمع السيارات بشكل عرضي في الشوارع، محاولاً إعاقة تقدمنا، كما كان يحرقها لحجب الرؤية عن طائرات الاستطلاع المسيرة وطائرات الجيش العراقي والتحالف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة ويشن ضربات تستهدف الجهاديين في العراق وسوريا.

وفي المناطق التي انسحب منها، عمل التنظيم وفق التميمي "على تفخيخ السيارات والشاحنات وركنها لتفجيرها عن بعد عند تقدمنا".

وغالبا ما يلجأ تنظيم الدولة الإسلامية بعد طرده من مناطق معينة إلى تفجير سيارات مفخخة لإيقاع الخسائر بخصومه. وفي العراق كما في سوريا المجاورة، يتبع أسلوب حرق السيارات والإطارات لحجب رؤية الطيران الحربي.

وعلى غرار صالحة، تبحث أم كمال (اسم مستعار) عن سيارتها وهي تويوتا خمرية اللون تعود للعام 2001.

وتقول السيدة الأربعينية، أنه مع اشتداد المعارك بين القوات العراقية وتنظيم الدولة الاسلامية في حي الهرمات الشهر الماضي، "تركناها قرب البيت ونزحنا وعندما عدنا اليوم لم نجدها".

وقدمت أم كمال بدورها شكوى إلى مركز لقوات الرد السريع، مضيفة "نأمل أن يعيدوها إلينا. عمل الأولاد 15 عاماً حتى تمكنوا من شرائها".

-"خط دفاع"-

ويقول شرطي في صفوف مجموعة موالية للجيش العراقي يعرف عن نفسه باسم أبو نشمة (31 عاماً) إن "عائلات كثيرة تتقدم بشكاوى عن فقدان سياراتها أو حرقها من تنظيم داعش أو سرقتها وأخذ المعدات منها".

ويضيف "يحصل أن نجد سيارات مركونة في مواقف منازل من دون أن تكون ملك أصحابها. وفي حال توفر البيانات نتصل بمالكيها ونطلب منهم الحضور لأخذها".

في شارع رئيسي قرب حي الهرمات، تتكدس السيارات بشكل لافت فوق بعضها البعض لتفصل بين جانبي الطريق.

ويوضح رجل يعرف عن نفسه باسم أبو حسن (40 عاما) كان يعمل في مجال التجارة ويقيم في الحي، إن هذه السيارات والآليات "استخدمت كخط دفاع بين الجيش وداعش" خلال المعارك.

ويضيف "كان تنظيم داعش خلال سيطرته على المدينة يحرق بعض هذه السيارات انتقاماً من أصحابها لعدم مبايعتهم له. لكن بعد بدء الهجوم، بدأ يفخخ عدداً كبيراً من السيارات ويحرق أخرى لإعاقة الطيران الحربي".

وبعد تقدم القوات العراقية إلى الحي، وفق أبو حسن، "عملت جرافات عسكرية على تكديس السيارات والشاحنات الموجودة في الشوارع فوق بعضها البعض خشية من السيارات المفخخة ولصد أي هجوم لداعش".

-"سيارتي ولا عائلتي"-

بدأت القوات العراقية قبل سبعة أشهر هجوما واسعا على مدينة الموصل التي احتلها تنظيم الدولة الاسلامية في 2014. وسيطرت على القسم الأكبر منها.

ويشير التميمي إلى "تعاون عدد كبير من الأهالي مع الجيش بركن سياراتهم في الشارع بهدف إقفال الطرق أمام داعش" خلال معركة الموصل. ويضيف "نسمع كثيرا مقولة +سيارتي ولا عائلتي+ من السكان".

لكن بعد العودة، وفي ظل الدمار الهائل الذي لحق بالموصل، باتت استعادة السيارة أمراً غير مضمون.

ويدعو التميمي الى الإبلاغ عن هذه السيارات المفقودة "مراكز الشرطة الموجودة في الأحياء"، لافتا إلى أن "عددا من الأهالي تمكنوا من استعادة سياراتهم أو لوحاتها بعد إبرازهم المستندات الرسمية".